تتصاعد حركة احتجاج العشائر العربية في محافظة الرقة شرق سورية، على خلفية اغتيال شيخ قبلي كان يُعدّ من أبرز وجوه المحافظة الذين يعارضون سياسة الوحدات الكردية التي انتزعت السيطرة منذ عام على هذه المحافظة ذات الوجه العربي، فيما تؤكد مصادر أن هذه الوحدات التي تعد النواة الصلبة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) تستخدم سياسة الترهيب في محاولة لتطويق هذا الاحتجاج، والحد من تبعاته. وغير بعيد عن الرقة، لا تزال المعارك البرية بين "سورية الديمقراطية" وفلول تنظيم "داعش" متوقفة في ريف دير الزور الشرقي، وسط أنباء عن إرسال النظام السوري وحلفائه الإيرانيين تعزيزات إلى المنطقة، مستفيدين من انتهاء الصراع في شمال غربي سورية.
ولم تنتظر عشائر الرقة المعروفة طويلاً كي تصدر بيانات احتجاج على خلفية اغتيال بشير الهويدي، أحد مشايخ عشيرة "العفادلة"، وأبرز وجوه الرقة، وحملت في طياتها تهديداً بثورة جديدة ضد الوحدات الكردية، في حال الاستمرار في سياسة الإقصاء والتهميش لأهالي الرقة، والمضي في ممارسات تشكل تحدياً واضحاً لهؤلاء الذين ضاقوا من هذه الممارسات.
وتسبّب حادث الاغتيال بموجة استياء لدى أغلب العشائر كونه حدثاً غير مسبوق، وجاء عقب اجتماع بين الشيخ القتيل وقيادة "قوات سورية الديمقراطية" انتقد خلاله سياسة الأخيرة في المحافظة، وهو ما أدى إلى توجيه أصابع الاتهام إلى هذه القيادة بالوقوف وراء الاغتيال، على الرغم من إعلان تنظيم "داعش" مسؤوليته عنه.
من جهته، دان الائتلاف الوطني السوري، في بيان، اغتيال الشيخ الهويدي، مؤكداً أهمية كشف ملابسات الجريمة وملاحقة المسؤولين عنها ومعاقبتهم، سواء الجهة التي أمرت بها، أو العناصر الذين خططوا لها ونفذوها، لافتاً إلى أن اللقاءات الأخيرة للشيخ الهويدي، تشير بأصابع الاتهام إلى عناصر إرهابية تحتل المنطقة. وقال الائتلاف إن القتيل "عُرف بتضامنه المبكر مع ثورة الحرية والكرامة، كما كان شديد الرفض للحل القمعي الذي اعتمده النظام منذ مطلع الثورة، وعمل على التدخل في مناسبات كثيرة لحقن الدماء ومساعدة الأهالي وتحكيم العقل". وأضاف أن "مواقف الهويدي والتزامه بحقوق الشعب السوري ورفضه وجود المحتلين والإرهابيين في المحافظة، أو تدخّلهم بشؤونها، ومطالبته بإعادة الأراضي والممتلكات لأصحابها، وترك إدارة المدن والبلدات لأهلها وأبنائها؛ كل ذلك كان وراء حرص تلك الأطراف على إسكاته"، لافتاً إلى أن "انحيازه الدائم للحق ولكرامة الناس، كان سبباً في جعل كل الأطراف الإرهابية والاستبدادية في موقع العداء المباشر له".
وحاولت "قسد" تطويق الأزمة المتفاعلة على الصعد كافة، فاستقدمت عدداً ممن وصفتهم مصادر محلية بـ"الانتهازيين" لقراءة بيان قوبل بسخرية من المراقبين، برأ هذه القوات من الجريمة، وحمّل تنظيم "داعش" المسؤولية. وأكدت المصادر أن "قسد" حاولت ممارسة أسلوب الترهيب لأهالي الرقة المستائين من سياساتها، إذ انفجرت سيارة مفخخة الأحد، في الشارع الذي شهد عملية اغتيال الشيخ الهويدي، أعقبها إطلاق رصاص كثيف طاول أسطح الأبنية، وشرفات المنازل. وتسعى الوحدات الكردية منذ انتزاعها السيطرة على الرقة منذ نحو عام، للهيمنة المطلقة على هذه المحافظة الأكثر أهمية في سورية، كونها إحدى أهم السلال الغذائية في البلاد، فضلاً عن غناها بالبترول.
وقال الناشط الإعلامي المقيم في مدينة الرقة، همام حمزة، إن اغتيال الهويدي "محاولة يائسة لكسر إرادة الرقيين"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى "أن الحادثة كانت فاصلة بين مرحلتين"، مضيفاً: "ما جرى سيكون له ما بعده، إذ أكد أن قوات سورية الديمقراطية قوة احتلال، والتعامل معها سيكون على هذا الأساس". وتوقع أن تلجأ "قسد" إلى تهديد عشائر الرقة بتنظيم "داعش" من خلال افتعال تفجيرات هنا وهناك أو تسهيل دخول "ذئاب منفردة" تابعة للتنظيم للقيام بعمليات اغتيال مشابهة في المحافظة.
في موازاة ذلك، لا تزال المعارك البرية بين تنظيم "داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات متوقفة منذ أيام، ولكن المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد بأن انفجارات هزت الأحد منطقة هجين في الجيب الأخير لتنظيم "داعش"، بسبب قصف مدفعي من قبل طائرات التحالف الدولي. ونقل المرصد عن مصادر أن القذائف المستخدمة تحمل مواد حارقة، تندرج ضمن قائمة الفوسفور، ما تسبب باندلاع نيران في مناطق سقوطها.
ويسيطر تنظيم "داعش" على مساحة جغرافية تمتد نحو 40 كيلومتراً وبعمق 10 كيلومترات، وتضم مدنَ وبلدات وقرى: هجين، السوسة، الباغوز، الشعفة، أبو الحسن، البوخاطر، الكشمة، البوبدران، موزان، السفافنة. وكانت "قسد"، قالت في بيان منذ أيام إن "هجمات الجيش التركي في الشمال أدت إلى إيقاف معركة دحر الإرهاب مؤقتاً، والتي كانت تخوضها قواتنا في آخر معاقل تنظيم داعش"، محذرةً من أن استمرار هذه الهجمات "سيتسبب في إيقاف طويل الأمد للحملة العسكرية ضد التنظيم".
وبدأت "قسد" في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي بدعم جوي من طيران التحالف الدولي، معركة واسعة النطاق لطرد تنظيم "داعش" من آخر جيوبه في مدينة هجين ومحيطها. وحقّقت المعارك في بداياتها تقدماً للقوات المهاجمة على بعض محاور القتال، خصوصاً في محيط قرى السوسة والباغوز والشعفة ومدينة هجين، لكن التنظيم شنّ لاحقاً هجمات معاكسة مستغلاً سوء الأحوال الجوية، ما مكّنه من استعادة المواقع التي خسرها فضلاً عن تكبيده قوات "قسد" خسائر كبرى في صفوف مسلحيها.