فان باستن..صاحب القرارات الشجاعة المؤلمة

18 سبتمبر 2014
الضغوط المتكررة تجبر فان باستن على التنحي (Getty)
+ الخط -
جاءت الاستقالة الأخيرة التي تقدم بها النجم الهولندي السابق، ماركو فان باستن، من منصب المدير الفني لنادي "إي زد ألكمار" وإعلانه تبادل المناصب مع مساعده السابق، أليكس باستور، كأبرز حدث في سماء الكرة الهولندية هذه الأيام، حيث وصفت الصحافة المحلية قرار المدرب الشاب بـ"الشجاع"، بعد إعلانه التنحي بسبب الضغوط المتراكمة التي تعرض لها أثناء توليه المسؤولية، وانتشار أنباء عن تعرضه لإصابة مزمنة في القلب قد تمنعه من تولي المهمة بالشكل المطلوب.

وأكد فان باستن، في حديث مقتضب لوسائل الإعلام المحلية، أنه عانى مطولاً من أعباء وضغوطات العمل مديراً فنياً، رغم حصوله على دورات دراسية في التدريب واحتكاكه مع خبراء كثيرين، مشيراً إلى أن جهوده خارج الأضواء قد تفيد الفريق أكثر من وجوده على رأس الإدارة الفنية.

ويحتل ألكمار المركز الثاني عشر في الدوري الهولندي حالياً، ويخوض مباراته التالية في المسابقة يوم الأحد المقبل، حيث يستضيف فريق زفوله.

تاريخ عريق
ولد ماركو فان باستن، في الحادي والثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول عام 1964 في وسط هولندا، في مدينة أوتريخت التي لا يتجاوز عدد سكانها 300.000 نسمة. وقد بدأ قصته المذهلة مع الساحرة المستديرة في النادي المحلي "إيدو" وهو في السابعة من العمر.

وانتقل فان باستن، بعد مرور عام واحد فقط، إلى نادي "أوتريخت" حيث قضى معظم شبابه هناك، ثم قرر المغادرة الى نادي "إلينكفيك أوتريخت" خلال موسم 1981-1982 إلى أن حط الرحال أخيراً في نادي "أياكس أمستردام" العريق الذي شهد صعوده إلى العالمية.

بداية المشوار الاحترافي
بدأ المهاجم الأنيق مسيرته الاحترافية في صفوف نادي "أياكس أمستردام" في أبريل/نيسان عام 1982، حيث حل مكان الأسطورة السابقة الهولندية يوهان كرويف.

ولم يبدِ أي شعور بالخوف من حجم التحدي الذي كان ينتظره، إذ سرعان ما ساهم في فوز فريقه العريض على "نيميجن" بخماسية نظيفة، حينها كان له نصيب في مهرجان الأهداف.

وفي موسم 1982-1983، لم يتمكن هذا اللاعب الشاب من أخذ فرصته الكاملة، حيث كان بديلاً من اللاعب، فيم كيفت، الذي فاز برفقته باللقب الأوروبي بعد سنوات قليلة.

وبالرغم من ذلك، سجل الهداف الهولندي تسعة أهداف في 20 مباراة. وبعد رحيل كيفت، صاحب 43 مباراة دولية، إلى إيطاليا صوب بيزا سنحت الفرصة كاملة لماركو فان باستن لإبراز مؤهلاته المثالية والمتكاملة.

حس تهديفي عالٍ
أصبح فان باستن المعشوق الأول للجماهير، بل بات يعتبر من أبرز المهاجمين العالميين في فترة الثمانينيات بعد تتويجه بجائزة أفضل هداف في الدوري الهولندي مدة أربعة مواسم. كما تخطت إنجازاته الحدود المحلية، حين تم اختياره كأفضل هداف في القارة العجوز عام 1986، بعدما سجل 37 هدفاً في 26 مباراة.

وكانت أبرز مباراتين له عندما وقع على ستة أهداف في مباراة فريقه ضد سبارتا روتردام وخمسة أهداف أمام هيراكليس ألميلو.

وبعد فوزه بلقبي الدوري والكأس المحليين ثلاث مرات، توج الهداف العريق مسيرته مع أياكس أمستردام بإحرازه كأس أوروبا للأندية المحترفة عام 1987 بعدما سجل الهدف الحاسم في مباراة النهائي ضد نادي لوك لايبتسيج.

الاحتراف الخارجي
حان وقت الاحتراف الخارجي بالنسبة لفان باستن، فبعد تسجيله أكثر من 128 هدفاً في 133 مواجهة أمام أياكس، التحق المهاجم العريق بزميله في منتخب الطواحين رود خوليت، الذي انضم هو الآخر إلى ميلان الإيطالي قادماً من أيندهوفن.

كما انضم في الموسم نفسه، فرانك ريكارد الى الفريق اللومباردي، ليشكل فان باستن مع الثنائي الجديد ثلاثياً هجوميّاً، وصف حينها بالأخطر على مستوى القارة الأوروبية.

إصرار كبير رغم الإصابة
وخلال احترافه في إيطاليا، بدأ مسلسل الإصابات يلاحقه في كل مكان، وبالرغم من التعرض في موسمه الأول لإصابة في الكاحل وخوضه إحدى عشرة مباراة فقط، حقق الروسونيري اللقب المحلي بعد غياب دام ثماني سنوات.

وعاد المهاجم الهولندي في الموسم التالي للتألق من جديد، ووقع على تسعة عشر هدفاً في الدوري الإيطالي، ليقود فريقه الى التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا، بعدما لدغ الشباك مرتين في النهائي الذي تفوق فيه ميلان برباعية نظيفة أمام ستيوا بوخارست الروماني، واختارت الصحافة المتخصصة فان باستن كأفضل لاعب في أوروبا خلال تلك السنة.

وواصل نجم الكرة الهولندية تألقه في موسم 1989-1990 إذ توج هدافاً للكالتشيو، وتمكن من الدفاع عن اللقب الأوروبي بنجاح بعد فوز ميلان على بنفيكا البرتغالي بهدف نظيف.

رحلة العودة مع كابيلو
لم يكن موسم 1990-1991 جيداً بالنسبة لفان باستن وفريقه اللومباردي، بعد فوز سامبدوريا بلقب الدوري ونشوب خلافات عدة بين اللاعب الهولندي ومدربه، أريجو ساكي، الذي اضطر بعدها لمغادرة أسوار النادي.

وبعد تولي فابيو كابيلو، الإدارة الفنية للعملاق الميلاني، عاد الفريق الى العزف على طريق الانتصارات من جديد، خاصة بعد عودة الهداف العريق إلى التشكيلة الأساسية، الأمر الذي مكنه من تسجيل 25 هدفاً ليتوج مرة أخرى على رأس هدافي الكالتشيو، ويساهم في فوز الروسونيري باللقب برصيد خال من الهزائم.

الهداف التاريخي
دخل فان باستن تاريخ دوري أبطال أوروبا من أوسع أبوابه في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1992، بعدما أصبح أول لاعب يسجل أربعة أهداف في مواجهة واحدة، وحقق هذا الإنجاز خلال مباراة فريقه ضد نادي جوتبورج.

وكان فان باستن قد ساهم بجزء كبير في نجاحات ميلان المتتالية، حيث حافظ بطل إيطاليا على رصيده خالياً من الهزائم خلال 58 مباراة على التوالي في الدوري المحلي. كما اختير كأفضل لاعب في القارة العجوز (1992) للمرة الثالثة.

قرار مؤلم
أرغم فان باستن على الابتعاد في كثيرٍ من الأحيان عن الملاعب بسبب الإصابة في الكاحل والآلام التي لحقت فيه بركبته، حيث أجرى المهاجم الخطير عمليات جراحية عدة فشلت في إبقائه في الملاعب، ليقرر وضع حد لمسيرته الاحترافية مع نهاية موسم 1992-1993.

ولم يطل غياب فان باستن كثيراً، حيث شارك في نهائي دوري أبطال أوروبا ضد مارسيليا الفرنسي في مدينة ميونيخ الألماني، في مباراة شهدت هزيمة الإيطاليين. وظلت لعنة الإصابات تطارده إلى أن أعلن عام 1995 اعتزاله لعب كرة القدم نهائياً.

مشوار حافل مع الطواحين
انتهت مسيرة فان باستن مع المنتخب الهولندي بعد عشر سنوات من التميز، فبعدما جذب الأضواء في نهائيات كأس العالم تحت 20 سنة في مكسيكو سيتي عام 1983، تلقى في سبتمبر/أيلول من العام نفسه الدعوة الأولى للالتحاق بصفوف الطواحين.

واحتفل فان باستن بأكبر إنجاز له مع منتخب بلاده عندما قاده إلى الفوز بلقب أمم أوروبا في ألمانيا عام 1988، بالإضافة الى تسجيله خمسة أهداف ليتوج بذلك أفضل هداف في البطولة، وشارك في صنع الفوز في المباراة النهائية ضد منتخب الاتحاد السوفييتي سابقاً بهدفين مقابل لا شيء، وذلك بتوقيعه على هدف خيالي في مرمى الحارس الروسي العملاق، رينات داساييف.

إخفاقان متتابعان
عاش فان باستن خيبة أمل كبيرة في بطولتين متتابعتين، حيث خرج مع منتخب بلاده من مونديال إيطاليا 1990 في دور 16على يد ألمانيا الغربية. وبعد عامين فقط، تأهل المنتخب الدنماركي حامل اللقب، إلى نصف نهائي أمم أوروبا 1992 التي أقيمت في السويد، حيث صد بيتر شمايكل ركلة فان باستن الحاسمة ليساهم بشكل كبير في فوز فريقه باللقب الأوروبي.

فان باستن المدرب
عمل النجم العالمي السابق في موسم 2003-2004 كمدرب مساعد للفريق الرديف لنادي أياكس أمستردام، وبعد مرور عام واحد، قرر الاتحاد الهولندي لكرة القدم تعيين فان باستن مدرباً جديداً خلفاً لديك أدفوكات.

ورغم أنه استهل مهمته بنجاح بعد ضمان التأهل إلى نهائيات كأس العالم في ألمانيا 2006 دون عناء، لم يستطع فان باستن الصمود طويلاً في البطولة إذ خرج من ثمن النهائي على يد المنتخب البرتغالي. كما تم إقصاؤه من الدور الثاني في البطولة الأوروبية 2008 بعد أداء مميز في مرحلة المجموعات، وكان ذلك آخر ظهور له مع المنتخب الهولندي.

النادي الأم
تولى مدرب المنتخب السابق الإدارة الفنية لناديه الأم "أياكس أمستردام" موسم 2008-2009، إلا أنه استقال من منصبه في 6 مايو/أيار 2009 بعدما فشل في تحقيق التأهل إلى منافسات دوري الأبطال. وفي منتصف عام 2010 راجت الشائعات حول إمكانية التحاقه بنادي ميلان الإيطالي لكنه سرعان ما كذب هذه الأقاويل، ليواصل رحلته المحلية مع كل من هيرنفين وألكمار.
المساهمون