غزّاويّات: أطفال الشاطئ.. اللعب الغريب والموت العاديّ

21 يوليو 2014
الرسم للإيرانية غولروخ نفيسي
+ الخط -

هي الأمواج. هي نفسها تتقاذفنا كلّنا في هذا الشرق الحزين، أمواج من دماء، أمواج من دموع. أمواج من صواريخ وبراميل. وليس فيديو الأطفال الذين قتلتهم طائرة إسرائيلية على أمواج شاطئ غزّة إلا تكثيفاً للحظة التي نعيشها كلّنا.


تلك اللحظة حين، رغم القصف والقتل، رغم العدوان، ورغم اقتراب سكّين الموت من رقابنا، نحاول أن نكمل حياتنا، فندّعي عيش يوم عاديّ، يبدأ بفنجان قهوة، ويمرّ بزملاء وأصدقاء وينتهي بعشق ثم نوم عميق.

يعرف أطفال الدم على تراب شاطئ غزّة أنّ حرباً تدور من حولهم. يعرفون، ويعرف آباؤهم وأمّهاتهم. رغم ذلك سمحوا لهم بالخروج إلى الشاطئ. سمحوا لهم بالخروج إلى حيث يقيم الموت في كلّ مكان. في البيوت وفي الطرق وفي الهواء وفي رمال الشاطئ كما في مياه البحر.

لكن تأتي تلك اللحظة، لحظة تخلٍّ أو قل: لحظة عناد وتمرّد. حين يقرّر أحدنا، في فلسطين أو لبنان أو سورية أو العراق أو أيّة دولة عربية، أن يعيش ساعة عادية، أن يتجاهل الخطر ويتظاهر بأنّه إنسان عاديّ في بلاد عادية، أن نقوم بزيارة عائلية رغم خطورة الطريق، أن يصرف ما في الجيب رغم أنّ الغيب قد يكون أشهراً بلا عمل، أن يستمع إلى أغنية بعد موت صديق، أو يشاهد مسلسلاً بعد تفجير كبير في الحيّ المجاور، أن يقطف وردة ويغمض عيونه ليتخيّل بلاداً خضراء بلا دماء، قرب جثة قريب أو قبر حبيب، أن ينجب طفلا، وهو يعرف أنّه قد يُقتَل في أية لحظة. أو كأن يخرج طفل غزّاوي ليلعب أمام المنزل، فيما الطائرات تقصف أبنية مجاورة.

هذه الرغبة التي تصير، فجأة، عارمة، في أن ندّعي، زوراً، حياة بلا حروب ولا أزمات. رغبة دونها الموت أو الإفلاس أو الانهيار العصبي مثلا. هي نفسها التي دفعت هؤلاء الأطفال إلى الخروج نحو الشاطئ. كانوا يلعبون تحت ظلال الحرب وعلى بعد دقائق من الموت.

بعد قصف إسرائيلي طال غرفة على الشاطئ، حيث كانوا يلاعبون الموت، راحوا يركضون. ظنّوا أنّهم، بابتعادهم عن مكان سقوط القذيفة الأولى، يبتعدون عن الموت. لكنّ قذيفة أخرى ذبحتهم وقطّعتهم.

لا مكان لأيّة لحظة عادية إذاً. نحن في بلاد تقيم فوق جمر الموت. لا مكان لطفل يركض على شاطئ. هذه صورة دونها الحديد والنار. لا مكان للاطمئنان.

الفيديو الفرنسي الذي صوّرهم للمرّة الأخيرة وهم يركضون، قبل موتهم بلحظات، هذا الفيديو لم يحرّك أحداً. قبل 14 عاماً حرّك قتل الطفل، محمد الدرّة، الملايين في شوارع العرب والغرب. يومها كان قتل الأطفال غريباً. قبلها، في عام 1996، ذات أبريل/نيسان في جنوب لبنان، قتلُ الأطفال أوقف الحرب في خيمة أممية على الحدود.

اليوم صار قتل الأطفال عادياً. نعم هذا هو العاديّ: قتلُ الأطفال، أمام الكاميرات، في بثّ مباشر. ليس العاديّ أن يلعب الأطفال، لا في غزّة ولا في سورية وربما قريباً "ولا في أيّ بلد عربيّ". العاديّ أن تقطّعهم القذائف والبراميل والصواريخ.

ليس "العاديّ" أن يركض الأطفال على شاطئ غزّة. العاديّ أن يُقتلوا. العاديّ أن يُقتلوا. وأحسب أنّهم، في ركضهم الأخير، أمام الكاميرا، كانوا يهرولون، مستعجلين، إلى موتهم، إلى حيث ينتمون.


المساهمون