للأعراس أهميّتها في السنغال. وما زال المواطنون يتمسكون بالعادات القديمة، مهما بدت غريبة، وعادة ما يكون العرس أشبه بمهرجان شعبي.
تتميّز الأعراس في بعض المناطق في السنغال بطقوس غريبة، شأنها شأن غالبية المناطق الأفريقية التي ما زالت تتمسّك بعاداتها القديمة. ويشجّع المجتمع السنغالي على الزواج المبكّر، خصوصاً في الأوساط المحافظة التي يغلب عليها التديّن.
ولا تشجّع التقاليد بقاء المرء من دون زواج، في حال كانت لديه القدرة على تكوين أسرة. ولا يعدّ الأعزب رجلاً كاملاً، حتّى أنّ بعض القبائل تطلق عبارة "لا رجل" على الأعزب إذا كان قادراً على الزواج ولم يتزوج. وتضع التقاليد والعادات السنغالية القديمة الشاب الأعزب في مرتبة تلي اللص والساحر.
الحرص على الزواج دلالة على أهمية الراوبط في حياة السنغاليين، ويظهر ذلك في أعراسهم وعاداتهم التي يحترمها الجميع. وتفرض العادات إقامة حفل زفاف كبير يحضره الأهل والجيران. وفي القرى، يشارك أهالي القرى المجاورة أعراس البادية من دون دعوة، ما يتطلّب تخصيص ميزانية كبيرة لإكرام جميع الضيوف والمهنّئين. ففي مناسبات كهذه، لا يكترث أحد بفقر السنغاليين. إلا أن انتشار قيم التكافل والتعاون التي يحرص عليها الجميع في السنغال، خصوصاً في الأعياد والأعراس، يساعد العريس على تنظيم حفل زفافه واستغلال الهدايا والمساعدات العينية التي يقدمها المقربون والمدعوون قبل موعد العرس.
ورغم ضيق الحال، يبالغ بعض السنغاليين في تنظيم حفلات الزفاف، رغم أن وضعهم المادي لا يسمح لهم أحياناً بتحمل تكاليف العرس. ومع تغيّر أشكال الاحتفالات وظهور متطلبات جديدة، أصدر عدد من علماء الدين فتوى تحرم البذخ في الأعراس، وتدعو إلى مساءلة من يفعلون ذلك.
لا يُغالي السنغاليّون في المهر، لكنّهم يولون أهمية كبيرة لحفل الزفاف، ويعتبرونه واجباً على الجميع. ويعمد بعض الشبان الذين لا يملكون المال الكافي، إلى تأجيل حفل الزفاف إلى حين ولادة الطفل الأول. بذلك، يقيمون حفل زفاف وعقيقة في آن، ويدعون عدداً كبيراً من الناس، ولو اضطرهم الأمر إلى الاستدانة، إذ إن عدم تنظيم الحفل يعد مذلّة.
ويرى باحثون أنّ عادات الزفاف في السنغال عبارة عن عالم من الأساطير ما زال بعضها طاغياً، مثل "صباغة فم العروس". وتحرص العروس على تلوين لثّتها بالأزرق، لتبدو أسنانها أكثر بياضاً. وتفضّل النساء اللثة الداكنة لأنّها تناسب بشراتهن السمراء. ومن لا تملك لثة داكنة، تعمد إلى تلوينها لتبدو ابتسامتها ليلة عرسها ساحرة.
وترتدي العروس الملابس الأفريقية المميزة، وتضع وشاحاً على وجهها تعبيراً عن حيائها، وتزين رأسها بضفائر رفيعة، وتحرص على ألّا يُظهرَ ثوب الزفاف كامل زينتها التي استغرقت أياماً من أجل إنهائها لإرضاء العريس. وبحسب التقاليد السنغالية، لا يجب إظهار كامل الزينة التي تتضمن الحناء على اليدين والقدمين، إضافة إلى الضفائر على الرأس.
وعادة ما لا تخرج العروس من غرفتها لمدة 5 أيام على الأقل، وتلتزم بوضع وشاح على وجهها، وتنزعه فقط حين تكون مع زوجها. وبحسب الطقوس، يفترض أن تستحمّ العروس بحضور شقيقات العريس. وتصبّ المرأة الأكبر سنّاً من الحاضرات المياه على رأسها. بعدها، ترتدي أقمشة بيضاء، وتضع وشاحاً رمادي اللون على رقبتها لحمايتها من الأرواح الشريرة.
وتُنظّم حفلات الزفاف في السنغال في عطلة نهاية الأسبوع، ويمكن أن تمتد على مدى أيام عدة، على عكس البلدان الأفريقية الأخرى. ويحتفل بالزواج الديني بعد صلاة العصر، ويتوجه جميع الرجال إلى المسجد. وبعد الصلاة، يعلن الإمام عن الزواج بحضور والدي العروسين والشهود، فيما تغيب العروس التي تنتظر برفقة صديقاتها إبرام عقد الزواج، الذي يسجل لاحقاً في الدوائر الرسمية. وتنطلق الزغاريد والاحتفالات بعد وصول الرجال إلى بيت أهل العروس، وإعلانهم انتهاء عقد القران.
تقول فاطمتا عبدو (43 عاماً)، وهي ربة بيت، إنّ صديقات العروس وقريباتها ينظمن احتفالاً بعد انتهاء عقد القران، ويرقصن على النغمات الأفريقية، وتختلط المشاعر بين الفرح بهذه الخطوة والحزن على فراق العروس، خصوصاً لحظة مغادرتها بيتها. وتشير إلى أن الأغنيات التي تُردّد خلال الحفل تهدف إلى التخفيف من صعوبة فراق العروس لأسرتها، وتدعو عائلتها إلى الصبر، وتذكّر العروس بمسؤولياتها بعد الزواج. تضيف أن طقوس الزواج في السنغال تختلف بحسب المجموعات العرقية، إلا أن معظم الناس يتزوجون دينياً. وفي وقت لاحق، يعقد الزواج المدني في الدوائر الحكومية.
من جهته، يقول ساك مباري (37 عاماً)، وهو موظف، إن "الزواج تحالف بين عائلتين قبل أي شيء. وفي السنغال، هناك اهتمام كبير برأي العائلة. ورغم تطور المجتمع، ما زالت موافقة الأهل ضرورية". يضيف أنه في الخطبة، يتوجه والد العريس أو عمه إلى بيت العروس. وهذه خطوة ضرورية لجعل الموافقة نهائية. أما النساء من عائلة العريس، فيمشين في موكب، ويتوجهن إلى بيت العروس. وبعد انتهاء مراسم عقد القران في المسجد، ينضم الرجال إلى النساء في بيت العريس، وتستمر الأغنيات والموسيقى والرقص.