على مدى ثلاثة أيام، كانت الحرائق في غابات طنجة مشتعلة. وإن لم تحدّد الأسباب، كثرت التأويلات، منها بيع المساحات المتضررة إلى مستثمرين. بانتظار نتائج التحقيقات، تطالب جمعيات بحماية المساحات الخضراء.
أدّت حرائق ضخمة استمرّت ثلاثة أيام في غابات طنجة (شمال المغرب) إلى تدمير 215 هكتاراً من غابتيّ مديونة والسلوقية، من دون معرفة الأسباب حتّى اللحظة. وأثارت الحرائق رعباً وغضباً بين السكان في ظلّ سرعة الرياح التي وصلت إلى 90 كيلومتراً في الساعة، وارتفاع درجات الحرارة، فكانت النتيجة فقدان السيطرة عليها، علماً أنّ تلك المناطق تشكّل متنزهات طبيعية بالدرجة الأولى بالنسبة لغالبية العائلات في المدينة.
يقول مدير المندوبيّة الساميّة للمياه والغابات، محمد النفاوي، لـ "العربي الجديد"، إنّ "قوّات الدفاع المدني تمكّنت من إخماد الحرائق في الغابتين، لكنّ الرياح ونوعيّة الأشجار، منها الصمغيات القابلة للاشتعال السريع، أدت إلى زيادة رقعة الحريق الذي دمّر 215 هكتاراً". ولم تتوصل المندوبية بعد إلى أسباب الحرائق في الغابات المنفصل بعضها عن بعض جغرافيّاً. يوضح النفاوي أنّ "غالبية الحرائق في المغرب لا تُعرف أسبابها، لكنّ السلطات المحلية فتحت تحقيقاً"، مشيراً إلى أنّ جزءاً من الغابات المحروقة يصنّف ضمن المحميات. هذه الغابات متنوعة بيولوجياً لناحية الغطاء النباتي، وتشكّل ممرّاً للطيور المهاجرة ومسكناً للخنازير البريّة والأرانب وطيور الحجل. ويؤكد على "عدم تضرر أحد من السكان أو ممتلكاتهم الخاصة كالبيوت في المنطقة".
تعود ملكيّة 65 في المائة من الهكتارات المحروقة إلى الدولة، في حين أن 35 في المائة منها هي ملك خاص للسكان. ويقول البعض إنّ الحرائق قد تكون مفتعلة، في ظلّ الحديث عن بيعها إلى شركات استثمار خارجية ضخمة لتستغلّها في مشاريع سياحية. من جهته، ينفي مدير المندوبية "بيع الأراضي الخاصة بالدولة"، لافتاً إلى وضع الأراضي المتضرّرة تحت الحراسة والمراقبة لمدة عام، ثمّ زراعتها من جديد، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني. ويلفت إلى أن بيع الأراضي أو استغلالها يحدث في حالتين، إمّا في حالة "الاستغلال" المؤقّت إذا ما توفّرت مواصفات بيئيّة في المشاريع المنشأة، أو عندما لا يكون هناك بديل مناسب، وتقع مسؤولية ترخيص البناء على الأراضي المتضررة على عاتق "مندوبية وزارة السكنى".
كذلك، ينفي تدخل إسبانيا في إخماد الحرائق، مشيراً إلى "تطويق خمس طائرات مغربية للحريق، إضافة إلى الفرق الميدانية، ووضع لجنة تأهب لمدة 40 ساعة على الأقل لمراقبة المكان".
مبادرات
وكانت مؤسسات مدنية وبيئية قد أصدرت بيانات شجب. وأفاد بيان لـ "مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية في طنجة"، ملاحظته "عدم اهتمام السلطات باندلاع الحريق منذ البداية، وعدم إيلائه الأهميّة المطلوبة، علماً أنّه كان يمكن محاصرته والقضاء عليه سريعاً، خصوصاً أن الغابة قريبة من مركز الإطفاء. لكن مع توالي الساعات وتوسع النيران، لوحظ غياب المواكبة الكافية". وأعرب عن استيائه نتيجة "عدم اتخاذ ولاية طنجة والهيئات المنتخبة ومندوبية المياه والغابات مواقف رسمية وحازمة لوقف النيران وطمأنة السكان حول مستقبل الغابات"، مشيراً إلى ضرورة إعادة تشجير المنطقة المنكوبة ونزع الملكيّة الخاصة.
وأعرب المواطنون عن استعدادهم للتطوع في إخماد الحرائق وتقديم المساعدة لرجال الإطفاء أو إطلاق مبادرات، وعمد البعض إلى توزيع المياه على عناصر القوات المدنية. وبحسب المرصد، فإنّ "غابات طنجة استهدفت طويلاً من قبل أصحاب العقارات والمستثمرين، منها غابة السلوقية التي دمر جزء منها في عام 2012، إلّا أن تصدي السكان ساهم في إيقاف المشاريع"، فضلاً عن المشاكل الأخرى كقطع الأشجار والسكن العشوائي.
أمّا مركز "إبن بطوطة للدراسات وأبحاث التنمية المحلية"، فأوضح في بيان أنّ "الحريق شكّل كارثة بيئيّة أدت إلى تلوّث المنطقة لسنوات مقبلة، بعدما تراجعت مساحات الغابات والمحميات في طنجة". وتمثّل مساحة الغابات نحو 21 ألف هكتار تتوزع بين طنجة والمنزلة ودار الشاوي. يضيف أنّ التهديد الأخطر الذي تواجهه الغابات "الحضرية" يتمثّل في ملكية "العقارات الغابوية لأشخاص"، أي توارث بعض المساحات بين الأفراد أو بيعها وشرائها. وبحسب البيان، سعت "مندوبية المياه والغابات" إلى نزع ملكية الغابات من الأفراد، وإعطائها للدولة، لتبقى محميات، ما أدى إلى احتجاجات من قبل العقاريين السريين (السماسرة). وطالب بـ "فتح تحقيق قضائي ومتابعة المتورطين ونزع ملكيّة الأفراد للغابات وضمها إلى مندوبية المياه والغابات، وإحداث شركة للتنمية المحلية تساهم في تنظيف الغابات من الأعشاب المسببة للاشتعال السريع، ووضع برنامج لإعادة تأهيل الغابات".
ما بعد الحرائق
لطالما صوّرت طنجة كغابة تقع في أقصى العالم، وبعدها بحر الظلمات (المحيط الأطلسي). لكن خلال السنوات الخمسين الأخيرة، تغيّر توزيع المساحات الخضراء بشكل جذري، من "المنارة" وصولاً إلى ما كان يُعرف بـ "نونويش". واختفت غابة "ماربيل" وأقيمت فنادق ومنشآت سياحية، كما اختفت غابة "مولاي عبد الله" من قلب حيّ "الإدريسية"، وبقيت غابات "الجبل الكبير"، التي تعرضت إلى حرائق مؤخراً، الرئة الوحيدة للمدينة، فقد استغلت معظم أراضي الغابات إمّا بإقامة مشاريع سياحية أو سكنية.
وربّما يكون وضع الأراضي المتضررة من الحرائق شائكاً، في ظلّ تداخل المسؤوليات بين الجهات الرسمية، خصوصاً في ما يتعلق بالأراضي الواقعة في المحمية الطبيعية، والتي ليست ملكاً للدولة. يوضح رئيس مركز "ابن بطوطة"، عدنان المعز، لـ "العربي الجديد"، أنّ "مندوبية المياه والغابات لا تعدّ مسؤولة عن تلك الأراضي عندما تدمر الأشجار بفعل عوامل طبيعية أو تدخل البشر العشوائي، بينما تتدخل في حماية الغابات في حال كانت ضمن حيّز إشرافها القانوني". ويشير المعز هنا إلى ضرورة "نزع ملكية تلك الأراضي كي لا يتحايل الأفراد على القانون ويبنوا مساكن عشوائية".
يضيف أنّ "الوكالة الحضرية في طنجة، التابعة لوزارة السكن، تقترح شق طريق عرضه 50 متراً وسط الغابة، من خلال تغيير طبيعة بعض الأراضي من محمية إلى أراض قابلة لإنشاء مشاريع سياحية. ورغم احتجاج مندوبية المياه والغابات على القرار، إلّا أنّ مؤشرات تفيد بتوجه السلطات المحلية إلى الموافقة على تلك التعديلات، ما سيؤدي إلى اقتطاع مساحات كبيرة من المحمية المصنفة دولياً عبر إتفاقية رامسار البيئية".