"أنا ابن المخيم، ففيه طفولتي وصباي وأصدقاء عمري. فيه عرفت طيرة حيفا، مسقط رأسي أنا وأجدادي". هكذا يقدم الطبيب حسن عويس نفسه لـ "العربي الجديد"، متنقلاً بذاكرته بين دمشق التي درس فيها بثانوية اليرموك والسعادة وكلية الطب، وبين طوكيو في اليابان التي وصلها حسن عويس طالباً للعلم "إلى أبعد من الصين" بحسب ما يقول.
حين تخرج حسن من كلية طب الأسنان في جامعة دمشق راح يبحث عن تخصص في طب أسنان الأطفال، فلمعت فكرة التقدم لإجراء اختبار منحة يابانية نجح فيها.
أن يصل فلسطيني إلى طوكيو بحثاً عن علم يستزيد منه، لا يعتبره حسن عويس سوى "طبيعي، رغم كل الظروف الصعبة لغربة قاسية تضعك في مواجهة مع تسمية لم تكن تخطر ببالي. ولد ابني سامي في اليابان، وحين أردت تسجيله وضعوا عند الجنسية: بلا وطن... كيف بلا وطن؟ وعندها قال لي صديقي المصري في طوكيو: يحق لسامي أن يدون كمواطن ياباني... وهكذا صار... أعطي جواز سفر يابانياً... بينما ولداي عمار وكرم يحملان الجنسية الأميركية".
يتذكر حسن عويس سنواته الأربع للتخصص باليابان وكيف جعلت طموحه العلمي يتجاوز مجرد عيادة في مكان ما "لقد أردت المزيد بعد تلك السنوات في التخصص، عدت لدمشق بعد منحي الدرجة العلمية، وطموحي لا تتسع له جغرافيا. أردت أن أقدم شيئاً لبلدي الثاني، سورية، افتتحت عيادة وذهبت إلى جامعة دمشق طارحاً عليهم تخصيص حيز للبحث العلمي. الجواب كان، لا موازنات لذلك... تطوعت 7 أشهر بدون مقابل لأنقل ما تعلمته... تم إيقافي لأنني طرحت تغييراً بسيطاً".
يسافر حسن لزيارة أهله في الولايات المتحدة، عاد لدمشق ثم غادر مرة أخرى إلى ولاية أوهايو، وتلك رحلة غيرت مجرى حياته "طلب مني أن أقدم محاضرة للطلاب المقيمين في ولاية أوهايو، فور انتهائي عرضت الجامعة علي العمل لديها". وبقي منكبّاً عامين آخرين على البحث العلمي في تلك الولاية، يقدم أبحاثاً جديدة تنشرها له مجلات علمية.
ينتقل الدكتور حسن في 2004 إلى ميتشغان للعمل في جامعة طب الأسنان لخمسة أعوام. كان يدرس الطلاب كأستاذ مساعد في البداية وينشر أبحاثه العلمية في الوقت نفسه. بعد تلك السنوات من الأبحاث أصبح أستاذاً مشاركاً.
رحلة الدكتور حسن عويس في سنواته الخمس تلك أنتجت 45 بحثاً علمياً وأهمها "البحث السريري لطب الأسنان" وقد نشرت في مجلات عالمية متخصصة.
لم تكن سهلة سنوات حسن عويس في تثبيت قدميه في عالم الطب والمعرفة "كي أستطيع ممارسة الطب كان عليّ أن أحصل على شهادة أميركية للمتخرجين خارجها، وقد فعلت لأفتتح عيادة أعمل فيها جزئياً بجانب عملي في التدريس والتدريب الجامعي".
تدرج عويس في مواقعه ودرجاته العلمية منذ 8 سنوات ليصبح مدير برنامج تدريب الأطباء واختيارهم "نحن نختار الأطباء في مجال طب أسنان الأطفال ليباشروا التدريب في مشفى ميتشغان للأطفال، حيث يتدرب هؤلاء لمدة عامين يحضرون من كل الولايات الأميركية. كنا ذات يوم نراجع طلبات الأطباء الذين سنقبلهم، تقدم 8 منهم ورحت مع زملائي أتفحص المؤهلات العلمية. وقع نظري على اسم طالبة دكتوراه "فلسطين"، دققت جيداً وإذا هي فعلا طبيبة باسم فلسطين، وكنا نناقش في لجنة القبول الطلبات حين عرفت بأنها فلسطينية من فلوريدا، ولدت وعاشت هناك طيلة حياتها. لقد كنت سعيداً أن أرى اسم فلسطين ومن بين المتنافسين، وها هي اليوم من أنجح الأطباء هنا".
يتحدث عويس عن وصوله لمواقع مرموقة في الولايات المتحدة قائلاً "عائلتي بسيطة، كأية عائلة فلسطينية في مخيم اليرموك. أمي التي لم تصل سوى للسادس ابتدائي ووالدي للرابع، لم يكونا يتحدثان، مثل كثير من الآباء، سوى عن العلم وبلدنا. لا تزال كلماتهما لي ولإخوتي بأن الانتاج والعلم هما سلاح ماض وأساسي في معركة وجودنا. سافر أخي من الولايات المتحدة كمهندس وها هو موجود في السعودية، يعمل فيها، وأخي في الإمارات طبيب أسنان. ذلك أمر مهم في حياتنا كلاجئين ومغتربين من المخيمات".
يخبرنا حسن عن صعوبات الغربة بصوت يتألم على "فراق المخيم، فأنت دائم التفكير بالأصدقاء والأهل والبلد الذي أحببته. لقد كانت أليمة تلك الغربة عن الوالد والوالدة ومحيطك الاجتماعي، لكنك في سبيل العلم لا تجد مفرا".
ولم يكن الأمر سهلاً على حسن عويس، ومثله مئات آلاف العرب والمسلمين في أميركا، بعد هجمات 11 سبتمبر "تأثير تلك الهجمات كان مدمراً على الكثيرين، في المجتمع الأميركي هناك عملية تجهيل فظيعة ومتعمدة. وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً، الشعب هنا لا يمكن لومه على سياسة بلده. لكن التقصير العربي كبير في شرح القضايا العربية، فالشعب الأميركي منفتح ويستمع لك ويمكن أن يغير وجهة نظره لو تعاملنا معه بمثل ما يجب".
يتحدث طبيب الأسنان الفلسطيني-السوري عن أمله في أن يصبح لدينا مشاف متخصصة بالأطفال الذين يعانون من أمراض مستعصية وغير قادرين على التعبير عن آلامهم " فنحن نعالج هنا أطفالا مصابين بشلل نصفي أو دماغي، أو لديهم أمراض قلب وسرطان، وهؤلاء تتم معالجتهم بطريقة خاصة قد تضطرنا لدخول غرفة العمليات تحت التخدير العام أثناء عمليات جراحية أخرى. وكم سيكون رائعاً لأطفال مصابين بالشلل في بلادنا ويتألمون ويعانون أن نقدم لهم الرعاية التي يلقاها أطفال في هذه البلاد وغيرها".
وللدكتور حسن عويس نظرته في حياة الاغتراب التي يعيشها الكثير من العرب، إذ يشدد على أن "صورة المهاجرين ليست بتلك السلبية التي يقيمها الإعلام، فهناك نجاحات كبيرة للجاليات العربية في الغرب. ما ينقصنا أحياناً، هو أن نجد السبل والوسائل التي تجعلنا أكثر تأثيراً وظهوراً". وهو يتمنى بأن تستفيد الأجيال العربية في المهاجر من فرص التعليم المتاحة أمامها "فمن خلال التعليم يمكن تحقيق الكثير، سواء على الصعيد الشخصي أو الجمعي الذي يهمنا جميعاً في قضايانا العادلة، بما فيها قضايا الحريات وبناء دولنا على أسس جيدة لا تجعل البؤس والشقاء ركنين من المهد إلى اللحد في حياة الأجيال العربية".