عين العرب في قبضة "داعش" وتركيا تنتظر تلبية مطالبها

10 أكتوبر 2014
تريد تركيا تلبية شروطها (أمين منغارسيان/الأناضول)
+ الخط -

يشير الكثير من المعطيات إلى أن السقوط النهائي لمدينة عين العرب (كوباني) بيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بات مسألة وقت، ولعلّه وقت قصير جداً أيضاً، حيث يتم سماع هتافات مقاتلي التنظيم داخل المدينة من الجانب التركي، وذلك على الرغم من تكثيف طيران التحالف ضرباته الجوية، التي تجاوزت الـ18 غارة يوم الأربعاء فقط، وبعضها كان داخل المدينة نفسها.

وعمد مقاتلو التنظيم ليلة الثلاثاء، إثر غارات التحالف، إلى تبديل تكتيكاتهم وخداع الطائرات المغيرة عبر إحراق منازل والقيام بتفجيرات متفرقة بهدف التغطية على تجمعّاتهم.
وقد بثّ التنظيم صوراً تظهر سيطرته على مباني البلدية، ومخفر "الأسايش" (قوات الأمن الداخلي الكردية) والمنطقة الصناعية، وأحياء مقتلة، وكانيا عربا، جنوب شرق مدينة عين العرب. كما عرض صوراً لسيطرته على المستشفى الحكومي، ومستشفى الأمل، وحي بوطان ومدخل المدينة إلى حلب من جهة الجنوب.

وقال ناشطون إن "التنظيم استقدم تعزيزات ونصب قنّاصة على العديد من الأبنية، وانتشر مقاتلوه في أرجاء المدينة حيث يقومون بعمليات تمشيط بالأسلحة الخفيفة، التي لم يعد يُسمع سوى صوتها من الأراضي التركية، التي فرّ إليها عدد كبير من مسلّحي وحدات "حماية الشعب" الكردية.

وتضاربت الأنباء عن مقتل المسؤول الأمني في مركز شرطة المدينة خلال الاشتباكات، بعد سيطرة تنظيم الدولة على مركز "الأسايش" الرئيسي وتفجيره. وتحدث العديد من صفحات التواصل الاجتماعي المقرّبة من التنظيم، عن سيطرته على كامل عين العرب، لكنه لم يتمّ الإعلان عن ذلك رسمياً، واقتصر الأمر على إطلاق الرصاص ابتهاجاً في شوارع بعض المدن التي يسيطر عليها التنظيم مثل منبج والباب وجرابلس.

وتشير مصادر إعلامية، إلى أن "التنظيم سيطر بالفعل على وسط المدينة وجنوبها وشرقها، لكن المقاتلين الأكراد ما زالوا موجودين في المنطقة الغربية من المدينة، وقد استولوا على تلّة إلى الغرب منها".

ومع هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى موقف تركيا التي يشهد العديد من مدنها تظاهرات ومواجهات بين الأكراد وقوات الشرطة، أسفرت عن مقتل العديد من الأشخاص، وفرضت السلطات حظر التجوال على بعض المدن الواقعة جنوب شرق البلاد، حيث يحاول الأكراد الضغط على الحكومة التركية من أجل التدخل عسكرياً لنصرة عين العرب.

وتركيا، التي تدرك أنها القوة الوحيدة المؤهلة عسكرياً وجغرافياً للتدخل في عين العرب، أعلنت بوضوح رؤيتها، التي دعاها البعض بـ "شروطها"، للتدخّل عسكرياً في هذه المواجهات.
وتنطلق هذه الرؤيا من كون تركيا دولة كبيرة في المنطقة، وتملك علاقات متشعّبة مع مختلف الأطراف المتقاتلة، ولا يمكن أن تتدخل بناء على مصالح هذا الطرف أو ذاك، كما لا يمكن أن تكون مجرد بيدق بيد الولايات المتحدة، تحدّد لها دوراً معيّناً، بينما تتولّى الولايات المتحدة تحديد الأهداف والغايات والأولويات في هذه الحرب.

وقد أبلغت أنقرة هذه الرؤيا لكل المعنيين بمن فيهم زعيم الحزب الديمقراطي الكردي، صالح مسلم، الذي تم استدعاؤه من بلجيكا إلى أنقرة، وإبلاغه بضرورة أن يوقف الحزب، والأكراد في سورية بشكل عام، التعاون مع نظام بشار الأسد، وأن يتم إلغاء الإدارة الذاتية التي أعلن عنها الأكراد من جانب واحد في التجمّعات الكردية الثلاثة في سورية: القامشلي وعين العرب وعفرين، وألا يُقدم الأكراد في سورية على أية خطوات تهدد الأمن القومي التركي.

ومن هنا، كان الرفض التركي للتدخل عسكرياً ما لم يتم الالتفات إلى رؤيتها ومصالحها، والتي تقول أنقرة إن التطورات أثبتت صحتها. إذ إنه ومنذ البداية اعتبرت تركيا، ومعها قوى المعارضة السورية وبعض الأطراف العربية، إضافة إلى فرنسا، أن عدم دعم القوى المعتدلة في سورية لمحاربة نظام الأسد، سيزيد نفوذ القوى المتطرفة، وسيعقّد المسألة السورية، ويفتح أبوابها على تدخّلات شتّى.

وقد تجاهلت واشنطن هذه الدعوات طوال السنوات الثلاث الماضية، ما فاقم "المظلومية السنية" وجعل للتنظيمات المتطرفة حاضنة شعبية إلى حد ما. والأمر نفسه ينسحب أيضا على العراق، بعد تجاهل واشنطن مطالب السنّة، وغضت الطرف عن ممارسات حكومة نوري المالكي الإقصائية والطائفية.

وكان رئيس الحكومة التركية، أحمد داود أوغلو، قد قال في ردّه على من يطالب تركيا بالتدخل في عين العرب، إن "تركيا لم تتدخل حتى الآن في الصراع المسلّح الدائر في سورية، وحتى عندما تعرضت مناطق التركمان للهجوم من قبل تنظيم داعش في سورية والعراق لم تتدخل تركيا، فلماذا عليها أن تتدخل الآن في عين العرب، دون أن تؤخذ مصالحها في الاعتبار؟".

كما أن المطالب التركية بإقامة منطقة عازلة أو آمنة يحظر الطيران فوقها في شمال سورية، لم تلقَ استجابة أميركية. ويُمكن لهذه المنطقة، فضلاً عن استيعاب اللاجئين السوريين، أن تكون مقرّاً للحكومة السورية المؤقتة، وأداة ضغط وتضييق على نظام الأسد.

ويُشكّل تسليح الأكراد هاجساً لأنقرة التي تخشى احتمال أن تنتهي الأسلحة الغريبة التي يتمّ تسليمها الآن للمقاتلين الأكراد بأيدي حزب "العمال" الكردستاني الذي تقاتله منذ 30 عاماً، والذي بات يهدّد اليوم بالتخلّي عن عملية السلام الهشة في تركيا، كسبيل للضغط على الحكومة التركية من أجل التدخل عسكرياً ضد "داعش".

ويبدو المشهد اليوم على الرغم من كونه مركّباً ومتداخلاً، إلا أن الثابت فيه أن تركيا تمسك أكثر من غيرها بكثير من الأوراق، والجميع بحاجة إليها، ما يجعل موقفها أفضل من أي وقت مضى، لفرض رؤيتها على مجمل الأطراف، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي لا تزال رؤيتها لأوضاع المنطقة ضيقة الأفق، وتركز على الظواهر والنتائج مع تجاهل الأسباب والمسببات.

المساهمون