وإلى جانب التساؤل بشأن الخرق الأمني، على أهميته، تبرز تساؤلات أخرى حول توقيت الغارة وأهداف الحوثيين منها، إذ لا يمكن أن ينفصل ما جرى في قاعدة العند أمس، ومسارعة الحوثيين إلى تبني الهجوم، عن التصعيد على مختلف الجبهات والمؤشرات المتراكمة التي تفيد بأن الحوثيين يستعدّون لاستئناف معركة الحديدة بعدما أتموا الاستعدادات لذلك. وتشير مجمل هذه التطورات إلى أن الحوثيين باتوا يهددون اليوم بنسف فرص التسوية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة مدفوعة بدعم دولي تحديداً بريطاني - أميركي، ومستفيدة من الظرف الإقليمي الذي توفر بعد المأزق الذي أوقعت السعودية نفسها فيه عقب قتل الإعلامي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي أولى المؤشرات على أن العودة إلى الحسم العسكري باتت الأكثر ترجيحاً، اعتبر نائب رئيس الجمهورية، علي محسن الأحمر، خلال اتصال برئيس هيئة الأركان العامة اللواء سالم النخعي، الذي كان بين الحاضرين للعرض وأصيب بجروح طفيفة، أن "مثل هذه الحوادث (غارة العند) وغيرها، التي تستهدف أبناء الشعب وتهدد الأمن والسلم الدوليين، تمدّ اليمنيين والأشقاء والأصدقاء بالقناعة والإصرار بضرورة العزم على قطع دابر مليشيا الإرهاب الحوثي وإخضاعها لقوة الدولة وسلطة النظام والقانون".
كما حثّ وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، "المجتمع الدولي على الوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية وإجبار المليشيات على التخلي عن أسلحتها والانسحاب من المدن". وقال إن الحكومة صادرت شحنات أسلحة آتية من إيران، وأن هذه الطائرة هي "دليل آخر على استمرار الإيرانيين في تسليح الحوثيين وزعزعة استقرار اليمن". وأضاف أن الهجوم يؤكد عدم جدية الحوثيين في السلام.
وفي ضوء الهجوم، فإنه من المتوقع أن تسعى قوات الشرعية والتحالف، إلى رفع مستوى العمليات العسكرية في المرحلة المقبلة، والتركيز على استهداف القواعد المحتملة للطائرات المسيرة للحوثيين، إن لم يكن هجوم أمس الخميس، تدشيناً لمرحلة جديدة من التصعيد تترافق مع الانسداد الحاصل، بتنفيذ اتفاقات السويد، وأبرزها اتفاق الحديدة متعثر التنفيذ والذي يتبادل فيه الطرفان الاتهامات. ويأتي الهجوم بعد يوم على مطالبة مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، طرفي النزاع في اليمن، بالدفع لتحقيق "تقدم كبير" بعد الاتفاقات التي تم التوصل إليها في السويد في ديسمبر/كانون الأول. وقال غريفيث، أمام مجلس الأمن عبر الدائرة المغلقة، إنه لا بد من إحراز "تقدم كبير" قبل جولة مفاوضات جديدة.
وفي تفاصيل ما جرى أمس، أكدت مصادر محلية، في حديث مع "العربي الجديد"، إصابة رئيس هيئة الأركان العامة اليمنية اللواء سالم النخعي، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء فضل حسن، ومحافظ لحج أحمد التركي، ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية اللواء محمد صالح طماح، بجروح طفيفة، بالهجوم الحوثي الذي استهدف منصة العرض العسكري في قاعدة "العند" الجوية، كبرى القواعد العسكرية اليمنية، حيث كان القادة يحضرون تدشين العام التدريبي الجديد 2019. وقتل ستة جنود يمنيين في الهجوم وأصيب 12 شخصاً، بينهم ضباط ومسؤولون محليون، بحسب ما ذكرت مصادر في مستشفى ابن خلدون في الحوطة، مركز محافظة لحج، لوكالة "فرانس برس".
وكشفت المعلومات الأولية وجود ثغر دفاعية قوية، إذ أفاد شهود عيان بأن الطائرة الحوثية المسيرة حلقت لدقائق في سماء المنطقة، ولم يكن الحاضرون يعلمون عن هويتها، وما إذا كانت طائرة تصوير تابعة للتحالف، قبل أن تنفجر على ارتفاع أمتار قليلة عن الأرض، من مقدمة "منصة" الاستعراض العسكري لتطاير الشظايا موقعة إصابات متفاوتة، طفيفة بالغالب، في صفوف القادة البارزين.
وأثار الهجوم، منذ اللحظات الأولى، شكوكاً، بسبب الخلافات المعروفة بين الحكومة اليمنية وقوات التحالف، بواجهتها الإماراتية، وهي القوة المعنية بحماية قاعدة "العند" بدفاعاتها الجوية، كقاعدة استراتيجية ليس لليمن فحسب، بقدر ما أنها ترتبط أيضاً بالملاحة الدولية في باب المندب، في حين دخلت الطائرة الحوثية من دون أن تعترضها رصاصة واحدة، وهو ما دفع البعض للاعتقاد في البداية أن ما جرى "مُدبر بليل"، وأنه قصف جوي من التحالف، قبل أن تظهر الصور الأولية لتؤكد ما أعلنه الحوثيون، من أن الهجوم حصل بطائرة مسيرة تابعة إلى الجماعة.
واكتسب التطور أهميته، من عدة زوايا، وفي المقدمة منها، نوعية الحشد المستهدف، وهو أرفع القادة في الجيش اليمني في المناطق الجنوبية، والذين نجوا بأعجوبة مما يشبه موتاً محققاً بعد أن انفجرت الطائرة قرب رؤوسهم. أما الدلالة الأهم في الهجوم، فهو أنه كسر حاجز حامية عدن (قاعدة "العند")، التي تضم عدداً من الألوية العسكرية وقاعدة جوية على الأقل، وهي القاعدة العسكرية الأكثر أهمية ورمزية لتواجد التحالف السعودي الإماراتي العسكري في اليمن. وبعد طرد الحوثيين منها مطلع أغسطس/آب 2015، بعد عدد كبير من الضربات الجوية، انتهت سيطرتهم في المناطق الجنوبية. ولطالما حرص الحوثيون خلال السنوات الماضية، على تجنب استهداف القاعدة بأي صاروخ باليستي، تجنباً على ما يبدو لأي تصعيد عسكري قد يؤدي إليه الهجوم بهذا الاتجاه.
من زاوية أخرى، وبعد أن كان الحوثيون قد أعلنوا، منذ العام 2017، عن استخدام طائرات من دون طيار، واستخدموا بعضها لمهاجمة مناطق سعودية قريبة من الحدود العام الماضي، فإن السؤال الأبرز الذي يضعه استهداف قاعدة "العند" هو عن التطور النوعي، في قدرة الحوثيين على إيصال طائرة إلى داخل القاعدة بالتزامن مع حفل عسكري يحضره كبار قادة الجيش، إذ عادة ما يتم رصد الطائرات الحوثية وإسقاطها، خصوصاً في الساحل الغربي للبلاد. وفي السياق ذاته، من المؤكد أن الاختراق الاستخباراتي في استهداف التجمع العسكري في "العند"، على رأس الأسئلة التي تُثار في هجوم من هذا النوع، إذ لم يُقدم الحوثيون على الاستهداف إلا بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة، ترصد تحركات قيادات الجيش وموعد حضورهم الحفل العسكري، وهو ما يمثل اختراقاً كبيراً، ليس لقوات الشرعية اليمنية فحسب، بل كذلك لقوات التحالف التي تتواجد في أهم المعسكرات، وهي المسؤول الأول عن حمايتها جواً من الصواريخ الباليستية والطائرات الحوثية المسيرة.
و
أعلن الحوثيون رسمياً تبني الهجوم بطائرة مسيرة من طراز جديد. وقالوا إن "سلاح الجو المسير"، استهدف ما وصفوه بأنه "تجمع للغزاة"، في قاعدة "العند"، مشيرين إلى أنه خلّف العشرات من القتلى والجرحى. وذكروا أن الطائرة التي أطلقت على القاعدة كانت من طراز "قصف 2 كيه". ونقل موقع وكالة "سبأ"، بنسخته التابعة للحوثيين، عن المتحدث باسم "القوات المسلحة" يحيى سريع قوله إنه "بعد عملية استخباراتية تم رصد تجمع لعدد من القيادات العليا لمرتزقة العدوان في قاعدة العند العسكرية وتم استهدافهم من قبل القوات الجوية وسلاح الجو المسير بطائرة مسيرة نوع قاصف كي 2، وهي طائرة جديدة دخلت الخدمة وتم اختبارها سابقا وتنفجر من أعلى إلى أسفل بمسافة 20 متراً وبشكل متشظّ، ولديها القدرة على حمل كمية كبيرة من المواد المتفجرة". وينطبق هذا الوصف على مقطع مصور من الموقع بدا أنه يظهر طائرة من دون طيار تحلق مباشرة فوق المنصة الرئيسية في قاعدة "العند" ثم تنفجر. وأضاف "هذه العملية النوعية هي بمثابة تدشين للعام القتالي الجديد 2019".