عيد الأم وكتاب الشجرة الكريمة

20 مارس 2015
أم وابنتها (Getty)
+ الخط -


عام 1985 قرأت لأوّل مرة كتاب the Giving Tree للكاتب الأميركي اليهودي شيل سلبرستيان. هو كتاب مصور يحكي قصة شجرة أحبت طفلاً استغلها حتى النهاية، وكانت سعيدة باستغلاله لها، حتى عندما قطع جذعها ليصنع منه سفينة ويبحر بعيداً، والأهم أنّ طفل القصة يبقى "طفلاً" رغم مرور السنين.

كنت في ذلك الوقت ساذجة وتعاملت مع النص من دون تحليل ونقد. حين كنت أدعى للمشاركة في احتفالات عيد الأم، كنت أختار هذا الكتاب بالإنكليزية، واستمتع بترجمته وقراءته للأمهات، خصوصاً عندما أرى مدى تأثرهن بتضحية الشجرة، رمز الأم، وتنازلها عن كل ما تملك للطفل الذي أحبته. وكان البعض منهن يبكي عندما تنتهي القصة بعودة الطفل بعد أن صار عجوزاً، الى جذع الشجرة ليستريح.

كبرت ولاحظت أنّ النص غير بريء. إذ يبدأ بوصف حب الشجرة غير المشروط للطفل، وفي صفحة واحدة فقط يعلن عن حب الطفل للشجرة. أجريت الأبحاث حول الكتاب وتبيّن أنّ الحركات النسوية الأميركية قد ضجّت به. إذ اتهمته بالترويج لإلغاء الذات من قبل الأمهات أمام مطالب أطفالهن. توقفت عن قراءة القصة في عيد الأم، لأنّي شخصياً لا أرى في أمومتي لأولادي أي تضحية. اخترت أن أكون أماً وأنا بكامل قواي العقلية.

لا أحب كلمة "تضحية"، خصوصاً في سياق العلاقة بين الأم/الأب وأولادهما، لأنّي لا أؤمن بإلغاء ماهية وجودي لأكون أماً جيدة لأطفالي، ولا أريد لنفسي ولا لأي أم أن يحل بها ما حلّ بالشجرة التي ألغت وجودها، وتحولت لجذع مبتور لا أغصان لها ولا ثمار، كي تمنح السعادة لطفل مدلّل لا يبادلها الحب غير المشروط.

ملاحظتان مهمتان 
1- قبل عدة سنوات، وجدت ترجمة للقصة أصدرها دار الفكر المعاصر في دمشق، من دون حقوق نشر وذكر القصة الأصلية تحت اسم "الشجرة المعطاء". اختار المترجم عبد الواحد العلواني تسمية الطفل أحمد، وذكر منذ بداية القصّة حب أحمد للشجرة التي بادلته الحب، إضافة إلى تحوير وإلغاء كثير من الأحداث.

مثلاً، في القصة الأصلية، هناك مشهد جميل يظهر جذع الشجرة وعليه قلب محفور، وعلى الأرض، زوجان من الأرجل للطفل وصديقته. بالطبع، هذا المشهد محذوف من الترجمة العربية. وهناك مشهد يطلب فيه الطفل من الشجرة حلاً ليسافر ويرى العالم، فتمنحه جذعها ليصنع منه قارباً. أمّا في النص العربي، فهو رجل كهل ولديه عائلة (تظهر صورة زوجته المحجبة وأطفاله)، ولا يستطيع إعالتها، فيطلب من الشجرة منحه جذعها ليسافر ويتاجر عبر البحار، ليعيل زوجته وأولاده. وبهذا الشكل، تكون القصّة قد أضاعت مضمونها الأصلي.


2- عام 2004 تمت ترجمة القصة للعربية من قبل الشاعر الفلسطيني فاضل علي، لصالح دار نشر عبرية كانت قد أصدرت الكتاب بالعبرية سابقاً. وللأسف، قام الشاعر بترجمة القصة العبرية وسمّاها "الشجرة الكريمة"، لأنّ كلمة معطاء بالعبري تحمل رمزاً جنسياً والشجرة مذكر وليست مؤنث بالعبري.
المساهمون