غباء ذكائنا اليومي
كلّ يوم يرى المؤمن إيمانه يضيع بين فؤاده ومراميه، وكل حين يرى العابث نفسَهُ تتسرب من بين يديْه، صارت الحياة أكثر الأماكن قداسة، وتهاوت القداسة عينها إلى درك لم تصله قبلًا، حيث ينشأ بين الإنسان وأيامه حبل من الحيرة وعراقة من التوقعات التي لا سبيل لردها أبداً، تعلمنا أن نكون أغبياء، أن نجانب الصواب دائماً، أن نهرب من مشاكلنا، وأن نصيغ لعالمنا أفقاً غير بعيد عمّا نريده ونتهافت على بقائه إسوة بمكاننا الأصيل؛ هناك في أقصى عمق أعماق الروح، بالغ الإنسان في تقديراته للوجود، وراح يغالي بشكل كبير في سرد أحداث ووقائع أعمدة التاريخ بلا معرفة كاملة بالأوضاع.
لقد رحنا نحارب ما علينا من واجبات، ونطالب بكافة الحقوق وبلا مقابل، تخلينا عن الأمانة والصدق والمصداقية وحتى الشرعية صارت غريبة عن بلداننا، فجلدنا ذواتنا بسوط رهيب من القدح والذم وسوء التسيير والتقدير؛ صرنا بلا ضمائر تجنبنا ضير الأمور وشدائد الأهوال، بل واستقلنا من الزمن بعيداً عن كل خوف يساورنا ضد ما يحدث بعيداً عنّا، فلم نفهم ما نحن مقبلون عليه، ولا لما نحن هكذا أصلاً.
ابتعدنا عن جادة المنطق، حتى أصبح غائبًا عنا وبلا تبريرات منطقية لهذا النفور، لقد استسلمنا لذوات لم نعد نتحكّم فيها، ورحنا نعاتب كل أمنياتنا قبل أن تتحقّق، لهذا من الصعب أن نخلص لما تبقى منّا في جوّ كهذا لا نعرفه ولا يعرفنا؛ بعنا أراضينا بأرخص الأثمان، وتصدّقنا بما استلهمناه من ماضينا العريق لندفع به بعيداً عن كافة فوائد الحياة، إنها من أغرب الوضعيات التي شهدها التاريخ عينه.