غريبةٌ حتى على أبنائها

03 يناير 2017
(القاهرة، تصوير: يان أرتوس برتران)
+ الخط -

يُخيّل لكثيرين أن مصر التي صاغت ثقافة العرب ووجدانهم خلال مرحلة مضت من القرن الماضي، قد اتكأت في ذلك على مشروع سياسي كان شعاره الذي لم يتحقّق هو الوحدة العربية، إلاّ أن الوقائع تدلّ على مؤشرات أعمق ربما لم تلق حظها من الدرس والبحث.

منذ القرن التاسع عشر، هاجر الكتّاب والفنّانون من أطراف الوطن الكبير إلى القاهرة يبحثون عن فسحة لإبداعاتهم التي ضاقت بها مجتمعات أخفقت لعوامل عديدة في بناء نموذج تحديثها حتى انفرطت اليوم إلى قبائل وطوائف.

في مصر التي عانت على طريقتها من الفقر والجهل والاحتلال وابتكرت طرائقها لمقاومة ذلك، أتى الشوام والعراقيون وغيرهم "فرادى" و"متفلّتين" من كل قيد إلاّ فنونهم، فانجمعوا في ثقافة تضبطها تقاليد رسخت مع السنين، وتراتبية تُحدّد المكانة التي يتوافق عليهما أهل الكتابة والفن.

استطاعت أرض النيل أن "تمصرن" جميع القادمين إليها، وتحوّل نتاجاتهم الفكرية والأدبية والفنية إلى كتاب وصورة وطرب يخاطب العرب جميعاً؛ وينسج هواهم قبل أفكارهم، وكأن "المصرنة" فعل تعريب بامتياز.

تعريب لزمه حفظ قيمة الفن ومعناه، ومسافة بينه وبين كل سلطة، والإيمان به كمؤسسة تُحدّث المجتمع ونمط عيشه، وهي أدوار تجرّأت عليها أنظمة متعاقبة لتغطية عجزها المزمن.

مصر لم تعد "تمصرن" أحداً، بل غدت "مصريتها" غريبةً حتى على أبنائها!

المساهمون