تحفل الصحف العربية ووسائل الإعلام والمنتديات الفكرية بنقاش لم يصل إلى خواتيمه بعد، حول الأسباب التي تدفع المنطقة العربية والإسلامية إلى هذا الدرك العميق من العنف الأعمى الذي يدمر البشر، ولا ينجو منه الحجر. لكن القراءات تغفل واحدة من المسائل الجوهرية التي يجدر التوقف عندها، وهي المتمثلة في غياب الفكر والبحث العلمي لدى المجتمعات على نحو الإجمال، والقطاعات المعنية تحديداً.
من هنا تأتي المقولات التي تروج حول إمكانية الخروج من هذه الكارثة، حينا بالعودة إلى الماضي، كما كان عليه دون زيادة أو نقصان، وأحيانا بالتنكر للتراث أو اعتباره العقبة الكأداء التي تحول دون تحقيق التقدم المأمول، مما يستوجب محوه.
لذلك، فإن مجتمعاتنا هذه تقبع في قلب دائرة مقفلة لا مخرج منها. البعض يعتقد أن العنف العاري والمنفلت هو الخيار التطهيري، والبعض الآخر يترحّم على البُنى والمؤسسات السياسية والعامة التي كانت في أصل الداء، وهو يحن لعودتها، كما كانت عليه قبل الربيع العربي.
يمكن العودة إلى ألوف الأدلة والبراهين على هذه التوجهات العدمية، وهو ما لا يقتصر على ما يقوله بعض من يوصفون بأنهم من النخب، إذ إنه يتغلغل عميقا في الفكر اليومي للمجتمعات العربية. ولا شك أن وسائل الإعلام تلعب دورا سلبيا في تسويق مثل هذه المفاهيم الغيبية. بعض القنوات متخصصة في تسويق هذا التوجه أو ذاك، إلى الحد الذي لا يعنيها من هموم الدنيا شيء. وبعضها الآخر تخصص برامج لنشر مثل هذه التوجهات التي تملك عدة حاضرة لا تكلف الكثير، وهناك من هم جاهزون لاستعادتها بحرفيتها، دون حد أدنى من إعمال الفكر في الراهن. برامج الأبراج والتنبؤات- التي تروج مع مطلع كل عام خصوصا- هي غيض من فيض. والحصيلة أن وسائل الإعلام تخلت عن دورها التنويري المفترض لصالح تكريس منطق الاتكال على ما يقرره الطالع، عبر ولوج عالم التنجيم والتبصير وقراءة الكف.
يتدخل المشتغلون في هذه التوجهات في مختلف العلوم والمعارف. ولا تختلف فتاوى هؤلاء عن فتاوى رجال الدين الذين يدّعون أنهم يملكون الأجوبة الشافية لكل ما يعانيه الإنسان على هذا الكوكب من مشكلات، بدءا من علاقاته بالآخرين، بلوغا إلى ما يعانيه من مرض وخسارات. الاتصالات تنهال بالعشرات عبر الأسئلة المباشرة شفاهيا، أو من خلال الرسائل النصية القصيرة. وفي مثل هذا المناخ نتكل على ما تكشفه لنا الحُجُب المستورة. ونعرف عندها أن علاقاتنا مع أصدقائنا وعائلاتنا وأقاربنا ومصالحنا ستعود إلى سويتها الطبيعية، ما دام كوكبان سيلتقيان في هذا الشهر أو ذاك ويتحقق المرغوب والمشتهى.
(أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية)
من هنا تأتي المقولات التي تروج حول إمكانية الخروج من هذه الكارثة، حينا بالعودة إلى الماضي، كما كان عليه دون زيادة أو نقصان، وأحيانا بالتنكر للتراث أو اعتباره العقبة الكأداء التي تحول دون تحقيق التقدم المأمول، مما يستوجب محوه.
لذلك، فإن مجتمعاتنا هذه تقبع في قلب دائرة مقفلة لا مخرج منها. البعض يعتقد أن العنف العاري والمنفلت هو الخيار التطهيري، والبعض الآخر يترحّم على البُنى والمؤسسات السياسية والعامة التي كانت في أصل الداء، وهو يحن لعودتها، كما كانت عليه قبل الربيع العربي.
يمكن العودة إلى ألوف الأدلة والبراهين على هذه التوجهات العدمية، وهو ما لا يقتصر على ما يقوله بعض من يوصفون بأنهم من النخب، إذ إنه يتغلغل عميقا في الفكر اليومي للمجتمعات العربية. ولا شك أن وسائل الإعلام تلعب دورا سلبيا في تسويق مثل هذه المفاهيم الغيبية. بعض القنوات متخصصة في تسويق هذا التوجه أو ذاك، إلى الحد الذي لا يعنيها من هموم الدنيا شيء. وبعضها الآخر تخصص برامج لنشر مثل هذه التوجهات التي تملك عدة حاضرة لا تكلف الكثير، وهناك من هم جاهزون لاستعادتها بحرفيتها، دون حد أدنى من إعمال الفكر في الراهن. برامج الأبراج والتنبؤات- التي تروج مع مطلع كل عام خصوصا- هي غيض من فيض. والحصيلة أن وسائل الإعلام تخلت عن دورها التنويري المفترض لصالح تكريس منطق الاتكال على ما يقرره الطالع، عبر ولوج عالم التنجيم والتبصير وقراءة الكف.
يتدخل المشتغلون في هذه التوجهات في مختلف العلوم والمعارف. ولا تختلف فتاوى هؤلاء عن فتاوى رجال الدين الذين يدّعون أنهم يملكون الأجوبة الشافية لكل ما يعانيه الإنسان على هذا الكوكب من مشكلات، بدءا من علاقاته بالآخرين، بلوغا إلى ما يعانيه من مرض وخسارات. الاتصالات تنهال بالعشرات عبر الأسئلة المباشرة شفاهيا، أو من خلال الرسائل النصية القصيرة. وفي مثل هذا المناخ نتكل على ما تكشفه لنا الحُجُب المستورة. ونعرف عندها أن علاقاتنا مع أصدقائنا وعائلاتنا وأقاربنا ومصالحنا ستعود إلى سويتها الطبيعية، ما دام كوكبان سيلتقيان في هذا الشهر أو ذاك ويتحقق المرغوب والمشتهى.
(أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية)