غزة تنتظر "الوفاق"... بداية إنهاء الانقسام الفلسطيني

غزة

ضياء خليل

avata
ضياء خليل
02 أكتوبر 2017
+ الخط -
ينتظر قطاع غزة الساحلي المحاصر، اليوم الإثنين، زيارة مختلفة من حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية برئاسة رامي الحمدالله ووزرائه ومسؤولين أمنيين بارزين، بعد نحو أسبوعين على تفاهمات حدثت بشكل مفاجئ بين كل من مصر وحركة حماس من جهة، ومصر وحركة فتح من جهة أخرى. والمتوقع أن تقوم الحكومة التي شُكلت بتوافق بين حركتي حماس وفتح في 2 يونيو/حزيران 2014، ولم تتمكن من القيام بعملها في غزة، بزيارة حاسمة لجهة تمكينها من القيام بمهامها المنوطة بها، وتسلمها القطاع، بعد تراجع حركة حماس عن خطواتها الأخيرة التي اتُهمت بأنها تعمّق الانقسام الفلسطيني.
وستعقد الحكومة غداً الثلاثاء اجتماعاً في مقرها بمدينة غزة، بحضور معظم وزرائها ومسؤوليها، ومن المرتقب أن تصدر عن الاجتماع قرارات مهمة، إلى جانب دراسة أولية للملفات العالقة التي يمكن حلها بالحوار المتوقع عقده في القاهرة بعد أسبوع من زيارة الحكومة إلى غزة. وقال الحمدالله في بيان أمس، "إننا ذاهبون إلى قطاع غزة، بروح إيجابية، وعاقدو العزم على القيام بدورنا في دعم جهود المصالحة، وطي صفحة الانقسام"، مشيراً إلى أن الحكومة ستساهم بشكل تدريجي، في حل القضايا العالقة التي وقفت في السابق عائقاً أمام تنفيذ اتفاقات المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس". وأعلن عن تشكيل ثلاث لجان، هي: لجنة المعابر، ولجنة الوزارات والموظفين، واللجنة الأمنية.

ومهّدت "حماس" لزيارة الحكومة وتسلم مهامها، بخطوات عدة، بدأتها من القاهرة بإعلان حل اللجنة الإدارية، وموافقتها على الانتخابات والدعوة المصرية للبحث في آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاته، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ومن ثم إعلانها بشكل واضح وصريح، استعدادها التام لتجاوز كل النقاط الخلافية والمساعدة على تمكين حكومة الوفاق الوطني من القيام بعملها في غزة.
وتبدو "حماس" هذه المرة، مستعجلة في إتمام المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام بعد 11 عاماً من سيطرته على الساحة السياسية والجغرافية الفلسطينية، لكنّ السلطة الفلسطينية ومعها حركة "فتح"، تبدوان في حالة "تروٍّ" إلى أبعد حد، وتريدان إثبات حسن النوايا وبناء عوامل الثقة مع "حماس" قبل تمكين الحكومة.

ويتم الحديث سياسياً وفي الغرف المغلقة عن خشية السلطة الفلسطينية من تكرار نموذج "حزب الله" في لبنان، والذي ينطبق على غزة، بحيث تسيطر "حماس" على مفاصل العمل العسكري والأمني، وتتكفل الحكومة بمستلزمات الحياة لمليوني مواطن، وهو بالتأكيد ما لا تريده السلطة وحركة "فتح".
غير أنّ تمكين الحكومة من القيام بأعمالها في غزة، ليس أمراً سهلاً، في ظل الأزمات التي تعصف بالقطاع منذ سنوات، إضافة إلى وجود عوائق داخلية، كالموظفين الذين عيّنتهم "حماس" عقب سيطرتها على القطاع، والذين لا يعرف أحد مصيرهم حتى الآن. ووصل أمس وفد مصري إلى القطاع لمتابعة خطوات تسلّم الحكومة مهامها. فيما قالت مصادر فلسطينية رفيعة لـ"العربي الجديد" إن رئيس جهاز الاستخبارات المصرية خالد فوزي، سيزور رام الله يوم الثلاثاء، في حال جرت الأمور على ما يرام. في السياق، وصل إلى القطاع أمس وزير الثقافة في حكومة التوافق إيهاب بسيسو عبر معبر بيت حانون حيث تسلم بشكل رسمي مهامه.

وقالت مصادر في "حماس" لـ"العربي الجديد" إن التفاهمات التي شهدتها القاهرة أخيراً، والتي أعلنت بمقتضاها الحركة حلّ اللجنة الإدارية في غزة، لم تتضمن سلاح المقاومة. وأوضحت المصادر أن سلاح "كتائب القسام" وباقي الأجنحة المسلحة للفصائل خارج تفاهمات القاهرة، والتي سيأتي بمقتضاها الحمدالله إلى غزة لمباشرة أعمال حكومته، كاشفةً أن ما شمله الاتفاق هو الأمن الداخلي في القطاع فقط، على أن يكون ذلك من اختصاص الحكومة وحدها من دون تدخّل "حماس" أو أي فصائل أخرى. ولفتت المصادر إلى أن سلاح المقاومة في غزة يأتي تحت بند الأمن الخارجي، وليس الداخلي، لذلك خرج من اختصاص حكومة الوفاق. وكشفت أن قيادياً في جهاز الاستخبارات المصري ستكون له صلاحيات المراقب الدائم لمتابعة سير العمل في القطاع، لضمان تنفيذ تفاهمات القاهرة، وذلك للبدء في الخطوات التالية وأبرزها عقد لقاء في القاهرة بين "فتح" و"حماس" لاحقاً.

ويؤكد المتحدث باسم حركة حماس، حازم قاسم لـ"العربي الجديد"، أنّ كل الظروف جاهزة ومهيأة لاستلام حكومة الوفاق الوطني مهامها في قطاع غزة، عبر التعليمات التي صدرت لكل مفاصل الوزارات والمؤسسات الحكومية في غزة لتقديم كل التسهيلات اللوجستية للحكومة. ويضيف قاسم أنّ حركته تنتظر من حكومة الوفاق القيام بمسؤولياتها ومهامها تجاه أكثر من مليوني مواطن غزي يعيشون في القطاع المحاصر إسرائيلياً للعام الحادي عشر على التوالي، عانوا خلالها من ويلات الحصار وإعاقة عملية الإعمار خلال الحروب الثلاث التي شنّها الاحتلال.

ويشير المتحدث باسم "حماس" إلى أن حركته جهزت كل الأجواء السياسية والإعلامية أمام وصول حكومة الوفاق إلى القطاع بحيث تبقى العوائق في حدها الأدنى، ولا سيما عبر تأجيل النقاش في ملف موظفي غزة الذين جرى تعيينهم عقب أحداث الانقسام الداخلي عام 2007. ويشدد على أن أي إشكاليات وعقبات يمكن تذليلها من خلال التباحث في مختلف القضايا والمشاكل التي قد تعترض عبر التباحث فيها، في الوقت الذي ينتظر كذلك فيه الشارع الفلسطيني من الحكومة رفع كل الإجراءات التي اتُخذت ضد القطاع خلال الفترة الماضية.


في السياق نفسه، يؤكد نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، فايز أبو عيطة، لـ"العربي الجديد"، أنّ أجواء المصالحة الداخلية إيجابية ومشجعة أكثر من أي وقت مضى، وخصوصاً مع انتظار وصول حكومة الوفاق الوطني إلى القطاع. ويقول أبو عيطة إنهم ينتظرون من حكومة الوفاق القيام بمهامها ومسؤولياتها تجاه القطاع في ظل حالة المسؤولية الكبيرة التي تتحلى بها مختلف الأطراف، والرغبة الواضحة بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

ويلفت أبو عيطة إلى أن الحكومة ستتسلم مهامها في القطاع، وأي قضايا عالقة وإشكاليات سيجري حلها بين حركتي فتح وحماس بالحوار على أساس اتفاق القاهرة المبرم عام 2011 والذي يتضمن تفاصيل واضحة متعلقة بملف المصالحة الفلسطينية. ويقر في الوقت نفسه بوجود العديد من التحديات والعوائق التي تواجه المصالحة، ولا سيما في ملفي الموظفين والأمن، غير أنه يلفت إلى حالة المسؤولية والإصرار الكبير على إنهاء كافة الخلافات التي تراكمت بفعل الانقسام وما أحدثه من مشاكل.

من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، أنه لا توجد رؤية متكاملة لحل كافة الإشكاليات التي تراكمت خلال السنوات العشر الماضية بفعل الانقسام، في الوقت الذي لم يصل فيه مستوى الثقة بشأن سير عجلة المصالحة إلى درجة الكمال. ويقول محيسن لـ"العربي الجديد" إن المصالحة ودور الحكومة في البداية لن يتجاوز دراسة الواقع الغزي والاطلاع على حجم الإشكاليات والبحث عن آليات للبدء في حلها، خصوصاً أنه لم يصدر أي تصريح عن حكومة التوافق بشأن ذلك، ما يدل على أن الزيارة ستكون استكشافية.

ويشير الكاتب والمحلل السياسي إلى أن أسهل القرارات التي من الممكن أن تتخذها الحكومة خلال فترة وجودها في القطاع يتمثل في إعادة الكهرباء المقلصة عن القطاع خلال الفترة الماضية وتوريد كميات من الأدوية للمستشفيات وحل أزمة العلاج في الخارج. ويلفت إلى أن إعادة الخصومات لصالح موظفي السلطة الفلسطينية قد لا يكون خلال الفترة الحالية، خصوصاً في ظل عدم وجود أي تلميح أو تصريح رسمي بذلك، ما يعني أنه قد يتم اللجوء لقانون التقاعد المبكر بشأن موظفي السلطة وحتى موظفي غزة من أجل دمج الوزارات.
وعن مدى الجاهزية لاستلام حكومة التوافق إدارة القطاع والوزارات، يوضح محيسن أن التصريحات التي رشحت عن قادة "حماس"، ولا سيما رئيسها في غزة يحيى السنوار، تدل على أن الحركة لن تقف عثرة أمام عمل الحكومة، مع التنبيه إلى أهمية ألا يتم استخدام سلوك إداري من أجل إعادة السيطرة من قبل الحكومة على المؤسسات عبر بوابة الإقصاء ضد موظفي غزة، ما يسبب تعكيراً للأجواء الصافية حالياً.

أما المحلل السياسي، ثابت العمور، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّ نحو عشر سنوات من عمر الانقسام الداخلي، أفضت إلى مجموعة تحديات كبيرة جداً في وجه أي حكومة فلسطينية، ومن أهم هذه التحديات حياة الناس وتطلعاتهم وآمالهم وظروفهم الحياتية والبنية التحتية المنهارة في قطاع غزة، والحصار والإغلاق الكامل، وهي تراكمات بحاجة لحل سريع وملموس. ويضيف العمور: "هناك الكثير من الملفات أهمها إكمال المصالحة المجتمعية، واستيعاب الموظفين، وتقليص البطالة بين الخريجين، ودمج الأجهزة الأمنية والوزارات، وإيجاد قنوات اتصال وتنسيق طبيعية بين غزة والضفة عبر التوزيع الوظيفي والتواصل السياسي والجغرافي".

وبالنسبة للعمور، فإذا ما صدقت النوايا وثبتت التصريحات العربية والإقليمية والدولية، يمكن للحكومة البدء في تنفيذ التحدي الأبرز، وهو توفير الدعم المالي ورفع الحصار والإغلاق المفروض من قبل الرباعية الدولية، التي قالت إنها ترحب بالمصالحة وبتولي السلطة للأمور في غزة. أما الملفات التي يمكن تأجيل الحديث فيها، فيشير إلى أن ملفات كالأمن والمقاومة ووجود أجهزة أمنية وأجنحة عسكرية يمكن تأجيل النقاش فيها حتى تستقر الأمور، ويمكن تسوية هذه القضايا بإيجاد مخارج أو توليفة على ألا يتعارض وجود أجهزة أمنية رسمية مع أجنحة عسكرية للمقاومة. غير أنّ العمور يلفت إلى أنّ من أهم التحديات التي تواجه المصالحة، سؤال كبير عما إذا كانت المصالحة قرارا مؤسسيا أم قرارا شخصيا يمثله تيار ما في حركة حماس أو في فتح، والأهم ما مدى صدقية الرباعية الدولية بأنها ستوفر الدعم للسلطة الفلسطينية؟ ويوضح أنّ المصالحة مطلوبة، ولكنها تسير في حقل ألغام، وأنّ بعض الملفات تحتاج إلى وقت، وبعضها يحتاج للتنفيذ الفوري، خصوصاً ما يتعلق بالموظفين، والاقتطاع الأخير من رواتب موظفي السلطة، وملف الكهرباء المقلصة.

ذات صلة

الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.
الصورة
فرق الدفاع المدني في غزة/2 أكتوبر 2024(الأناضول)

مجتمع

أعلن جهاز الدفاع المدني في غزة، مساء الأربعاء، توقف عمله بالكامل في محافظة شمال القطاع، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني هناك بات كارثياً.
الصورة
واجهة زجاجية مهشمة في إحدى غرف مستشفى بيروت الحكومي (حسين بيضون)

مجتمع

تواجه المستشفيات في لبنان تهديدات إسرائيلية تذكر اللبنانيين بما شهدوه في قطاع غزة على الشاشات، ويسعى المعنيون إلى مناشدة المسؤولين الدوليين لتحييدها
الصورة
جنود إسرائيليون يقومون بدورية على طريق رفح في قطاع غزة، 13 سبتمبر 2024 (Getty)

سياسة

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقرير طويل إن تكتكيات حرب العصابات التي تنتهجها حركة حماس  في شمال غزة يجعل من الصعب هزيمتها.
المساهمون