غيّروا النشيد الوطني
نقل عن الأستاذ عمر عزيمان، وهو رجل قانون ودولة مغربي محترم ومقدر، قول بصدد التعليم بالدارجة المغربية، ومفاده بأن المجلس الأعلى للتعليم لم يحسم بعد في هذه المسألة، وأنه عندما يحين وقتها سيطرحها للتصويت على أعضاء المجلس، المشكل من خبراء وتقنيين وسياسيين ونقابيين وفعاليات مدنية، أي أن المجلس يمثل خلاصة المجتمع المغربي.
وليس دفاعاً عن الرجل القول إنه لو كان يساوره أدنى شك في مرور مثل هذا القرار، قرار التدريس بالدارجة، على الرغم من أنه الواقع الفعلي للمدرسة المغربية، ليس الآن، ولكن، منذ فترة طويلة، بعد أن تهلهلت المنظومة التعليمية، لما أقدم الرجل على مثل هذا التصريح، ولا المخاطرة.
يكرس الواقع، اليوم، قوته ورداءته، ويذهب في اتجاه الإعلان عن نهاية المدرسة وموت التعليم، العمومي منه والخاص، فالأرقام لا تسر، وهي تشير إلى أن أكثر من أربعة ملايين مغربي غادروا مقاعد الدراسة، لأسباب كثيرة ومعقدة، في مقدمتها انسداد الأفق أمام الخريجين الجامعيين، وارتفاع معدلات البطالة، حتى أصبح يقينا تماماً أن مدرجات الجامعة والمعاهد العليا تؤدي، تلقائياً، إلى حجز كرسي في المقهى المجاور، جنب الخريجين العتاة الذين التهمتهم صفوف الانتظار الطويل، فوجدوا السلوى في المقهى إلى حين. وهناك، يتسع لهم الوقت لينمّوا عضلات الحقد الاجتماعي، وليربّوا اليأس في الأقفاص، قبل أن ينطلق وحشاً كاسراً، تطرفاً أو جنوحاً، وما لا تحمد عقباه.
هذا هو الوضع في ظل التعليم بالعربية والفرنسية، فماذا سيكون الحال إذا كان التعليم دارجة! تبين أن النقاش حول هذا الموضوع مجرد كيس فارغ، وطحن للكلام، وإفلاس للمسؤول عن الشأن التعليمي، في بدء خطة إنقاذ شاملة وعاجلة، فأي مغرب سيكون في قبضة أمية مقيتة وبين فكي مدرسة متخلفة؟
هؤلاء الذين يزجون الوقت في النقاشات التافهة إنما يدفعون المغرب نحو الهاوية، ومثل من يسقي في عروق أبنائه دما ملوثا أو يطعمهم سما.
ظلت القوى الوطنية تطالب، منذ استقلال البلاد، بالتعليم للجميع، التعليم الجيد المنتج والمنافس في السوق العالمي، والمستجيب للحاجيات المحلية، لأنها كانت تدرك حقيقة أن أي إجهاز على التعليم ضربة قاسية لكل مشاريع النهوض، وتحنيط للبلاد، وتأبيد لكل أشكال الاستغلال وإفلاس للمواطنة.
ومنذ ستة عقود، كان هذا هو المطلب الرئيسي وتصدر أولويات كل الأحزاب الحاملة مشاريع التنوير. كان واضحا أن ضرب التعليم العمومي القائم على المجانية إجهاز على حق مشروع مكتسب للفئات العريضة من الشعب المغربي، بتقوية مافيات التعليم الخاص ولوبياته. وهنا، مقتل كل محاولة إصلاح يغشاها الانتصار للوبي المال.
فتخلي الدولة عن حماية الأمن التعليمي هو شبيه بتخليها عن حماية الحدود، أو أمن مواطنيها الداخلي، وأي تفويت لهذا القطاع، يشبه تفويت القطاعات الاستراتيجية إلى الآخر، مثل خوصصة الجيش، أو توفير الأمن لمن يدفع أكثر، أو تعريض أحد رموز السيادة للخطر.
فما على الذين يفكرون في التدريس بالدارجة إلا أن يغيّروا النشيد الوطني، لو استطاعوا أو أحمر العلم! فهناك تحديات أخرى أكثر أهمية من العودة إلى هذا النقاش البائس. وفروا قاعات درس محترمة وكراسي، وحددوا مناهج تدريس العربية واللغات الحية، انفتحوا على التجارب الرائدة، فعلى الأقل إذا كانت المدرسة المغربية لم تعد تمنح وظيفة، فلتمنح تعليماً جيداً، يؤهل أبناء البلاد لتجريب حظهم مع سمك القرش في أوطان أخرى.
رجاء، لا تجهّلوا شعباً جميلاً ومبدعاً وقادراً على أن يكون ابن زمنه، لا تطحنوا أزهار الأمل!