22 فبراير 2016
عيد الخامس من يونيو المجيد!
تحتفل مصر والوطن العربي كله اليوم، بعيد الخامس من يونيو المجيد، الذي سحقت فيه جيوشنا العربية المتحدة عام 1967 المشروع الصهيوني الإستيطاني، وأعلنت قيام دولة فلسطين التي يعيش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون، جنبا إلى جنب متساوين في الحقوق والواجبات.
الآن وبعد مرور أربعين عاما على هذا اليوم الخالد، يمكننا أن نحكي لأبنائنا الذين لم يشهدوه بمزيد من الغبطة والفخرعن كفاحنا الذي قادنا إلى هذا النصر المجيد. نحكي لهم عن الرئيس جمال عبد الناصر الذي لم يستجب لأصوات المنافقين وخدم السلطان رافضا أن يُنصِّب نفسه حاكما مدى الحياة بعد خروج مصر سالمة من عدوان السويس عام 1956، ومقررا خوض انتخابات رئاسية حامية الوطيس تفوق فيها بأغلبية معقولة على منافسيه اللدودين المستشار حسن الهضيبي وفؤاد باشا سراج الدين الذي دخل ممثلا عن حزب الوفد بعد أن اعتذر الزعيم مصطفى النحاس عن خوض الانتخابات معتبرا أنه صار يمثل الماضي أكثر من الحاضر.
نحكي عن الجيش المصري العظيم الذي عاد إلى الثكنات طواعية ليلعب دوره في حماية الوطن وسلامة أراضيه، عن أضخم انتخابات برلمانية شهدتها مصر تحدث العالم بانبهار عن خلوها من التزوير والقمع والعسف الإداري، وكيف انتهت بمفاجأة ثقيلة العيار هي خسارة حزب الوفد واكتساح حزب الإصلاح الذي تم تشكيله بعد إعلان جماعة الإخوان المسلمين التوقف عن النشاط السياسي، وتحولها طواعية إلى جمعية خيرية اجتماعية دينية، ثم نحكي لهم كيف عاد الوفد إلى الصدارة في الانتخابات التالية بعد أن فشل حزب الإصلاح في تحقيق البرنامج الانتخابي الذي وعد به.
نحكي عن اللجنة القومية لمناهضة التعذيب والتي شكلها عبد الناصر برئاسة شهدي عطية الشافعي وعضوية فتحي رضوان ومكرم عبيد وعبد القادر عودة وإحسان عبد القدوس. عن البرنامج النووي المصري الذي بدأته مصر في صمت بتمويل من الدول العربية ودعم من الاتحاد السوفييتي ثم فاجأت العالم باكتماله، عن رفض ناصر لتأميم الصحافة المصرية أو اغتيال حريتها وإقالته لإدارة إذاعة صوت العرب لعدم إعجابه بسياسة التهويل والتضخيم التي تتبعها، نحكي عن رفضه تورط مصر في أي حروب خارجية إلا بعد بناء مصر أولاً، عن وقوفه شامخا فوق المزايدات والمؤامرات ليعلن أن الوطن العربي لن يكون قوياً وحراً ومستقلاً إلا عندما تحقق مصر استقلالها الاقتصادي ونهضتها العلمية والثقافية، وأن خلاصنا النهائي كعرب لن يكون إلا بالعلم والحرية معا، نحكي عن الخطة القومية الشاملة لإنشاء نظام تعليمي متطور ودعم البحث العلمي وضمان استقلال الجامعات والذي أنجزته لجنة من كبار العقول المصرية رأسها طه حسين. عن رفض عبد الناصر أن يستجيب لأصوات الذين حضّوه وحرضوه على إجراء تعديلات دستورية لزيادة مدة بقائه في الحكم إلى ثلاث مدد بعدما قاربت الثانية على الانتهاء.
نحكي عن سلسلة المناظرات الفكرية التي عقدت بين كبار المثقفين والمفكر سيد قطب حول فكرة الحاكمية التي تبناها في كتبه الأخيرة، وانتهت بتراجع قطب عن كثير من أفكاره، عن اعتذار صلاح جاهين عن الاستمرار في كتابة أغاني احتفالات الثورة معلنا تفرغه لكتابة عمل شعري ضخم عنوانه (على اسم مصر)، نحكي عن عبد الناصر الذي أعلن من القدس في 23 يوليو 67 أنه يعتبر النصر الذي تحقق في 5 يونيو خير ختام لفترته الرئاسية الثانية، ويعلن عن فتح باب الترشح لثاني انتخابات رئاسية حرة في مصر، ثم نحكي أخيرا عن الجماهير التي لم تخرج لتقول له: "لا تتنحى"، واكتفت بإرسال برقيات شكر تعده بأنه سيكون دائما في القلوب.
تتوقف الحكايات كلها بغتة، حين أصحو من أحلامي الساذجة فزعا، على صوت قبيح ينبعث من ميكروفون مزعج يجوب الشوارع صارخا: "الحزب الوطني في مصلحتك.. بلدنا بتتقدم بينا.. نعم من أجل الاستقرار والاستمرار"، في حين انبعث من التلفزيون صوت مذيع قناة الجزيرة مولولاً "كيف يرى العرب هزيمة يونيو بعد أربعين عاما"، فيوسوس لي الشيطان أن في صوته نبرة شماتة، فأستعيذ بالله من الشيطان، وأحاول العودة إلى النوم، لعلي ألحق بأحلامي قبل أن تتبدد، يطير النوم كلية على وقع أصوات تنبعث من المنور، لطفلتين من بنات الجيران تغنيان أو ربما تهتفان: "عسكر فوق وعسكر تحت.. إخص عليك يابتاع الكحك".
* نشرت عام 2007 وهي فصل من كتاب (ضحك مجروح)
نحكي عن الجيش المصري العظيم الذي عاد إلى الثكنات طواعية ليلعب دوره في حماية الوطن وسلامة أراضيه، عن أضخم انتخابات برلمانية شهدتها مصر تحدث العالم بانبهار عن خلوها من التزوير والقمع والعسف الإداري، وكيف انتهت بمفاجأة ثقيلة العيار هي خسارة حزب الوفد واكتساح حزب الإصلاح الذي تم تشكيله بعد إعلان جماعة الإخوان المسلمين التوقف عن النشاط السياسي، وتحولها طواعية إلى جمعية خيرية اجتماعية دينية، ثم نحكي لهم كيف عاد الوفد إلى الصدارة في الانتخابات التالية بعد أن فشل حزب الإصلاح في تحقيق البرنامج الانتخابي الذي وعد به.
نحكي عن اللجنة القومية لمناهضة التعذيب والتي شكلها عبد الناصر برئاسة شهدي عطية الشافعي وعضوية فتحي رضوان ومكرم عبيد وعبد القادر عودة وإحسان عبد القدوس. عن البرنامج النووي المصري الذي بدأته مصر في صمت بتمويل من الدول العربية ودعم من الاتحاد السوفييتي ثم فاجأت العالم باكتماله، عن رفض ناصر لتأميم الصحافة المصرية أو اغتيال حريتها وإقالته لإدارة إذاعة صوت العرب لعدم إعجابه بسياسة التهويل والتضخيم التي تتبعها، نحكي عن رفضه تورط مصر في أي حروب خارجية إلا بعد بناء مصر أولاً، عن وقوفه شامخا فوق المزايدات والمؤامرات ليعلن أن الوطن العربي لن يكون قوياً وحراً ومستقلاً إلا عندما تحقق مصر استقلالها الاقتصادي ونهضتها العلمية والثقافية، وأن خلاصنا النهائي كعرب لن يكون إلا بالعلم والحرية معا، نحكي عن الخطة القومية الشاملة لإنشاء نظام تعليمي متطور ودعم البحث العلمي وضمان استقلال الجامعات والذي أنجزته لجنة من كبار العقول المصرية رأسها طه حسين. عن رفض عبد الناصر أن يستجيب لأصوات الذين حضّوه وحرضوه على إجراء تعديلات دستورية لزيادة مدة بقائه في الحكم إلى ثلاث مدد بعدما قاربت الثانية على الانتهاء.
نحكي عن سلسلة المناظرات الفكرية التي عقدت بين كبار المثقفين والمفكر سيد قطب حول فكرة الحاكمية التي تبناها في كتبه الأخيرة، وانتهت بتراجع قطب عن كثير من أفكاره، عن اعتذار صلاح جاهين عن الاستمرار في كتابة أغاني احتفالات الثورة معلنا تفرغه لكتابة عمل شعري ضخم عنوانه (على اسم مصر)، نحكي عن عبد الناصر الذي أعلن من القدس في 23 يوليو 67 أنه يعتبر النصر الذي تحقق في 5 يونيو خير ختام لفترته الرئاسية الثانية، ويعلن عن فتح باب الترشح لثاني انتخابات رئاسية حرة في مصر، ثم نحكي أخيرا عن الجماهير التي لم تخرج لتقول له: "لا تتنحى"، واكتفت بإرسال برقيات شكر تعده بأنه سيكون دائما في القلوب.
تتوقف الحكايات كلها بغتة، حين أصحو من أحلامي الساذجة فزعا، على صوت قبيح ينبعث من ميكروفون مزعج يجوب الشوارع صارخا: "الحزب الوطني في مصلحتك.. بلدنا بتتقدم بينا.. نعم من أجل الاستقرار والاستمرار"، في حين انبعث من التلفزيون صوت مذيع قناة الجزيرة مولولاً "كيف يرى العرب هزيمة يونيو بعد أربعين عاما"، فيوسوس لي الشيطان أن في صوته نبرة شماتة، فأستعيذ بالله من الشيطان، وأحاول العودة إلى النوم، لعلي ألحق بأحلامي قبل أن تتبدد، يطير النوم كلية على وقع أصوات تنبعث من المنور، لطفلتين من بنات الجيران تغنيان أو ربما تهتفان: "عسكر فوق وعسكر تحت.. إخص عليك يابتاع الكحك".
* نشرت عام 2007 وهي فصل من كتاب (ضحك مجروح)