يصرخ الغجري هيثكليف، بطل رواية "مرتفعات وذرنغ" (1847) لإميلي برونتي، فور سماعه خبر موت حبيبته كاترين: "فلترقبْ العذاب! لماذا هي كاذبة حتى النهاية؟ سأدعو دعاء واحداً.. وأكرّره حتى يتيبّس لساني! يا كاترين أرنتشو لا تنعمي بالراحة طالما أنا حيّ. لقد قلت إنني قتلتك؛ فلتتلبّسني روحك إذاً! كوني معي ولازميني دائماً. اتّخذي أيّ شكل. ادفعي بي إلى الجنون.. فقط لا تتركيني إلى حيث لا أستطيع أن أجدك. يا إلهي إنّي لا أستطيع أن أحيا من دون حياتي!".
أغوى جنونه مخرجين كثر قدّموا العمل للسينما والتلفزيون والإذاعة في عشرات النسخ، آخرها على يد المخرجة الإنجليزية أندريا أرنولد (2011)، شغوفين بجوائز نالها معظم الأعمال التي استلهمت الرواية، وبتصوير عذابات هيثكيلف في حبه العظيم للمدلّلة كاترين، التي نشأ معها في البيت نفسه طفلاً متبنّى، وتزوجت من نبيل آخر، فينتقم منها ومن عائلتها، لكنه لا ينجو من عذابات حبّه.
تعاملت السينما بشغف وانجذاب نحو بطل برونتي، التي حاولت التمرّد على قيود عصرها، بخلق شخصية لا تنتمي إلى مجتمعها، وتحمل مشاعر حادّة وساخطة على الطبيعة الإنسانية التي تصنّف البشر وفق أصولهم أو ثقافاتهم أو معتقداتهم.
أسطورة هيثكليف بُنيت على نقض السائد في مستويات عدة؛ هو نموذج مخالف لكل أبطال روايات القرن التاسع عشر في نظرتهم الرومانسية، وفي رغبته الجامحة لهدم تراتبية مجتمعه الذي لا يعترف به على قدم المساواة، بسبب اختلاف لونه. لذلك، أثارت صورة الغجري "الملوّن" بمقولاته المجبولة على القسوة والألم صناع الأفلام في الغرب.
أسطرت برونتي بطل روايتها، وكانت تقرّ في داخلها أن الحياة تسير بحسب قانون محدّد يستحيل اختراقه أو تجاوزه إلاّ من الداخل، وهو ما فعله هيثكليف بانتقامه من عائلة محبوبته، عبر زواجه شقيقة زوجها ليدّمر حياتهم. لكنه في النهاية مات بسبب عذاب الروح وذهاب كل ثروته التي جمعها إلى عائلتي زوجته وحبيبته، كإشارة حاسمة إلى سيادة القانون البشري، واعتبار خروج هيثكليف عليه لحظة عابرة مصيرها الزوال.
سعى البطل الغجري إلى تحطيم قيود العهد الفيكتوري، وتبقى شخصيته ملحّة لتحطيم مزيد من القيود لإنسان يحمل سؤالاً أزلياً عن معنى وجوده، يزيد من شكوكه حول إمكانية تحقّق العدالة، ليكون الموت تحرّراً لا خيار سواه أمام المعذبين، كما تقول برونتي في واحدة من قصائدها:
إذ كيف لي وقد شربت حدّ الثمالة
من كأس الألم السماوي ذاك
أن أسعى وراء العالم الأجوف من جديد؟