غضب مغربي من فرنسا

26 يناير 2015

الحرارة لم تعد إلى العلاقات بين المغرب وفرنسا

+ الخط -
لا تتوقف العلاقات المغربية الفرنسية عن التدهور، فقد كان تأجيل زيارة مرتقبة لوزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، لباريس، علامة جديدة على أن الحرارة لم تعد بعد إلى علاقات كانت توصف دوماً بالتاريخية والوثيقة.
بعض من يدّعي معرفة في الموضوع لم تسعفه دروس العلاقات الدولية التي تلقاها في مدرجات الجامعة، لكي يفكك مرموزات هذا التصعيد الدبلوماسي غير المعهود في السياسة الخارجية للمغرب، وخصوصاً في علاقاته مع حلفائه التقليديين.
فهذه المرة، يريد صاحب القرار في البلاد أن يؤكد شيئاً للفرنسيين، وتحديداً إلى اليسار الفرنسي الذي يحكم، فالرباط عبرت عن برود منذ الوهلة الأولى لوصول فرانسوا هولاند إلى الإليزيه. كان هناك شعور لدى الطبقة السياسية في البلاد أن مجيء الاشتراكيين سينعكس سلباً على قضايا حيوية للمغرب، ومنها قضية الصحراء وما يدور في فلكها من مساندة ضمنية كانت توفرها باريس للرباط في مجلس الأمن وفي الأمم المتحدة، وخصوصاً حين يحين الموعد السنوي لتجديد مهمة القوات الدولية "المينورسو" والمطالبة بتوسيع صلاحياتها لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، الأمر الذي يرفضه المغرب، ويعتبره تدخلاً في الحقوق السيادية للبلاد.
إضافة إلى ملف الصحراء، هناك الجزائر، فصفقات الغاز التي تحصل عليها باريس من حكام قصر المرادية تجعل المغرب يدرك جيداً أن كثيراً من قضاياه ستكون رهينة في أيدي اللوبي المصالحي الفرنسي الجزائري.
لقد فهم المغرب جيدا أن زمن التساهل مضى، وطالما أن ليس لديه الغاز ليقدمه لباريس، فالورقة القوية بين يديه، تكمن في القيام بمراجعة شاملة للعلاقات البينية بين البلدين، حتى إن أدى ذلك إلى المرور بفترة بياض، قد تطول أو تقصر، حسب الشروط التي تجري فيها مثل هذه المنازلة الدبلوماسية، وهي بلا شك، ستوقف الزمن السياسي بين البلدين، وقد يكون لذلك مضاعفات على المدى المنظور.
فتأجيل زيارة رسمية إلى أجل غير مسمى، وخروج بيان للسفارة المغربية يرد على مقالات كتبت في الصحافة الفرنسية، أمران يشيران إلى أن الرباط طالبت باريس، شرطاً لاستئناف العلاقات، الكف عن المسؤولين المغاربة السامين، وتمتيعهم بالحصانة الدبلوماسية، وفي ظرف خاص، بعد أحداث "شارلي إيبدو"، كلها معطيات تؤكد أن المغرب اتخذ قراراً استراتيجياً بخصوص علاقته مع فرنسا، وكأن هناك قناعة من الرباط بأن الحملات في الصحافة، وفي الفضائيات الفرنسية، عمل منسق وموجه، وبالتالي، آن لهذه الحرب الإعلامية أن تتوقف، وحتى يفسح المجال لتفاهمات على أرضية جديدة.
هل يخدم منحى التصعيد مع فرنسا الرباط؟ هناك من يشير إلى أن المغرب سيخسر كثيراً من استمرار أجواء التوتر هذه، ففي الجهة المقابلة يوجد خصوم المغرب، وهم ينتظرون مثل هذه الفرص الذهبية لكي يعززوا مواقعهم لدى باريس، وقد يحصلون على مكاسب في ظل ظروف التصعيد، خصوصا مع اقتراب موعد التصويت على التمديد لمهمة "المينورسو".
لكن، على مستوى آخر، قد يشكل هذا الموقف الجديد للمغرب نقطة قوة على صعيد دبلوماسيته، وربما تغيراً في طبيعة أدائها، بعد أن ظلت قاعدتها الذهبية عقوداً طويلة "لا تعبيرات غاضبة، ولا مواقف صريحة"، بينما كل العمل ينجز في الكواليس، وبتلك الطريقة التي أطلقت عليها المعارضة اليسارية في سنوات المواجهة "دبلوماسية الولائم"، في إشارة إلى الاستقطاب الدبلوماسي المغربي عن طريق المضافات الباذخة، والتي كانت تعتبرها المعارضة آنذاك تبذيراً للمال العام، من دون تحقيق نتائج تذكر.
اليوم، يريد المغرب أن يقول لشركائه، لا طاجين ولا كسكس، رفعت المائدة، فهل ينجح هذا الرهان في لعبة لي الأذرع مع "ماما فرنسا"!؟
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..