غزة تستقبل رمضان بالأحزان

16 يونيو 2015
طفل غزاوي يحتفل بقدوم رمضان (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

تكفلت الأزمات المتتالية التي تعصف بقطاع غزة من كل حدب وصوب، بإخفاء المعالم البارزة لاستقبال شهر رمضان، والاقتصار على بعض الأجواء الخجولة التي ظهرت في بعض أحياء القطاع وشوارعه، من دون أن ترتقي إلى مستوى حلول الشهر الفضيل.

ورغم قسوة الأوضاع المعيشية واشتداد الحصار الإسرائيلي، اجتهد بعض المواطنين في تزيين مداخل العمارات والميادين العامة وتعليق الفوانيس الكبيرة المزخرفة على مآذن المساجد، علهم يجدون فيها طريقاً للسعادة ورسالة حياة إلى عالم يتجاهل بصمت مريب أنينهم منذ تسع سنوات متواصلة، هي عمر الحصار.

وتزامن حلول رمضان مع الذكرى السنوية الأولى للحرب الإسرائيلية المدمّرة على القطاع، صيف العام الماضي، والتي ما زالت آثارها الكارثية على حالها من دون إعمار أو إعادة تأهيل، الأمر الذي جعل بعض الغزيين يستقبل شهر الصيام بدموع الحسرة والأسى بدلاً من دموع الفرحة والشوق.

وعلى غير المتوقع، بدا سوق الزاوية التجاري، أقدم أسواق مدينة غزة وأشهرها، هادئاً، لا ملامح مميزة فيه تشير إلى أن شهر رمضان سيحل ضيفاً بعد أيام قليلة، فمشاهد اكتظاظ المواطنين في أزقته وأمام البسطات الشعبية المنتشرة على جانبي طريق السوق، تلاشت بشكل شبه كلي، على عكس ما جرت العادة سنوياً.

وأمام إحدى عربات بيع الفوانيس المضيئة والألعاب النارية الخاصة بالأطفال، وقف المواطن باسم المقيد وعلامات الحيرة تعلو وجه، خشية من استجابته لطلبات أطفاله الثلاثة بشراء فانوس رمضان لكل واحد منهم، ما يؤثر سلباً على قدرته على شراء المستلزمات الضرورية لشهر رمضان كالمواد الغذائية والتموينية.


ويوضح المقيد لـ"العربي الجديد" أن غزة استقبلت قبل نحو عام من الآن شهر الخير على وقع الصواريخ والقذائف الإسرائيلية، واليوم تستعد شوارعها كما ذاكرتها لاستقبال رمضان في ظل نتائج تلك الحرب وظروف حياتية مثقلة بهموم الحصار الخانق.

اقرأ أيضاً:نصف سكان غزة وربع سكان الضفة يرغبون في الهجرة

وتوقع المقيد أن يستكفي غالبية سكان غزة بشراء المواد والبضائع الأساسية لإعداد وجبة الطعام على مائدة الإفطار والسحور، فالوضع المالي لا يسمح لهم بشراء البضائع غالية الثمن أو الأشياء الثانوية كمستلزمات الزينة وحلويات رمضان.

ومع إطلالة شهر الصيام، يقف أكثر من 45 ألف موظف عينتهم حركة "حماس" بعد منتصف عام 2007، عاجزين عن تلبية كامل احتياجات عائلاتهم ورغبات أطفالهم المتعددة، بسبب تنكر حكومة التوافق لحقوقهم المالية وعدم صرف رواتبهم الشهرية بشكل منتظم منذ تسلمها الحكم في الثاني من يونيو/حزيران 2014.

ويضطر الموظف في وزارة الصحة خالد العطار (37 عاماً) إلى إيجاد العديد من الذرائع للتهرب من إلحاح طفليه عليه لشراء بعض الألعاب التي تولد لديهما البهجة وتشعرهما بأجواء رمضان، معللاً ذلك بعدم استلامه راتبه الشهري كاملاً منذ أشهر وتراكم الديون المالية عليه بمبالغ طائلة.

وبيّن العطار لـ"العربي الجديد" أن الأزمات المتلاحقة التي تعصف بمواطني القطاع من أزمة الرواتب الشهرية إلى إغلاق المعابر الحدودية وكذلك مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، عملت على قتل أجواء رمضان، وجعلت من شهر الخير عبئاً اقتصادياً جديداً على كاهل مئات الموظفين الحكوميين.

وعلى الجانب الآخر، قالت السبعينية أم محمود الغرباوي لـ"العربي الجديد" إن رمضان يأتي ويرحل من دون أن يشعر الصغير قبل الكبير بأجواء السرور أو يتمتع الجميع بمظاهر الزينة الخلابة، معبرة عن حزنها الشديد للأجواء الباهتة التي تسيطر على أحياء مدينة غزة، رغم بقاء أيام قليلة على دخول الشهر.

وتستذكر أم محمود بلهفة شديدة الأجواء الاجتماعية لشهر رمضان، في قريتها زرنوقة التي هجرت منها قسراً في نكبة عام 1948، عندما كانت القرية تتحضر لاستقبال الشهر قبل أسابيع من موعده، وعلى الإفطار تجتمع عائلات القرية كافة على مائدة واحدة، توحدهم المحبة ولا يفرقهم شيء.


اقرأ أيضاً: الحَر يضاعف معاناة سكان "الكرفانات" في غزة