غزة.. الإعلام لا يكفي

19 مايو 2018
+ الخط -
عادة نعتقد أن الضجيج الإعلامي والسياسي يمكن أن يؤتي ثماره. هكذا نعتقد أو هكذا نظنّ. أذكر أنه في عام 2001 في لبنان، أيام الاحتلال السوري البلاد، كانت حركة استقلالية صغيرة بدأت تتمدّد، بقيادة البطريرك الماروني نصرالله صفير. كانت حالة خاصة، دفعت لبنانيين عديدين إلى تبنّيها خارج الإطار الحزبي الضيّق، إلى مساحة الوطن الواسع. في تلك الفترة، كانت التظاهرات تشتدّ في كل مدرسة وجامعة. كنا نشعر بأن "التغيير آتٍ حتماً". في إحدى تلك الحالات، كنا نتأهب للسير في إحدى التظاهرات، حين جاء من يعلمنا أن "عددنا يجب أن يكون كبيراً لأن وسائل اعلام كثيرة ستتابع الحدث، ومنها وسائل إعلام أجنبية". تحمّسنا للفكرة، وكأن مسألة خروج الجيش السوري من لبنان باتت أمرا واقعا، لا بل سيخرج سريعاً.
ذهبنا إلى التظاهرات، منا من اعتُقل، ومنا من هرب، ومنا لم يواصل المسير، فقد كانت أجهزة الاستخبارات اللبنانية والسورية أقوى من أي وسيلة إعلام، واستمر الاحتلال حتى عام 2005، ليخرج على وقع اغتيال رئيس الحكومة، رفيق الحريري، لا بفعل وسائل إعلام. الإضاءة وحدها لا تكفي، والضجيج الإعلامي وحده لا يكفي. كنا مخطئين في تصوّرنا الأولي: الضجيج الإعلامي يمكن أن يمرّ كشهب عابر أو كلحظة سريعة، لكنه غير أساسي، ما لم يتم الاعتماد على أسس غيره.
مناسبة هذا القول ما حصل ويحصل للفلسطينيين على السياج الحدودي بين قطاع غزة والأراضي المحتلة. عشرات الشهداء سقطوا ويسقطون. الإعلام يركّز على ما يجري هناك. الصورة نفسها: شبّان يحملون الحجارة، يرشقون الاحتلال بها، ثم يهوون شهداءً أو جرحى. هذا الإعلام لا يكفي. لا يكفي سقوط هؤلاء في ظروفٍ هي الأقسى على القضية الفلسطينية منذ عام 1948، خصوصاً أن مسألة تصفية القضية باتت واضحة في الوعي الجماعي الغربي، وبعض العربي. لا يكفي أن يسقط هؤلاء، فيما الدول والمجموعات المنادية بنصرتهم لا تفعل شيئاً، سوى الصراخ. إن لم تقرن القول بالفعل لا تتكلم.
لا يمكن أن نتحدّث عن المقاومة وإزالة إسرائيل من الوجود، فيما نحن لا نقوم بأدنى واجباتنا تجاه القضية وأبنائها. ألا يجب أن تقفل بعض السفارات المؤيدة لصفقة القرن؟ ألا يجب على العرب وجامعة الدول العربية الدعوة إلى قطع العلاقات مع الولايات المتحدة، أو أي دولة ترفض الحق الفلسطيني في دولةٍ له؟ ألا يجب رفع دعاوى بالجملة والمفرّق على الاحتلال في المحاكم الجنائية لارتكاباته في قطاع غزة؟ كيف يمكن تفسير منطق إمكانية تسيير العدالة في هذا العالم، في وقتٍ يسقط مئاتٌ لأجل قضيةٍ محقة، ولا يقوم هذا العالم بإحقاق العدالة لهم؟ كيف يمكن التهديد يومياً بإزالة إسرائيل، فيما العراق وسورية واليمن هم من "أُزيلوا"؟
لا منطق أقوى من منطق مقاومة الاحتلال. قام الفلسطينيون بما يرون أنهم قادرون عليه، وهو "المقاومة السلمية". أما الفصائل الفلسطينية التي توضّب أسلحتها في عنابرها، أو التي لا تملك رؤيةً أبعد من مجرد الفوز بانتخابات جامعة بيرزيت، أو تلك التي يهمها تصفية الحسابات الداخلية على حساب وحدة القضية، فأين هي من أهلها ومن سقوطهم؟
لا يمكن لأي قضيةٍ أن تنتصر بضجيج إعلامي، فالعالم بات أكبر عن ذي قبل، وإمكانية التحكّم بالأخبار الكاذبة، وجعلها صادقةً باتت أكثر خطورةً، فلا يُمكن الاستناد إلى إعلام كان "جريئاً" بما فيه الكفاية، لينقل صورة تظاهرات غزة بالتزامن مع صورة افتتاح السفارة الأميركية في 14 مايو /أيار الحالي في القدس المحتلة من دون أن يرفّ له جفن. لا يمكن في أي حال أن نرى ما يحصل في غزة، من دون استحضار إسقاطاتها اللاحقة علينا كدول عربية. مع ذلك، أمثلة العراق وسورية واليمن أمامنا ولم ولن نفعل شيئاً، ويبدو أن فلسطين كذلك.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".