فتنة الصراع الشيعي ـ السنّي تطل برأسها في بريطانيا

16 ابريل 2016
مخاوف من انتقال الصراع إلى الداخل البريطاني(كرستوفر فورلونغ/Getty)
+ الخط -
جدّد العثور، أخيراً، على منشورات في مسجد جنوب لندن تُهدّد بقتل أتباع الطريقة الأحمدية إنْ لم يعودوا إلى المذهب السنّي، مخاوف السلطات البريطانية من تسللّ الطائفية إلى أوساط الجالية المسلمة في بريطانيا، وتصاعد التوترات المذهبية بين مسلمي بريطانيا إلى حد الصدام العنيف. وتتخوف السلطات البريطانية من تكرار حادثة "حسينية المركز الإسلامي" في مدينة برادفورد البريطانية التي تعرّضت لعمل تخريبي ذي بصمات طائفية، العام الماضي.

ويتزامن كشف صحيفة "إندبندنت" البريطانية، منذ أربعة أيام، عن المنشورات التي عُثر عليها في مسجد "ستوكويل"، ويحرّض مضمونها على قتل أتباع الطائفة الأحمدية ما لم يعودوا للإسلام أو مواجهة "عقوبة الإعدام"، مع تزايد المؤشرات التي تُنذر بخطر انتقال التوتر ذات الطابع الطائفي والمذهبي المتصاعد في العالم الإسلامي إلى أوساط 3 ملايين مسلم بريطاني، منهم 2.3 سني وحوالي 300 ألف شيعي، وحوالي 5 في المائة ينتمون إلى مذاهب أخرى مثل العلوية، والبهائية، والزيدية، والصوفية.

وفي تقرير بعنوان "الكراهية الطائفية في قلب المجتمع المسلم البريطاني"، وجدت صحيفة "التايمز" أنّ التوترات الطائفية بين مسلمي بريطانيا في تصاعد قد يتطور إلى أعمال عنف وإرهاب بسبب الحرب الدائرة في سورية. وتنقل الصحيفة عن إمام مسجد مكّة السني في مدينة ليدز، قاري محمد عاصم، تحذيره من الخطاب الطائفي الذي صار "مثل السرطان ينخر جسد الجالية المسلمة في بريطانيا".

وتقول مؤسسة "Tell Mama" الحكومية المهتمة برصد الاعتداءات المعادية للإسلام، إنّها رصدت حملة ضد المسلمين الشيعة في مناطق ليدز وبرادفورد تُوزع منشورات بعنوان "الشيعة ـ دين خارج الإسلام". كما تنشر عبر وسائل التواصل رسائل نصية تدعو فيها المتلقين إلى مقاطعة المحلات التي يملكها تجار شيعة، على اعتبار أن هؤلاء "يدعمون حزب الله والرئيس السوري بشار الأسد الذين يقتلون السنة في سورية"، كما جاء في نص إحدى الرسائل. ويقول مدير مؤسسة "Tell Mama"، فياز مُغال، إن الرسائل الطائفية التحريضية التي تنتشر على شبكة الإنترنت، وتصاعد التوتر المذهبي بين السعودية وإيران من شأنها أن تغذي التوتر المذهبي بين مسلمي بريطانيا.

كما جاء في تحقيق نشرته صحيفة "إندبندنت" بعنوان "السنة ضد الشيعة ـ مسجد جديد يسلط الضوء على التوتر المتزايد بين المسلمين في بريطانيا"، أن "افتتاح حسينية جديدة بالقرب من مقاطعة باكينغهامشير يعكس ارتفاع التوتر بين مذهبَي الإسلام". ويقول كاتب التحقيق كاهال ميلمو، إن "بلدة فولمر التي يقع فيها المسجد لم تكن تتوقع أن يغرق سكانها المسلمون السنة والشيعة في أتون الفتنة الطائفية بشكل سريع. غير أنّ افتتاح المسجد بإمامة الشيخ ياسر الحبيب الذي يمثل أحد اقطاب المواجهة الطائفية في بريطانيا، زاد من مخاوف أهل القرية".

أقطاب الطائفية
يتصدر ياسر الحبيب التيار الشيعي الطائفي في بريطانيا. وصل الحبيب إلى بريطانيا عام 2004 بعدما أُسقطت عنه الجنسية الكويتية. تمكّن من بناء قاعدة جماهيرية لا بأس بها في الشرق الأوسط من خلال محطته التلفزيونية "فداك" التي تبث من مسجد فولمر. يقوم ياسر الحبيب بإلقاء محاضرة أسبوعية، مساء كل سبت، في حسينية "سيد الشهداء" تُبث على قناة "فداك" مباشرةً. كما أنّ له محاضرة يلقيها في قناة "فداك"، مساء كل يوم جمعة. حصل الحبيب على حق اللجوء في المملكة المتحدة، واستقر لمدة سنتين تقريباً في شمال إنجلترا. انتقل إلى لندن، وأعاد فيها تأسيس ما يسمى "هيئة خدام المهدي"، بعدما هُدم مكتبها في الكويت، ثم اتخذ له مكتباً موقتاً، وأسس جريدة بالإنجليزية تُعنى أساساً بشؤون الشيعة. كما أسس الحبيب "حوزة الإمامين العسكريين" لبث أفكاره وآرائه التي يراها بعض الشيعة مخالفة للمنهج الشيعي، بينما يعتبرها الحبيب المنهج الأصيل للشيعة وينتقد من يخالفها من الشيعة. ويشرف الحبيب بنفسه على الحوزة، ويدرّس فيها علم الفقه الاستدلالي، وعلم الكلام في مرحلة السطوح العالية.

وعلى الجبهة الطائفية المقابلة، يُوظّف الداعية المصري السني، خالد فكري منابر المساجد وقاعات المحاضرات في الجامعات ومنصات الإعلام الإلكتروني لتحريض السنة ضد الشيعة. خطب ومحاضرات الداعية فكري غالباً ما تُركز على ما يصفه "حقيقة الشيعة وخطرهم". وبموازاة ذلك يقود الداعية المتطرف أنجم تشودري المئات من أنصار حركة "المهاجرون" السنية في أحد شوارع لندن رافعين رايات تُمجد "الدولة الإسلامية" وتندد بالشيعة وتسميهم "أعداء الإسلام". وتصف الكاتبة جيسكا إيلغوت في موقع "هافينغتون بوست" التظاهرة الأولى من نوعها في بريطانيا، بأنها "كانت في الظاهر لتأييد التظاهرات في سورية، لكن في الحقيقة كان الهدف هو استفزاز الشيعة الذين يعتبرهم الداعية تشودري وأتباعه من السلفيين المتطرفين غير مؤمنين".

تغذية الطائفية
في محاولة لتفسير ارتفاع حدة الخطاب الطائفي بين مسلمي بريطانيا، يقول الأستاذ في جامعة ليفربول، ليون موسافي إنّ مسلمي بريطانيا، سنة وشيعة، توحّدوا خلال العقود الماضية حول قضايا الإسلاموفوبيا، الإرهاب، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أما اليوم، فإن هذه القضايا المُوحدة قد تلاشت لصالح قضايا خلافية مثل "الربيع العربي"، وسورية، وتركيا. وهي قضايا تقسم الناس وتفُرق بين هوياتهم، على حدّ تعبيره. ويرى موسافي أن الصراع في سورية دفع الناس نحو التطرف الطائفي. كما يؤكد تقرير صدر عن "مركز الدراسات الأكاديمية الشيعي"، في نوفمبر /تشرين الثاني 2013، تأثير الأحداث الدولية مثل الصراع في سورية، والأحداث في البحرين، والعراق على تأجيج الخطاب الطائفي بين مسلمي بريطانيا.

ولا تخفي الأوساط السياسية والإعلامية البريطانية مخاوفها من احتمال انتقال الصراع الطائفي والمذهبي المشتعل في العالم الإسلامي إلى الداخل البريطاني، خصوصاً أنّ هناك العشرات من القنوات الفضائية التي تبث برامج تثير النعرات الطائفية والمذهبية من خارج الحدود باتت تصل إلى جمهور الجالية الإسلامية في بريطانيا. والأخطر من ذلك، بحسب هؤلاء، هو شروع عدد من القنوات الدينية ببث برامجها المحرّضة على الفتنة الطائفية والمذهبية انطلاقاً من بريطانيا، مستهدفة الجمهور الإسلامي داخل وخارج بريطانيا.

ولطالما حذّر النائب في البرلمان البريطاني، خالد محمود من أن المشاكل بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي قد تنفجر في بريطانيا، ما لم تتخذ السلطات البريطانية المعنية إجراءات صارمة للقضاء على خطاب الكراهية الذي يبث في بريطانيا عبر القنوات التلفزيونية الفضائية من دون حسيب أو رقيب، أو عقاب من المملكة المتحدة. ويصف النائب في حزب العمال البريطاني عن مدينة بيرمنغهام، خالد محمود، المواد التي يجري بثها على تلفزيون "فداك" بأنها "أسوأ بعشر مرات مما ورد في رواية سلمان رشدي (آيات شيطانية)، التي أدت إلى إصدار فتاوى باستباحة دم أحد الكتاب البريطانيين".

في المقابل تبث قناة "وصال" التلفزيونية الفضائية، برامجها من مقرها في شمال غرب لندن، وتستهدف الأقلية السنية في إيران لتحريضهم ضد نظام الحكم هناك. ودعا النائب ذاته الهيئة البريطانية المنظمة للبث التلفزيوني "أوفكوم" لمكافحة خطاب الكراهية الطائفية. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين طالب بتدخل الشرطة لوضع حدّ لقنوات التحريض على الكراهية والطائفية في حال عجزت "أوفكوم" عن القيام بذلك.

المساهمون