غاز الكلور: سلاح الأسد للإجهاز على المعارضة بغطاء دولي

06 ديسمبر 2014
بات الغاز سلاح الأسد "الناجع" (خالد الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -
لم تنتهِ حكاية الكيماوي السوري بعد، على الرغم من كل محاولات رئيس النظام السوري بشار الأسد، إقناع العالم بأنه تخلّص منه. وظهر ذلك في تصريح ممثلة الأمم المتحدة السامية لـ "شؤون نزع السلاح" أنجيلا كين، في مؤتمر "منظمة حظر الأسلحة الكيماوية" في مدينة لاهاي الهولندية قبل أيام، والتي طالبت فيه الأسد بـ "الكشف عن الوثائق الخاصة ببرنامجه للأسلحة الكيماوية، والسماح للمفتشين بحرية التنقل بين المناطق في سورية، ودخول كافة المنشآت، والتعاون عبر تسليم جميع الأدلة والوثائق، التي تثبت مزاعمه في تسليم كامل مخزون الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها".


ويُمكن إدراج تصريحها، في سياق "رفع العتب"، على الرغم من ترحيب الائتلاف الوطني المعارض به، والذي أكد من جهته، أن "طائرات النظام السوري الحربية شنّت هجوماً بالغازات السامة على أكثر من 30 موقعاً في سورية"، نقلاً عن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".

وظهر الأسد في مقابلته مع مجلة "باري ماتش" الفرنسية، يوم الخميس، متهكماً من المجتمع الدولي، تحديداً حين أكد أن "قواته لم تستخدم غاز الكلور السام أو الأسلحة الكيماوية"، خلال الصراع مع المعارضة المستمر منذ نحو أربعة أعوام. وذهب أبعد من ذلك، حين قال "يُمكن أن تجد الكلور في أي منزل في سورية، كل إنسان لديه كلور، وأي مجموعة تستطيع أن تستخدمه، لكننا لم نستخدمه، لأن لدينا أسلحة تقليدية أكثر فاعلية من الكلور، ولسنا بحاجة لاستخدامه".

وتبدو الصيغة التي اعتمدها في حديثه أقرب إلى نبرة عسكرية، تشير إلى نوع من التحدي والمضي قدماً في وأد الثورة وأبنائها، في حين يؤكد القائد العسكري لـ "الجبهة الإسلامية"، وقائد "جيش الإسلام"، زهران علوش، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "النظام لا يزال يستخدم الغازات السامة في كل معاركه، ولم يتوقف عن ذلك أبداً".

وبعد مجزرة الغوطة في 21 أغسطس/آب 2013، التي سقط فيها نحو 1500 شخص، وتداعياتها، التي أفضت إلى تسليم الأسد مائة طن من المواد السامة إلى الأمم المتحدة، بفعل التدخّل الروسي، كان واضحاً أن قوات النظام كانت تخفي شيئاً ما.

وزاد الطين بلّة، خسارة الأسد مواقع استراتيجية عدة في البلاد، فاستخدام غاز سام جديد، لا يقع في اختصاص بعثة الأمم المتحدة، وهو غاز الكلور السام. وتمادى النظام السوري في استخدامه، بعد تصريح رئيسة البعثة الدولية المكلفة لتدمير الترسانة الكيماوية السورية، سيغريد كاغ، خلال مقابلة مع قناة "سكاي نيوز" الفضائية، بأن "التحقق من استخدام غاز الكلور في سورية لا يندرج ضمن عمل البعثة".

كما يبدو في الإطار ذاته، أن تصريح وزير الخارجية الأميركية جون كيري، في مؤتمر "أصدقاء سورية" في منتصف شهر مايو/أيار الماضي، حين قال إنه "رأى المعلومات الأولية التي تشير إلى أنه قد يكون هناك عدد من المواقع التي استُخدم فيها الكلور في الحرب السورية".

واعتبر كيري بأن "ذلك يخالف معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية"، مكتفياً بهذا الحدّ. وكان موقف فرنسا مشابهاً، للموقف الأميركي، إلا أن كل شيء كان بمثابة مضيعة للوقت، منذ مايو حتى اليوم، خصوصاً في ظلّ سقوط المزيد من الضحايا السوريين.

وتمكن النظام السوري، بفعل استخدامه غاز الكلور، من تحقيق سلسلة من الانتصارات، على رأسها، استعادة السيطرة على بلدة المليحة وعدرا العمالية والبلد والصناعية، بعد اضطرار المعارضة العسكرية الانسحاب تحت وطأة استخدام الغاز. كما أن قوات النظام لا تزال تستخدم الغاز في جوبر والمناطق الاستراتيجية الهامة التي تعجز عن اقتحامها بشكل متكرر.

وشهد الشهران الرابع والخامس، أعلى معدلات استخدام سلاح الكلور السام، من قبل قوات النظام السوري. ففي الشهر الرابع من هذا العام، استخدم النظام غاز الكلور ثماني مرات عن طريق براميل متفجرة، قُتل خلالها مدنيان، وأُصيب المئات بحالات اختناق، وكان النصيب الأكبر لبلدة كفر زيتا في ريف حماة الشمالي، والتي وُثّق فيها أربع حالات، وأسفرت عن إصابة أكثر من مائتي مدني.

وفي الشهر الخامس استخدم النظام غاز الكلور سبع مرات، تركزت معظمها في كفرزيتا وبلدة التمانعة في ريف إدلب، وأودت بحياة مدنيين اثنين، وأُصيب خلالها أكثر من 65 شخصاً، بين مدنيين وعناصر تابعة لـ "الجيش الحر".

كما أُصيب عشرون شخصاً، في حي جوبر في دمشق، جراء استخدام القوات النظامية، في مناسبتين، غازات سامة في مناطق الاشتباكات مع المعارضة السورية، الشهر الماضي. وتنبّهت المعارضة لخطر استخدام النظام السوري لغاز الكلور منذ البداية، إذ أوضح مسؤول العلاقات الخارجية في مكتب "توثيق الملف الكيماوي في سورية"، نضال شيخاني في وقت سابق، بأن "إعلان أوباما عن انتهاء عملية إتلاف مخزون النظام السوري المعلن عنه من الأسلحة الكيماوية، لا يقلل من خطورة استخدام النظام لغازات سامة فتاكة ضد الشعب السوري، لا تقلّ خطراً عن تلك الأسلحة، مثل غاز الكلور الذي لم يدخل ضمن الأسلحة التي تم إتلافها".

يُذكر أن لا لون لغاز الكلور، وهو يُعدّ من المواد غير القابلة للاشتعال، وله رائحة قوية، ومن أهم أعراضه الاحمرار في الوجه والحرقة في العين والأنف والحلق. ويُعدّ الكلور من أولى الغازات السامة التي استُخدمت كأسلحة في الحروب، إذ قام الجيش الألماني بإطلاق كميات كبيرة منه خلال الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918) في بلجيكا.

ولا يزال النظام السوري يستخدم غاز الكلور، حتى اليوم، تحت غطاء دولي وغياب للمحاسبة، ويتواصل معه سقوط الضحايا. وخرق النظام قرار مجلس الأمن القاضي بمنع استخدام الأسلحة الكيماوية وغازاتها السامة لأكثر من 31 مرة، معظمها في حي جوبر الدمشقي المحرّر منذ نحو عامين.

المساهمون