وتشير المصادر لـ"العربي الجديد" إلى أن النظام ربما يُقدم على تسليم القاتلين إلى "شيوخ العقل"، وهم أبرز رجال الدين في المحافظة، كي يتفادى المزيد من الغضب الشعبي، الذي من المرجح أن يتحوّل إلى تمرد كبير لن يستطيع النظام تطويقه في ظل حالة التآكل التي يعيشها بعد خمس سنوات من الحرب في عموم سورية. في حين ذكرت مصادر إعلامية أن النظام قام بتحويل القاتلين الى محكمة عسكرية في محاولة منه لتهدئة الشارع الذي يطالب بتنفيذ حكم الإعدام بهما على الفور.
وتلفت المصادر إلى أن "مؤسسة الشبيحة" في السويداء، التي يشرف عليها ويرعاها العميد، وفيق ناصر، وهو رئيس الاستخبارات العسكرية التابعة للنظام في المنطقة الجنوبية، "تغوّلت إلى درجة أن أفرادها تحوّلوا إلى تجار سلاح، ووقود، يقتلون خارج قوانين النظام، وبرضاه". وذكر ناشطون أن محافظة السويداء تشهد منذ أشهر انفلاتاً أمنياً وصفوه بـ"غير المسبوق"، مشيرين إلى ظاهرة انتشار السلاح، وتعدد الفصائل التابعة للأجهزة الأمنية التي تقوم بإدارة "عصابات التهريب والخطف، مما شكّل مافيات حقيقية محمية بشكل مباشر من قادة الأجهزة في السويداء"، وفق ناشطين.
وتعد السويداء من المحافظات السورية التي تُوصف بـ"الهادئة"، إذ نجح النظام في تحييدها عن الثورة التي بدأت في العام 2011، فلم تشهد حراكاً ثورياً مهماً، على الرغم من أن عدداً من أبنائها كان لهم حضور في التظاهرات التي كانت تخرج في دمشق وريفها في العام الأول من الثورة، وفي المناسبات الثورية، وأبرزهم منتهى الأطرش، وهي ابنة الزعيم السوري، سلطان باشا الأطرش، الذي قاد ثورة السوريين ضد المحتل الفرنسي في منتصف العشرينيات من القرن الفائت.
وحاول عدد من رجال الدين تحريض المحافظة على الثورة من خلال رابطة "مشايخ الكرامة"، بقيادة الشيخ وحيد البلعوس (أبو فهد)، الذي سرعان ما قُتل في بداية سبتمبر/أيلول من العام الفائت، ووُجّهت أصابع الاتهام إلى أجهزة النظام الأمنية التي لم تكن تنظر بعين الرضا إلى حركة البلعوس، فتم تفجير موكبه بعبوة ناسفة ما أدى إلى مقتله وعدد من مرافقيه. وتفجّر غضب شعبي في السويداء إثر مقتل البلعوس، إذ حطم متظاهرون تمثال حافظ الأسد في المدينة، ولكن النظام استطاع بعد ذلك تطويق الغضب عن طريق عدد من المشايخ الموالين والمتهمين بإطفاء جذوة الثورة في المحافظة، التي استقبل أهلها آلاف النازحين السوريين خلال سنوات الثورة.
ويقول الكاتب المعارض، حافظ قرقوط، وهو من أبناء السويداء، إن النظام حاول خلال السنوات الفائتة إشعال فتيل فتنة بين السويداء وجارتها درعا من خلال توجيه شبيحته بتنفيذ عمليات خطف لمدنيين، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، فلم يتجه أبناء المنطقتين إلى صدام كان من الممكن أن يتطور إلى حرب أهلية يسعى إليها النظام في إطار محاولاته خلط الأوراق، والاستمرار بالمتاجرة بالأقليات بسورية أمام المجتمع الدولي.
ويشير قرقوط، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن النظام "سعى لخلق فتنة بين الدروز والبدو داخل محافظة السويداء إلا أنه فشل أيضاً"، لافتاً إلى أن النظام يحاول اتخاذ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الموجود بالقرب من المحافظة، كـ"فزاعة" من أجل إبقاء السوريين الدروز في "قلق وجودي دائم" يمنعهم من التفكير في الثورة عليه. ويحذر من محاولات النظام تحويل ما يجري في السويداء إلى اقتتال عائلي داخل الطائفة يؤدي إلى انقسام حاد تكون له تداعيات سلبية كبرى، كما فعل مع أغلب مكوّنات الشعب السوري طيلة سنوات الثورة.
وليست هناك إحصائيات رسمية لعدد الدروز في سورية، إلا أن مصادر تؤكد أن العدد ربما يصل إلى 600 ألف، أغلبهم في محافظة السويداء، وفي بعض أحياء دمشق، ومنها جرمانا، وصحنايا، كما يعيش آلاف منهم في قرى عدة في محافظة إدلب شمال.
على صعيد متصل، استعادت قوات النظام السيطرة على سجن السويداء المركزي إثر عصيان بدأ منتصف ليل الأربعاء ـ الخميس، احتجاجاً على المعاملة السيئة والابتزاز الذي يتعرضون له، إضافة إلى طلب أحد الأفرع الأمنية نقل 4 معتقلين من السجن إلى دمشق، وسط اعتقاد أنه سيُنفذ بحقهم حكم الإعدام. وتقول مصادر إعلامية تابعة للمعارضة السورية إن قوات النظام ارتكبت، يوم الجمعة، مجزرة داخل السجن، إذ أطلقت النار على المعتقلين ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم. وأرسل معتقلون نداءات استغاثة من خلال مقاطع فيديو أظهرت جانباً من عملية الاقتحام قبل أن تعمد قوات النظام إلى قطع شبكة الإنترنت.
ويضم سجن السويداء المركزي، وفق الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين، ألفاً ومائة معتقل وسجين، بينهم حوالي 750 من معتقلي الثورة، ومن محافظات سورية عدة. وكان المعتقلون وافقوا على إنهاء العصيان "مؤقتاً" إثر وعود قدمها مدير السجن بالاستجابة لطلباتهم المتمثلة بـ"وقف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن المحكمة الميدانية، ومحكمة الإرهاب، واعتبارها باطلة، ومعدومة قانوناً"، و"محاسبة الضباط، والعناصر الذين أساؤوا للمعتقلين بالضرب". لكن النظام ضرب عرض الحائط بالوعود التي قدمها، وقامت قواته باقتحام السجن، وسط مخاوف على مصير المعتقلين في ظل عدم اهتمام من قبل المنظمات الدولية بمصيرهم.