غريش والظواهر الفاشية

16 نوفمبر 2014
علت الصرخة فوراً بسبب شهرة غريش
+ الخط -
ما حصل مع آلان غريش في القاهرة قبل أيام، رغم أنه "قد يحصل في أي مكان في العالم" على حد تعبيره، إلا أنه يختصر، بعناوينه العريضة، كل ما تعيشه مصر حالياً من ظواهر أمراض فاشية في البلاد، تحديداً منذ انقلاب يوليو/تموز 2013. يتحدث الرجل المصري ــ الفرنسي في السياسة في مقهى عام مع طالبتين بلغة أجنبية. تشكوهم "مواطنة شريفة" (ظاهرة فاشية أولى لمجرد تصنيف المواطنين بين أشراف وعملاء، بشكل مشابه لظواهر الأنصار واللجان الشعبية والحرس الشعبي...) لدى الشرطة بتهمة التآمر بدليل الحديث باللغة الأجنبية (فوبيا الأجانب، أي ظاهرة فاشية ثانية). وقبل أن يتعرف رجال الشرطة "الشريفون" إلى هوية ابن هنري كورييل، يوقفون "المتهمين".

تعلو الصرخة فوراً بسبب شهرة غريش كأحد أبرز الصحافيين الغربيين بالنسبة للعرب، فيتم الإبقاء على الطالبتين، بما أنهما مصريّتان، وكأنه يمكن "التصرف بهما" (ظاهرة فاشية ثالثة). انتهت القصة على خير بفضل إصرار غريش على عدم الإفراج عنه إلا برفقة الطالبتين، لكن هذا "الخير" يبقى بلا كبير معنى، بما أن شهرة الرجل ونُبله هما ما أنقذاه وأنقذا الطالبتين، وإلا لكنّا اليوم نشن الحملات للإفراج عن الموقوفين الثلاثة بتهمة التآمر... بسبب جلوسهم في مقهى عام والحديث بلغة أجنبية، لا بد أنها كانت تحوي تآمراً ما!

المفارقات في الحادثة عديدة، لكن أبرزها يتعلق بهوية غريش، أو بالأحرى بوالده، هنري كورييل، الشيوعي المصري الفرنسي المناضل في الزمن الشيوعي الجميل، شهيد الفاشية الفرنسية التي اغتالته في عام 1978 في باريس. أغلب الظن أن استشهاده كان نتيجة مسيرته الفلسطينية الجزائرية المصرية التحررية الأممية عموماً، التي ليس ابنه بعيداً عن إرثها وعن قيمها. هنري كورييل جمع عدداً من التناقضات كان يستحيل على المنظومة الفاشية تحملها، كذلك يفعل ابنه المصرّ على جذوره المصرية وعلى أن الشأن المصري والمسألة الديموقراطية في هذا البلد، يظلان شأناً عاماً وخاصاً له. منطق يصعب على من كرّسهم عسكر مصر كـ "مواطنين شرفاء" أن يستوعبوه، وهو ما يهدد بخروج أي مجنون مسلح في الشارع في أي وقت، تحت ضغط غسل الدماغ الجاري العمل عليه في "المحروسة"، ليصفّي مَن قيل له إن شبهة التآمر ضد "مصر العظيمة" تحوم حوله.
المساهمون