رغم مليارات الحيطان الافتراضية، ورغم آلاف المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي بين Facebook و Twitter وYoutube وInstagram وWhatsapp، ورغم مئات وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، ما زالت جدران بيروت من أبرز وسائل التعبير في الشارع اللبناني.
يقول أحد جدران الضاحية: الموت لإسرائيل. وآخر: لبّيك يا حسين. في منطقة الكولا القريبة من الطريق الجديدة، تهتف الجدران: "كلّنا رابعة". في شارع الحمراء تتنوع الهتافات. أحد الجدران غاضب من الوضع الفنّي في البلد، فقرّر ارتداء وجه كوكب الشرق المطربة أم كلثوم وهو يغنّي "بوس الواوا" للمغنية هيفا وهبي. جدار آخر قال: ثورة على النظام وليس صُورَة عن النظام.
أصبحت جدران المدينة مساحة إعلانية لنزاعاتنا السياسية، رغم جدران الفايسبوك المكتظّة بمواقفنا السياسية. كما لو أنّنا في حاجة دائما إلى لصق مواقفنا على الممتلكات العامة، في الطرق، دون أن نسأل الجدران عن رأيها؟ فلمَ لا نرسم مواقفنا أو نكتبها على أجسادنا؟ على جبيننا مثلًا؟ هل هي فكرة "الاعتداء" على الحيّز العام التي تؤرّقنا وتستدرجنا؟
بالأمس عاد الرئيس فؤاد شهاب إلى شوارع "سبيرز"، قرب قصره العتيق الذي تحوّل إلى مكتب حزبيّ قبل سنوات.
وفي الجمّيزة صراخ مكتوم، على حائط: "لا للتمديد". كما لو أنّ الجدران لها آذان!
وفي كورنيش المزرعة كتب أحدهم: "يسقط سيادة الرئيس الدكتور حافظ بشّار الأسد"، في سخرية واضحة من الأسد وبعض معارضيه في الداخل السوري.
وقرب الجامعة العربية صورة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ويد تكرهه شوّهتها، في معركة لم يرَ أحدٌ من طرفيها الآخر.
وفي مار مخايل طبع أحدهم: "الاستقلال راجع"، في محاكاة لشعار "عون راجع" الذي كان يكتبه العونيون حين نفى النظام السوري العماد ميشال عون إلى فرنسا.
وفي شارع مونو كتب أحدهم: "حزب التلاتا"، بالحرف اللاتيني، ساخرا من الأحزاب اللبنانية.
الغرافيتي هو فنّ التعبير "المحظور"، وربما الساخط. لكن في لبنان هو مناسبة لنشر الحقد السياسي على الجدران.
ربّما كلّ حائط يشبه ناسه.