غضب الضفة المحاصر

16 ديسمبر 2018
+ الخط -
لم تعرف الضفة الغربية خلال السنوات الماضية هبّة كالتي شهدتها خلال الأيام الماضية بعد اغتيال قوات الاحتلال اثنين من المقاومين الفلسطينيين. هبة تكشف حجم الغضب المكبوت في الضفة، والذي تحرص السلطة الفلسطينية  على إبقائه تحت الرماد، كي لا ينفجر في وجهها بالدرجة الأولى. لا علاقة للأمر بالفصائلية التي تتذرع بها السلطة لقمع التظاهرات والاحتجاجات، كما حدث قبل يومين، حين تم تفريق مسيرتين، بذريعة أنهما جاءتا لمناسبة إحياء ذكرى تأسيس حركة حماس. قد يكون ارتباط المسيرات أو التحركات ببعض الفصائل صحيحاً، غير أنه لا يعكس، بشكل مطلق، حقيقة التحركات الاحتجاجية في الضفة الغربية وخلفياتها وأبعادها، وخصوصاً في ظل انعدام الأفق المطلق، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، والضائقة التي بات يعيشها الفلسطينيون مع شبح الإفلاس الذي يحوم فوق السلطة الفلسطينية. 
الغضب المتمدد اليوم في الضفة الغربية هو ضد الاحتلال بالدرجة الأولى، فاستباحة القرى والمناطق الفلسطينية سياسة شبه يومية من القوات الإسرائيلية، إضافة إلى التضييق المستمر على حركة الفلسطينيين مع إغلاق الطرق وبناء المستوطنات، إضافة إلى اعتداءات المستوطنين المتزايدة على المواطنين، بحماية من القوات الإسرائيلية. ممارسات عمرها من عمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولم تفلح اتفاقات أوسلو في الحد منه، وهي تضاعفت بعد الانتفاضة الثانية وخسارة السلطة مناطق كثيرة كانت، اسمياً، تحت سيطرتها، غير أن التحرك ضد هذه الممارسات بقي مكبلاً بمعطياتٍ عديدة، في مقدمتها الانقسام الفلسطيني الذي منع حركة الناشطين في الضفة الغربية، وخصوصاً المنتمين فعلياً إلى حركة حماس، إذ كان سيف الاعتقالات يلاحقهم من قوات الأمن الفلسطيني، وفي حال لم تتمكّن من ذلك كانت قوات الاحتلال تتكفل بالأمر.
لا شيء تغير اليوم، وما كان يكبل التحركات الاحتجاجية الفلسطينية في السابق لا يزال قائماً، ولا سيما في ظل تمسك السلطة بالتنسيق الأمني مع قوات الاحتلال، وهو الذي ربما أدى إلى تنفيذ عمليتي الاغتيال الأخيرتين، إذ بقي الجيش الإسرائيلي أكثر من شهرين يبحث عن الشهيد أشرف نعالوة، غير أنه لم يتمكن من الوصول إليه إلا قبل أيام قليلة. ليس واضحاً ما إذا كان الوصول إليه كان عبر التنسيق الأمني أو من دونه، غير أن هذا لا يعفي التنسيق من اعتقالات واغتيالات كثيرة نفذت سابقاً في الضفة الغربية.
هنا يأتي الهدف الآخر للغضب الفلسطيني، إذ يأتي موجهاً ضد السلطة في الدرجة الثانية، ليس بسبب التنسيق الأمني مع الاحتلال وحسب، فحتى من دونه، باتت السلطة الفلسطينية تمارس درجات كبيرة من القمع في الداخل، وهو ما ظهر في مواجهة الاحتجاجات التي قامت بعد اعتداءات الاحتلال أخيرا، وقبلها ضد الاعتراضات على قانون الضمان الاجتماعي الذي تعتزم السلطة تطبيقه داخلياً. وعلى الرغم من أن الاحتجاجات كانت سلمية، أي أنها نوع من "النضال" الذي تفضله السلطة الفلسطينية، غير أنها لم تتحمله، ربما لأنه خارج عن إطار الضبط الذي تريده، ولأنها تدرك أيضاً أنه موجّه ضدها، وليس ضد قوات الاحتلال فقط.
هبّة الضفة اليوم في مرحلة متصاعدة، غير أن انفجاره بشكل أكبر مما هو عليه الآن ليس وارداً، وخصوصاً في ظل العمل الدؤوب الذي تقوم به السلطة، قبل الاحتلال، لإعادة الأمور في الضفة إلى سابق عهدها. هذا أيضاً ما تريده إسرائيل التي تعد لتغيير بوصلة المواجهة إلى قطاع غزة، ليبقى غضب الضفة محصوراً بين السلطة وإسرائيل.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".