فانتازيا روسية ونفاق لاتيني وهوس صيني

21 يناير 2020
+ الخط -
ـ في مقال بمجلة (ذي أتلانتيك) الأميركية تحدثت الكاتبة والمؤرخة آن أبليبوم عن ظاهرة جديدة تشهدها أميركا، هي ظاهرة الولع المتنامي بروسيا في صفوف المحافظين واليمينيين، الذين برغم "وطنجيتهم" الشديدة، إن صح التعبير، يزدرون أميركا اليوم بسبب ما تشهده من تعددية ثقافية، وبسبب انحسار التدين في المجتمع الأميركي الذي يؤمنون بفساده. وفي المقابل، يحتفي هؤلاء بروسيا التي تشكل بالنسبة إليهم نموذجاً ملهماً للأمة الموحدة والمتجانسة التي قاومت التغير والصوابية السياسية.

تستشهد الكاتبة بتوجيه باتريك بوكانان، الأب الروحي لليمين المتطرف، أخيراً تحية حارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أصبح في رأيه رمزاً يساعد على ترويج قيم المسيحية الأرثوذكسية، مشيداً بسياسات بوتين المناهضة للمثلية الجنسية والمناصرة للتقاليد والعادات الوطنية. وأشارت أيضاً إلى ما قاله المذيع الشهير تاكر كارلسون، نجم شبكة فوكس للأخبار، عن تشككه في كون التعددية والتنوع سبباً في تقوية الولايات المتحدة، وإعلانه مناصرته لروسيا في نزاعها مع أوكرانيا، وهو ما يعبّر عن رأي يروج وسط مشاهدي الشبكة الأكثر انتشاراً في صفوف المحافظين واليمينيين الأميركيين، الذين كان العداء الأعمى لروسيا في الماضي جزءاً من ثوابتهم في التفكير.

تقول الكاتبة المتخصصة في تاريخ أوروبا الشرقية، والحاصلة على جائزة بوليتزر عن كتابها عن تاريخ معتقلات الجولاج، إن "مهاويس" بوتين ومعجبيه في أوساط اليمين المتطرف الأميركي، ليس لديهم فكرة حقيقية عن روسيا التي يعجبون بوحدتها وتدينها وخلوها من التنوع، وإنهم سيصابون بالهلع لو عرفوا أن 15 في المائة فقط من المواطنين الروس يعتبرون أن الدين يلعب دوراً مهماً في حياتهم، وأن روسيا تشهد أعلى معدلات الإجهاض في العالم، وأن نسبة المسلمين في روسيا تبلغ ستة أضعاف نسبة المسلمين في أميركا، وأن الشريعة الإسلامية مطبقة رسمياً في الشيشان، إحدى مقاطعات روسيا الاتحادية، وأن جهلهم بكل هذا أو تعاميهم عنه، إن عرفوه، يؤكد أن المسألة ليست محبة هؤلاء لبوتين وتبنيهم للفانتازيا الروسية، بل كراهيتهم لأحوال أميركا التي يعتبرون انتشار التنوع الثقافي فيها خراباً مؤكداً لها.

ـ في عددها الأخير نشرت مجلة (ذي ويك) الأميركية مقتطفات من مقال للكاتب الأرجنتيني غابرييل سيلفا نشرته صحيفة (كلارين) الأرجنتينية يستنكر فيه غياب التضامن مع المعارضين الكوبيين في دول أميركا اللاتينية، فيما يجري الاحتفاء بمطالبات المعارضين الفنزويليين والبوليفيين والتشيليين بديمقراطية أكثر اتساعاً وعمقاً، مع أن آخر انتخابات حرة وديمقراطية في كوبا حدثت في عام 1948، ومع أن البلد محكوم بديكتاتورية الحزب الواحد منذ عام 1959، مشيراً إلى أنه في العام الماضي، تبنت كوبا دستوراً جديداً يكرس اضطهاد الحقوق السياسية ويمنع المواطنين من معارضة السلطة السياسية.

يسخر الكاتب من حديث ساسة أميركا اللاتينية ونُخبها عن الديمقراطية، في الوقت الذي لا يجدون فيه أدنى حرج في تبادل المصالح والعلاقات التجارية مع بلد مثل كوبا، يفرض الديكتاتورية ويهدد حريات المواطنين وأرواحهم، الذين يجرؤون على المعارضة، فضلاً عن استمرار سلطاته في اضطهاد الفنانين والمثقفين والمثليين جنسياً، ومنع الناشطين المؤيدين للديمقراطية من مغادرة البلاد، وإخضاع الصحافيين المعارضين لإقامة جبرية في منازلهم، إذا نجوا من السجن، وهو ما يجعل دفاع قادة أميركا اللاتينية ونخبها عن الديمقراطية مجرد نفاق غير مقبول في رأيه، لن ينهيه إلا اتخاذ موقف ضد القمع الذي تمارسه السلطات الكوبية بحق المستقلين والمعارضين، مستشهداً بالمعارض والمثقف التشيكي الشهير فاتسلاف هافيل الذي قضى سنوات عديدة في سجون النظام الشيوعي الذي حكم تشيكوسلوفاكيا، لكنه بعد خروجه من السجن وتوليه رئاسة بلاده بعد سقوط الشيوعية، تحدث في كل مناسبة عن أهمية أن نقاتل من أجل حرية الآخرين، في الوقت نفسه الذي نقاتل فيه من أجل حريتنا، مضيفاً أنه ما لم يعلن المهتمون بالديمقراطية والمطالبون بها في أميركا اللاتينية بمنتهى الإخلاص رفضهم لسياسات النظام الكوبي ومناصرتهم للمطالب المشروعة لمعارضيه، فإن عليهم ألا يتوقعوا ولا يطالبوا بديمقراطية حقيقية في بلادهم.

ـ انتقد مقال نشرته صحيفة (غلوبال تايمز) الصينية ظاهرة حرمان الأطفال الصينيين فرصة قضاء الإجازات دون شغلهم بالمزيد من المذاكرة والدروس والكورسات التعليمية، وخصوصاً حين تقيّم الأسر الصينية في مثل هذا الوقت من كل عام درجات أبنائهم، وحين لا يجدون أن أبناءهم ينتمون إلى النصف الأعلى من الحاصلين على درجات متميزة في فصولهم الدراسية، يُرسلونهم في إجازة الشتاء إلى مدارس تقوية غالية ومزدحمة بالطلاب. وحتى الطلبة الذين يحصلون على درجات عالية، لا يحصلون على فرصة الاستمتاع بإجازاتهم المدرسية، ويُجبَرون على الانشغال بالمزيد من دروس التقوية، ويُلحَقون بكورسات لتطوير المهارات الفنية والتعليمية، ما يحولهم من أطفال ممتلئين بالحيوية ومقبلين على الحياة إلى أطفال مكتئبين، بسبب حرمانهم اللعب والتسلية اللازمين لتجديد النشاط.

يقول المقال الذي نشر بتوقيع لو يوانزي إن الأسر الصينية تنفق كل عام ما يقرب من 17 ألف دولار أميركي على مدّ أبنائها بمناهج تقوية وكورسات لإثراء المهارات المختلفة، ليضمنوا أنهم ليسوا فقط متفوقين في الرياضيات والعلوم، بل قادرون على الإبحار ولعب الغولف وتحدث الإنكليزية والفرنسية بطلاقة، وإن أرباب الأسر الذين يقررون منح أولادهم فرصة الاستمتاع بالإجازات وأوقات الفراغ، يتأثرون بالأجواء المحيطة بهم، ويتملكهم القلق من أن يؤدي ذلك إلى تأخر أولادهم دراسياً وعدم حصولهم في المستقبل على فرص العمل اللازمة، وهو ما يرى المقال أنه يؤدي إلى حياة غير صحية وغير محمودة العواقب.

ـ كشف أحدث إحصاء رسمي في المكسيك الأسبوع الماضي عن تعرض أكثر من ستين ألف مواطن للإخفاء القسري، وغالباً للتصفية الجسدية، منذ أن بدأت الدولة بإعلان الحرب على "كارتلات" المخدرات في عام 2006. الرقم المخيف الذي اعتمد على معلومات جُمعَت من مكاتب النيابات عبر المكسيك، تجاوز بكثير رقماً سابقاً كان قد أعلن في عام 2018، أن عدد المختفين في البلاد يبلغ 40 ألف مواطن فقط، مع مراعاة أن هذه الأرقام تنصبّ فقط على المختفين، لا على مَن تأكد قتلهم رسمياً، الذين وصل عددهم في عام 2019 وحده إلى نحو 31 ألف مواطن، ولأن معاناة من يتعرض أقاربهم وأحبابهم للاختفاء الغامض والمفاجئ، تظل أصعب وأقسى، فقد أعلن الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور الذي تولى الرسائة عام 2018، في خطاب رسمي له، أنه سيجعل من أولوياته التعرف إلى مصير المفقودين والمختفين، الذين يشكلون جرحاً مفتوحاً في آلاف البيوت المكسيكية.

ـ في بيرو ناشدت السلطات السائحين الذين يأتون من كل أنحاء العالم لزيارة المواقع الأثرية الشهيرة في البلاد، وعلى رأسها "ماتشو بيتشو"، أن يتخلوا عن اصطحاب الزجاجات البلاستيكية معهم خلال زيارتهم للموقع، لأن السلطات المحلية تعاني من تكلفة وآثار التخلص من خمسة أطنان من المخلفات تُرمى كل يوم في الموقع الأثري الذي بنته إمبراطورية الإنكا في القرن الخامس عشر ميلادي، مع أن مصنعاً أُنشئ بالقرب من المكان يسحق ما يقرب من طن من الزجاجات البلاستيكية كل يوم، ويحوّلها إلى كتل كثيفة يمكن حملها بالقطارات بعيداً عن الموقع الأثري الذي لا توجد طرق توصل إلى المناطق العليا منه. لكن السلطات برغم كل ما تبذله من جهود، لم تعد قادرة على التعامل مع المخلفات التي يتركها السياح، خاصة بعدما هددت منظمة اليونسكو بسحب صفة "التراث العالمي" التي أُسبِغَت على الموقع، بسبب امتلاء المكان والأنهار الموجودة فيه بالمخلفات التي تلوث البيئة، وهو ما جعل السلطات تناشد السياح أن يحملوا معهم زجاجات قابلة للملء، وركّبت محطات مياه لملء الزجاجات للراغبين في الشرب.

في الوقت نفسه، رحّلت السلطات البيروفية يوم الخميس الماضي سائحَين برازيليَّين وسائحاً أرجنتينياً وآخر تشيلياً وسائحة فرنسية، ومنعتهم من دخول البلاد لمدة 15 سنة، بسبب القبض عليهم متلبسين يشوّهون معبد الشمس الموجود في بلدة "ماتشو بيتشو"، والبالغ عمره 600 سنة، واصطُحب السياح إلى الحدود البوليفية ورُحِّلوا إلى أقرب بلدة هناك، بتهمة تشويه التراث البيروفي، مع أن أحدهم قال إن كل ما فعله هو التسبب دون قصد بسقوط حجر من حائط المعبد.

لك أن تتخيل مشاعري حين قرأت هذا الخبر، بعد مشاهدتي لفيديو يقوم فيه عدد من المواطنين المصريين الشرفاء بتكسير بعض حجارة الأهرامات، لبيعها للسياح الراغبين في الحصول على تذكارات من حضارتنا التليدة برخص التراب، وبالتأكيد ستتكفل "باسبورات" المشترين في حمايتهم من أي عقاب، حتى لو كان مجرد الإبعاد والمنع من دخول البلاد التي يحكمها منذ زمن بعيد منطق "بفلوسك وبمالك هتنول اللي في بالك".
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.