غزّة والصهاينة العرب

08 يونيو 2015
+ الخط -
من قال إن الاستعمار والاحتلال العسكري قد فارقا أرضنا العربية؟
على من يزعم ذلك أن يقرأ أو يشاهد، هذه الأيام، ما تطالعنا به الفضائيات والصحف العربية من آراء وتحليلات ومقالات لمجموعة من أشباه المثقفين "المتصهينين" الذين يحملون دماءً عربية، ويطلق عليهم "مثقفون عرب برتب صهيونية"، يدافعون فيها عن العدوان الصهيوني على غزة بالإشادة بقتل الفلسطينيين، أو الترحّم على "شهداء الجيش الصهيوني"، ويهاجمون المقاومة مطالبين بسحقها، في ظاهرة غريبة لتكريس ثقافة الخنوع والاستسلام. 
فهؤلاء لا وظيفة لهم سوى إظهار العداء لنهج المقاومة الذي تمثّله فصائل المقاومة الفلسطينية ورموزها، وحتى لو أوصلهم هذا العداء إلى الالتقاء مع العدو الصهيوني، سياسياً وثقافياً وفكرياً، قد احتفت بهم صحف وتلفزيونات العدو، ونشرت مقالاتهم وبثت فيديوهاتهم على مواقعها وصحفها تكريماً لعطائهم في خدمة الدولة اليهودية!
أتقن هؤلاء ـ الذين حملوا لواء ثقافة الخنوع والاستسلام ـ فن التسويغ والتبرير وكيل التهم جزافاً للفلسطينيين (الشعب وفصائل المقاومة)، وقام "مثقفو الردة" بدور "المحلل" الذي يعجز العدو الإسرائيلي وعملائه عن أدائه، وكانت وسائل الإعلام العربية وسيلتهم التي قدموا عليها عروضهم المثيرة.
هؤلاء المثقفون وأشباه المثقفين من الساقطين والمتساقطين والاستسلاميين والمنبطحين من النخب السياسية والثقافية العربية الذين عميت قلوبهم وفسدت ضمائرهم، الذين أطلقوا على أنفسهم "ضمير الأمة"، أصبحوا بوقاً يردد خطاب الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي والعدو الإسرائيلي في الضغط على الفلسطينيين، وجعلوا من القضية الفلسطينية مشجباً يعلّقون عليه فشلهم في إقناع شعوبهم بتقصير حكوماتهم في حل قضاياهم، في ظاهرة غريبة لبعض هؤلاء الكتّاب والمثقفين نستطيع أن نطلق عليها ظاهرة "العداء للفلسطينيين"، إن لم نقل العداء لكل ما هو عربي ومسلم.
وليكتشف المواطن العربي، في كل مكان، أن إسرائيل لم تعد بحاجة إلى إرسال جيوشها وآلاتها العسكرية لاحتلال الأراضي العربية، فهذا العهد قد ولّى إلى الأبد، حيث برز الطابور الخامس من المثقفين وأشباه المثقفين العرب "المتصهينين" الذين يحاولون، من خلال "لعبة الإعلام" التي وجدوا أنفسهم على قمة الهرم فيها، بيع قضايا وطنهم بأثمان بخسة، ويزعمون، بعد ذلك، أنهم يعملون من أجل الحرية والديمقراطية، بينما الحقيقة أنهم يعملون من أجل حرية الولايات المتحدة وإسرائيل في البطش والتنكيل بشعوب المنطقة والعالم، وكذلك تقديم الأعذار والمبررات للعدو الإسرائيلي وللمجازر التي يقوم بها ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وكيل التهم بالعمالة والخيانة لكل من يتصدى للاحتلال.
(ألم تصدر عمّن يسمون أنفسهم بمجموعة كوبنهاغن للسلام وثيقة تعلن أن كل من يقاوم الاحتلال الإسرائيلي ويرفض التطبيع مع إسرائيل فهو متخلف عقلياً).
لا ننكر أنه في كل حرب، هناك "طابور خامس" يتعاون مع العدو، ولكن، في جميع الحروب والعدوان على غزة، هناك طابور خامس من "الصهاينة العرب"، لا يقتصر على أسماء كتّاب ومذيعين وسياسيين مصريين فقط، لكنها قائمة طويلة تضم عرباً من دول عديدة، حتى وصلت سخرية الشاعر عبد الرحمن يوسف منهم أن كتب بعد أسر المقاومة الجندي الإسرائيلي:
"هل عزّيتم صهاينة العرب اليوم في أسر أخيهم شاؤول أرون؟".
لقد ظهرت ملامح "الصهاينة العرب" الأولى خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008 ـ 2009، "حرب الفرقان"، والذي خلّف نحو 1400 شهيد و5400 جريح معظمهم من النساء والأطفال، حيث دأب موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية باللغة العربية، "التواصل"، على الإنترنت، على إعادة نشر عشرات المقالات لكتّاب عرب يهاجمون "إرهاب" حركتي حماس والجهاد، ويؤكدون الاتهامات الإسرائيلية للحركتين بأنهما "ألعوبة" في أيدي "الإرهاب الفارسي". 
كما ذهبت بعض هذه المقالات إلى الإشادة بـ"ديمقراطية" دولة الاحتلال الإسرائيلي، معتبرة أن أرض فلسطين المحتلة "حق لبني إسرائيل، وأرض الميعاد التي بشّرتهم بها التوراة". 
واستمر التوجه الإعلامي الصهيوني نفسه خلال عدوان 2012، "حرب السجيل"، وفي حرب "العصف المأكول"، 2014، ظهر بشكل لافت دور "الصهاينة العرب"، حتى أن الناطق الرسمي باسم جيش العدو قال: إن "وسائل الإعلام الجديدة وعالم التدوين يشكلون معارك جديدة في إطار الصراع حول كسب الرأي العام العالمي"، فيما وصفت وزارة الدفاع الإسرائيلية الإنترنت بأنه "منطقة حرب".
والمطلوب من الكتّاب والإعلاميين الشرفاء والوطنيين الصادقين في وطننا العربي، وهم الأغلبية، الوقوف بحزم في وجه هذه الحملة الشرسة التي تقودها الشرذمة البغيضة من الصهاينة العرب "أعداء الفلسطينيين"، وفضح أساليبهم الإعلامية التي لا تخدم سوى الأعداء، ولا تنم إلا عن امتهان أصحابها للابتزاز والارتزاق وحب الشهرة على حساب شلال الدم الفلسطيني.
avata
عادل أبو هاشم (فلسطين)