08 مارس 2017
غزة.. حق البقاء والواجبات الملحة
تحل الذكرى الأولى للحرب العدوانية الإسرائيلية ضد قطاع غزة صيف العام الماضي، في وقت ما زال سكانه يعانون الأمرين؛ بعيداً من أمل الإعمار، والحد الأدنى من العيش الكريم. بينما انتصرت المقاومة بصدها العدوان الإسرائيلي، وإفشال أهدافه، بتدميرها أو استسلامها، لكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها برفع الحصار، أو دفع العالم للتنديد به، والضغط باتجاه رفعه؛ لا من الغريب ولا من القريب، ولا حتى من أقرب المقربين. بل وزادت مصر إمعاناً بحصار القطاع، وتدمير الأنفاق، في تنسيق واضح ومُعلن، وإن لم يكن مباشراً مع العدو الإسرائيلي.
نُدرك تماماً مصلحة إسرائيل في خنق القطاع، وندرك كذلك سكوت دول عديدة غربية على ذلك، تحت ضغط اللوبي الصهيوني، وقد نُدرك قليلاً مصلحة النظام المصري في التواطؤ؛ فهو يقوم بالدور المُناط به، موضوعياً، وبتوجه واع ومدرك منه بالتواطؤ مع الساسة الإسرائيليين، وداعميهم الغربيين، ثمناً لدعم بقائه، واستمراره في خنق الربيع العربي.
ما ندركه ولا نفهمه هو مصلحة الفلسطينيين بالاختلاف والاقتتال، منذ سنوات، فالمنطق يذهب باتجاه التوحد أمام الاعتداء والحصار، وهو ما لا يحدث. فمنذ البداية، كان مطلب الشعب الفلسطيني يتركز حول توحيد الصف. ولكن، لا من مُجيب.
السؤال الذي لا يطرحه أحد؛ هو عن أهلية الطبقة السياسية الفلسطينية بكل أطرافها، لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية. فنحن الوحيدون وسط عالم النضال من أجل التحرر الذي له برنامج سياسي، وقيادات لا تتغير منذ عشرات السنين. وحدنا في العالم ما زلنا نبحث عن الاستقلال الوطني، في وقت نجح وينجح الآخرون في نيل الحرية والاستقلال وبناء أوطانهم.
قد يُخطئ الإنسان أو الحركة السياسية، مرة أو مرتين أو حتى ثلاث مرات، لكنها في الأساس ينبغي لها أن تمتلك من الآليات ما يجعلها تصحح أخطاءها، أو تنجح في أحايين كثيرة، أما أننا لا نرى إلا مجرد مسلسل أخطاء وكوارث، ولا نطرح السؤال الوجودي عن سبب ذلك، الكامن فينا، وليس دائماً بسبب مؤامرات الآخرين، وقُدرة إسرائيل على حشد الدعم لصالحها، وتواطؤ الغير المُزمن معها، فهذا منطق لا يستقيم وواقع الأمور على الدوام. لذا، لا يكفي أن ترفع حركة أو حزب سياسي شعارات، وتضع سياسات، بدون أن تحدد سبل تحقيق تلك السياسات والشعارات ووسائل ذلك، وإلا أصبح ذلك لغواً وخداعاً للناس.
النظام السياسي الفلسطيني للأسف، وبكل أعمدته؛ في الضفة أو قطاع غزة، أو حتى في الخارج؛ وضع نفسه في موقع المغلوب على أمره، وأفقد نفسه مقومات وجوده المستقل، الأمر الذي يستوجب العودة إلى استقلالية قراره السياسي، بعيداً عن تدخلات إقليمية ودولية، لا تعرف ولا تريد أن تخدم سوى مصالحها.
تحتم استعادة استقلالية القرار السياسي والسيادي، أولاً، تأكيد أهمية الاستقواء بالشعب الفلسطيني، عبر انتخابات حرة ونزيهة، والتي على ما يبدو تم نسيانها تماماً. واستعمال أسلوب الاستفتاء عند الحاجة، كما فعل رئيس الحكومة اليونانية، أخيراً، في مواجهة أوروبا، وهذا ما لم نفعله أو نقدم عليه أبداً، خصوصاً وأن لنا مبررات مصيرية، هي بالقياس ربما تبدو أكثر أهمية من الأزمة الاقتصادية اليونانية، مثل أهمية الصراع والتناحر مع الاحتلال، ومآلات اتفاقيات أوسلو، أو اتفاقيات المصالحة الوطنية والتي وُقعت مرات. وهذا ما يستوجب العودة للرأي العام الفلسطيني، لطرح أي حل لمشكلة اللاجئين، وحقهم الراسخ بالعودة إلى قراهم ومدنهم وحقولهم.
وثانياً، بناء مقومات وجود اقتصاد وطني مستقل، يبتعد تدريجياً عن الارتباط مع الاحتلال، وليس فقط الاعتماد على دعم الداعمين الأجانب بشروطهم، وبناءً على أجندتهم ومصالحهم.
وذلك عبر العمل على إقامة قواعد اقتصاد إنتاجي صناعي وزراعي، بدل اقتصاد الاستيراد لكل شيء، وتحويل الدعم المادي المقدم من الغرب بشكل عام إلى البنية التحتية الإنتاجية، وليس فقط لدفع معاشات الموظفين وشراء السلع المستوردة.
وثالثاً، العمل لوضع مقومات حماية هذا القرار السياسي، المُدعوم والمحصّن شعبياً واقتصادياً، عبر توجه برنامجي عماده تطوير مقاومة الاحتلال، وعزله عالمياً، وإظهار الفكر الصهيوني فكراً عنصرياً، وإسرائيل كدولة أبارتهايد. كذلك دعم كل الحركات الفلسطينية والعربية والعالمية العاملة بجهد لمقاطعة إسرائيل اقتصادياً وعلمياً، وهو ما بدأ يعطي ثماره، حالياً، في الغرب، وبدأ بزعزعة "التلاصق" الفكري والاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي وأميركا، ونحن في أوروبا بدأنا نشعر بتضامن شعوبها معنا بشكل واسع. على أن حماية القرار السياسي، تتم، أيضاً، عن طريق إعادة القضية الفلسطينية إلى حضن الأمة، وذلك بالتضامن مع كل حركات الشعوب العربية التواقة للحرية والعدالة، وليس الانجرار وراء أنظمة الاستبداد، كما فعلنا طوال الستين عاماً الماضية. فهذه الأنظمة التي تُدمر مدناً على رؤوس سكانها، لا يمكن أن يُعول عليها لحماية الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه.
مراقبة الأحداث الجارية حولنا، والمُتغيرات السريعة والمتلاحقة، تفرض على شبابنا وطبقتنا المثقفة أن تبدأ بطرح وضع الحقوق الأساسية للإنسان الفلسطيني في المرتبة الأولى، قبل أي حق آخر: الحق في العيش الكريم، الحق في التنقل والعمل داخل وخارج وطنه، حق اللاجئين في العودة إلى قراهم ومدنهم والعمل والتنقل في أماكن وجودهم الحالية، مع الاحتفاظ بحقوقهم المدنية المُتعارف عليها دولياً، والحق في التملك والبناء والتوريث، (وخصوصاً بالنسبة للاجئي لبنان)، وحق المواطن الفلسطيني في انتخاب ممثليه، والحق في رفض العيش في أُطر فصل عنصري، والحق في الخروج والدخول إلى قطاع غزة والضفة ومخيمات اللاجئين، والحق في الحماية للمدنيين العزل في سورية وفلسطين وغيرهما ومتابعة المجرمين. والحق في التعليم والصحة، وكل ما له علاقة بالحقوق الإنسانية الطبيعية، وليس تلك السياسية المُسجلة بلوائح القوانين الدولية، وهي مما ليست في حاجة إلى معاهدات جديدة، لكنها في حاجة لمن يرفعها ويُدافع عنها بجدارة؛ ونموذج نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، أكبر دليل على نجاعة ذلك.
نأمل أن تكون هذه الذكرى الأخيرة لحصار أهلنا في غزة، وتعرضهم في شكل دوري للاعتداء والقتل والتدمير، ولن يتم ذلك إلا إذا استفاقت عقولنا، واتجهنا نحو الحفاظ على قيم الوحدة والحرية، والنضال من أجلهما.
ما ندركه ولا نفهمه هو مصلحة الفلسطينيين بالاختلاف والاقتتال، منذ سنوات، فالمنطق يذهب باتجاه التوحد أمام الاعتداء والحصار، وهو ما لا يحدث. فمنذ البداية، كان مطلب الشعب الفلسطيني يتركز حول توحيد الصف. ولكن، لا من مُجيب.
السؤال الذي لا يطرحه أحد؛ هو عن أهلية الطبقة السياسية الفلسطينية بكل أطرافها، لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية. فنحن الوحيدون وسط عالم النضال من أجل التحرر الذي له برنامج سياسي، وقيادات لا تتغير منذ عشرات السنين. وحدنا في العالم ما زلنا نبحث عن الاستقلال الوطني، في وقت نجح وينجح الآخرون في نيل الحرية والاستقلال وبناء أوطانهم.
قد يُخطئ الإنسان أو الحركة السياسية، مرة أو مرتين أو حتى ثلاث مرات، لكنها في الأساس ينبغي لها أن تمتلك من الآليات ما يجعلها تصحح أخطاءها، أو تنجح في أحايين كثيرة، أما أننا لا نرى إلا مجرد مسلسل أخطاء وكوارث، ولا نطرح السؤال الوجودي عن سبب ذلك، الكامن فينا، وليس دائماً بسبب مؤامرات الآخرين، وقُدرة إسرائيل على حشد الدعم لصالحها، وتواطؤ الغير المُزمن معها، فهذا منطق لا يستقيم وواقع الأمور على الدوام. لذا، لا يكفي أن ترفع حركة أو حزب سياسي شعارات، وتضع سياسات، بدون أن تحدد سبل تحقيق تلك السياسات والشعارات ووسائل ذلك، وإلا أصبح ذلك لغواً وخداعاً للناس.
النظام السياسي الفلسطيني للأسف، وبكل أعمدته؛ في الضفة أو قطاع غزة، أو حتى في الخارج؛ وضع نفسه في موقع المغلوب على أمره، وأفقد نفسه مقومات وجوده المستقل، الأمر الذي يستوجب العودة إلى استقلالية قراره السياسي، بعيداً عن تدخلات إقليمية ودولية، لا تعرف ولا تريد أن تخدم سوى مصالحها.
تحتم استعادة استقلالية القرار السياسي والسيادي، أولاً، تأكيد أهمية الاستقواء بالشعب الفلسطيني، عبر انتخابات حرة ونزيهة، والتي على ما يبدو تم نسيانها تماماً. واستعمال أسلوب الاستفتاء عند الحاجة، كما فعل رئيس الحكومة اليونانية، أخيراً، في مواجهة أوروبا، وهذا ما لم نفعله أو نقدم عليه أبداً، خصوصاً وأن لنا مبررات مصيرية، هي بالقياس ربما تبدو أكثر أهمية من الأزمة الاقتصادية اليونانية، مثل أهمية الصراع والتناحر مع الاحتلال، ومآلات اتفاقيات أوسلو، أو اتفاقيات المصالحة الوطنية والتي وُقعت مرات. وهذا ما يستوجب العودة للرأي العام الفلسطيني، لطرح أي حل لمشكلة اللاجئين، وحقهم الراسخ بالعودة إلى قراهم ومدنهم وحقولهم.
وثانياً، بناء مقومات وجود اقتصاد وطني مستقل، يبتعد تدريجياً عن الارتباط مع الاحتلال، وليس فقط الاعتماد على دعم الداعمين الأجانب بشروطهم، وبناءً على أجندتهم ومصالحهم.
وثالثاً، العمل لوضع مقومات حماية هذا القرار السياسي، المُدعوم والمحصّن شعبياً واقتصادياً، عبر توجه برنامجي عماده تطوير مقاومة الاحتلال، وعزله عالمياً، وإظهار الفكر الصهيوني فكراً عنصرياً، وإسرائيل كدولة أبارتهايد. كذلك دعم كل الحركات الفلسطينية والعربية والعالمية العاملة بجهد لمقاطعة إسرائيل اقتصادياً وعلمياً، وهو ما بدأ يعطي ثماره، حالياً، في الغرب، وبدأ بزعزعة "التلاصق" الفكري والاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي وأميركا، ونحن في أوروبا بدأنا نشعر بتضامن شعوبها معنا بشكل واسع. على أن حماية القرار السياسي، تتم، أيضاً، عن طريق إعادة القضية الفلسطينية إلى حضن الأمة، وذلك بالتضامن مع كل حركات الشعوب العربية التواقة للحرية والعدالة، وليس الانجرار وراء أنظمة الاستبداد، كما فعلنا طوال الستين عاماً الماضية. فهذه الأنظمة التي تُدمر مدناً على رؤوس سكانها، لا يمكن أن يُعول عليها لحماية الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه.
مراقبة الأحداث الجارية حولنا، والمُتغيرات السريعة والمتلاحقة، تفرض على شبابنا وطبقتنا المثقفة أن تبدأ بطرح وضع الحقوق الأساسية للإنسان الفلسطيني في المرتبة الأولى، قبل أي حق آخر: الحق في العيش الكريم، الحق في التنقل والعمل داخل وخارج وطنه، حق اللاجئين في العودة إلى قراهم ومدنهم والعمل والتنقل في أماكن وجودهم الحالية، مع الاحتفاظ بحقوقهم المدنية المُتعارف عليها دولياً، والحق في التملك والبناء والتوريث، (وخصوصاً بالنسبة للاجئي لبنان)، وحق المواطن الفلسطيني في انتخاب ممثليه، والحق في رفض العيش في أُطر فصل عنصري، والحق في الخروج والدخول إلى قطاع غزة والضفة ومخيمات اللاجئين، والحق في الحماية للمدنيين العزل في سورية وفلسطين وغيرهما ومتابعة المجرمين. والحق في التعليم والصحة، وكل ما له علاقة بالحقوق الإنسانية الطبيعية، وليس تلك السياسية المُسجلة بلوائح القوانين الدولية، وهي مما ليست في حاجة إلى معاهدات جديدة، لكنها في حاجة لمن يرفعها ويُدافع عنها بجدارة؛ ونموذج نلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، أكبر دليل على نجاعة ذلك.
نأمل أن تكون هذه الذكرى الأخيرة لحصار أهلنا في غزة، وتعرضهم في شكل دوري للاعتداء والقتل والتدمير، ولن يتم ذلك إلا إذا استفاقت عقولنا، واتجهنا نحو الحفاظ على قيم الوحدة والحرية، والنضال من أجلهما.