28 يناير 2024
عيد الحبّ العربي
أشفق على العشاق العرب، وهم يتحايلون على مجتمعاتهم، وكومة أعرافهم وتقاليدهم، لتهريب وردة حمراء إلى محبوباتهم.
أشفق عليهم، وهم يتسللون كاللصوص، ليرتكبوا جريمة الحب، فيسلكوا أزقةً ضيقةً، وطرقاً ممنوعة، كي لا يكتشفهم أحد من معارفهم، وفي أيديهم أداة الجريمة، فتكون الفضيحة التي تطاردهم طوال حياتهم، وأعني بها تهمة "العشق"، وهي تهمة تضاهي "الصعلكة"، في الزمن العربي الأول، والتي ألصقت برهط من "المنبوذين" الذين تمردوا على شروط القبائل.
مطلوب من الرجل العربي ألا "يبكي"، وألا "يحب"، وألا يكون "رومانسياً"، وألا يظهر أي عاطفةٍ من تلك المساحة الإنسانية الشفيفة التي يجهد لوأدها، حتى يستكمل شروط "الرجولة" و"الفحولة".
أما الأعذار التي نتدجّج بها لوأد الحب، فما أكثرها، وفي مقدمتها "الوضع لا يسمح"، و"الأمة في حالة حرب"، و"الشعب جائع"، وكأن المحاربين لا يحبّون، والفقراء لا يعشقون.
تمنيت لو أكمل العرب دائرة ولعهم بالماضي، فضموا إليها فتوحاتهم العاطفية، إلى جانب فتوحاتهم الأرضية، غير أنهم طمسوا هذا الفتح عن قصد، تماماً كما طمسوا الفلسفة، لحساسياتٍ دينيةٍ، أقنعهم بها وعّاظ منغلقون، ومفتون محدودو الفكر والأفق.
لو نبش العرب تاريخهم العاطفي، لوجدوا ألف عيد بديل من "فالانتين"، هذا الراهب الذي لا يُضارِع، بأي حال، عاشقاً متمرّساً، مثل "مجنون ليلى"، ولأصبح العيد الذي يحتفلون به هو "عيد المجنون"، مثلاً.
ولو شاءوا المزاوجة بين الحب والحرب التي يعشقونها، لجعلوا العيد باسم "عنترة"، الذي أخفق، عامداً متعمداً، في التفريق بين التماع السيف وإشراقة ثغر المحبوبة.
عند الحب والمشاعر الإنسانية تجمد العرب عن نبش "أمجادهم" التاريخية، واستبدلوا الحبيبة بـ"السبيّة"، استناداً إلى مفاهيم دينية مغلوطة، فأصبحت المرأة، في نظرهم، مجرد كائنٍ مقيد بأغلال التبعية وتفريغ الشهوات، ولا يملك حق الاعتراض على مشيئة "المنتصر" الذكر، الذي لا يجد في نفسه حاجة لبذل العاطفة والمشاعر، ما دامت "السبية" رهن ذكورته.
وفي المقابل، وصم العرب قيس بن الملوح بـ"المجنون"، لأنهم رأوا، في عاطفته المتأججة، ضعفاً لا يليق بالرجل، ولكي يقطعوا الطريق على من يحاول محاكاة أسلوبه في العشق، على الرغم من شاعريته الفذة، وحكمته البليغة التي تؤهله لأن يكون أعقل العرب، وربما العاقل الوحيد في نهجه العاطفي الصادر عن شغفٍ مفرط بالعشق والحياة.
كما نسي عرب اليوم أن أجدادهم من شعراء العصر الذي وصم ظلماً بـ"الجاهلي" اعتادوا، في مطالع قصائدهم، على التغزل بحبيباتهم، حتى لو كان موضوع القصيدة أمراً مغايراً تماماً، كالحرب أو إسداء النصائح، وبذل الحِكم، وكأنهم يودّون تمرير رسالةٍ مفادها بأن الحبيبة هي فاتحة الحياة، ومطلعها، وهي من يحقّ لها أن تكون رأس الهرم في القلب والمجتمع على السواء.
أما عشاق اليوم من العرب، فيعيشون تمزقاً عنيفاً، وانفصاماً مريعاً، بين شروط الحب التي تقتضي حرق السفن أحياناً، وصولاً إلى قلب الحبيبة، وشروط مجتمع قبليّ وتاريخ مبتور، أشبه بـ"الحب في زمن الكوليرا"، لا "الحب في زمن العرب"، على الرغم من اختلاف الروايتين، ذلك أن ماركيز إنما كان يعني أن الحب أقوى من كل الأوبئة، وأشدّ ديمومة من الزمن بكل صروفه، بعكس العرب الذين يتذرّعون بأوهى الحجج، لجعله خارج سلم أولوياتهم، على الرغم من اهتراء سلّمهم كله.
ووفق قانون الاستعمال والإهمال، لا عجب إن اختفت قلوبنا يوماً عن أجهزة الأشعة، ولو كانت هناك أجهزة لكشف العواطف والمشاعر، لأدهشنا انقراضهما، ولما رأينا هناك سوى أطياف "عاقل ليلى"، و"جميل بثينة"، تحلق على الشاشات، لتبلغنا أن لنا حديقة تاريخية في العشق والحب، علينا استعادتها من مقصات رقباء التزييف ووأد المشاعر، وقطف زهورها الحمراء من دون خجل، لإهدائها إلى حبيباتنا، كلما عنّ لنا الاحتفال بعيد الحب العربي.
أشفق عليهم، وهم يتسللون كاللصوص، ليرتكبوا جريمة الحب، فيسلكوا أزقةً ضيقةً، وطرقاً ممنوعة، كي لا يكتشفهم أحد من معارفهم، وفي أيديهم أداة الجريمة، فتكون الفضيحة التي تطاردهم طوال حياتهم، وأعني بها تهمة "العشق"، وهي تهمة تضاهي "الصعلكة"، في الزمن العربي الأول، والتي ألصقت برهط من "المنبوذين" الذين تمردوا على شروط القبائل.
مطلوب من الرجل العربي ألا "يبكي"، وألا "يحب"، وألا يكون "رومانسياً"، وألا يظهر أي عاطفةٍ من تلك المساحة الإنسانية الشفيفة التي يجهد لوأدها، حتى يستكمل شروط "الرجولة" و"الفحولة".
أما الأعذار التي نتدجّج بها لوأد الحب، فما أكثرها، وفي مقدمتها "الوضع لا يسمح"، و"الأمة في حالة حرب"، و"الشعب جائع"، وكأن المحاربين لا يحبّون، والفقراء لا يعشقون.
تمنيت لو أكمل العرب دائرة ولعهم بالماضي، فضموا إليها فتوحاتهم العاطفية، إلى جانب فتوحاتهم الأرضية، غير أنهم طمسوا هذا الفتح عن قصد، تماماً كما طمسوا الفلسفة، لحساسياتٍ دينيةٍ، أقنعهم بها وعّاظ منغلقون، ومفتون محدودو الفكر والأفق.
لو نبش العرب تاريخهم العاطفي، لوجدوا ألف عيد بديل من "فالانتين"، هذا الراهب الذي لا يُضارِع، بأي حال، عاشقاً متمرّساً، مثل "مجنون ليلى"، ولأصبح العيد الذي يحتفلون به هو "عيد المجنون"، مثلاً.
ولو شاءوا المزاوجة بين الحب والحرب التي يعشقونها، لجعلوا العيد باسم "عنترة"، الذي أخفق، عامداً متعمداً، في التفريق بين التماع السيف وإشراقة ثغر المحبوبة.
عند الحب والمشاعر الإنسانية تجمد العرب عن نبش "أمجادهم" التاريخية، واستبدلوا الحبيبة بـ"السبيّة"، استناداً إلى مفاهيم دينية مغلوطة، فأصبحت المرأة، في نظرهم، مجرد كائنٍ مقيد بأغلال التبعية وتفريغ الشهوات، ولا يملك حق الاعتراض على مشيئة "المنتصر" الذكر، الذي لا يجد في نفسه حاجة لبذل العاطفة والمشاعر، ما دامت "السبية" رهن ذكورته.
وفي المقابل، وصم العرب قيس بن الملوح بـ"المجنون"، لأنهم رأوا، في عاطفته المتأججة، ضعفاً لا يليق بالرجل، ولكي يقطعوا الطريق على من يحاول محاكاة أسلوبه في العشق، على الرغم من شاعريته الفذة، وحكمته البليغة التي تؤهله لأن يكون أعقل العرب، وربما العاقل الوحيد في نهجه العاطفي الصادر عن شغفٍ مفرط بالعشق والحياة.
كما نسي عرب اليوم أن أجدادهم من شعراء العصر الذي وصم ظلماً بـ"الجاهلي" اعتادوا، في مطالع قصائدهم، على التغزل بحبيباتهم، حتى لو كان موضوع القصيدة أمراً مغايراً تماماً، كالحرب أو إسداء النصائح، وبذل الحِكم، وكأنهم يودّون تمرير رسالةٍ مفادها بأن الحبيبة هي فاتحة الحياة، ومطلعها، وهي من يحقّ لها أن تكون رأس الهرم في القلب والمجتمع على السواء.
أما عشاق اليوم من العرب، فيعيشون تمزقاً عنيفاً، وانفصاماً مريعاً، بين شروط الحب التي تقتضي حرق السفن أحياناً، وصولاً إلى قلب الحبيبة، وشروط مجتمع قبليّ وتاريخ مبتور، أشبه بـ"الحب في زمن الكوليرا"، لا "الحب في زمن العرب"، على الرغم من اختلاف الروايتين، ذلك أن ماركيز إنما كان يعني أن الحب أقوى من كل الأوبئة، وأشدّ ديمومة من الزمن بكل صروفه، بعكس العرب الذين يتذرّعون بأوهى الحجج، لجعله خارج سلم أولوياتهم، على الرغم من اهتراء سلّمهم كله.
ووفق قانون الاستعمال والإهمال، لا عجب إن اختفت قلوبنا يوماً عن أجهزة الأشعة، ولو كانت هناك أجهزة لكشف العواطف والمشاعر، لأدهشنا انقراضهما، ولما رأينا هناك سوى أطياف "عاقل ليلى"، و"جميل بثينة"، تحلق على الشاشات، لتبلغنا أن لنا حديقة تاريخية في العشق والحب، علينا استعادتها من مقصات رقباء التزييف ووأد المشاعر، وقطف زهورها الحمراء من دون خجل، لإهدائها إلى حبيباتنا، كلما عنّ لنا الاحتفال بعيد الحب العربي.