09 نوفمبر 2024
عون وبري: من لبنان مع الحب
لا شيء في لبنان يدوم على حاله. لا الحرب الأهلية ولا السلم الأهلي. الدوامة المتأتية من مساوئ النظام الطائفي، وإفرازاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، سمحت لأقلية مثلّثة مكوّنة من رجال الأعمال وأمراء الحرب ورجال الدين بالسيطرة على البلد. هذه السيطرة تكشف، من حين إلى آخر، مدى "إجرامها" بحق اللبنانيين، خصوصاً الذين يعتقدون أن كل فعل أو رد فعل يقومون به هو "أمر صحيح"، لأن حدود التفكير مقفلة أمام الآفاق الأوسع.
في الأسبوعين الأخيرين مثلاً، اندلع سجال بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. سجال متصل بالشكل بتوقيع عون ورئيس الحكومة سعد الحريري على مرسوم الأقدمية لـ"دورة 1994" في الجيش اللبناني. في الشكل، يريد بري توقيع وزير المال إلى جانب توقيعي عون والحريري، كتكريس للتواقيع الثلاثية الطوائفية لأي مرسوم يصدر في الجمهورية اللبنانية: المسيحيّة (عون)، السنّية (الحريري)، الشيعيّة (وزير المال علي حسن خليل المحسوب على بري). علّل بري بالمبدأ، ذلك بوجود ما سماه "عبئاً مالياً في المرسوم"، أي أنه بحكم تطرّق المرسوم إلى الأقدمية، وبالتالي الترقيات العسكرية بما تقتضي من زيادةٍ في رواتب العسكريين بصورة استثنائية، فإنها تستلزم توقيع وزير المال، غير أن عون استند فعلياً إلى حق دستوري، لا يحتاج معه إلى توقيع وزير المال.
حتى الآن، يُمكن قياس الأمر إلى أبعد من الاشتباك العسكري بين الرجلين أيام حرب لبنان، حين كان عون قائداً للجيش اللبناني وبرّي قائداً لحركة أمل، بل يُمكن قياسه إلى مفاعيل أحداث 7 مايو/ أيار 2008، حين سيطر حزب الله وأمل وحلفاؤهما على الجزء الغربي من بيروت، بما اعتبره النائب وليد جنبلاط حينذاك أن "الطرف الشيعي بات ركناً في كل معادلة في لبنان". وهو ما أجّج التأويلات بشأن احتمال إجراء تعديلاتٍ على اتفاق الطائف، أو حتى الدعوة إلى جمعيةٍ تأسيسيةٍ تضع دستوراً جديداً في سياق "المثالثة" الطائفية بين المسيحيين والسنة والشيعة.
بحكم شخصيتي عون وبري، فإنهما اعتادا اللعب على حافّة الهاوية، من دون أن ينكسرا. فعلها عون وأصبح رئيساً للجمهورية في أواخر عام 2016، وبرّي أيضاً، تربّع على كرسي رئاسة المجلس النيابي 25 عاماً وما زال. يدركان أن أي تصادم، بالشكل المُوحى به في وسائل الإعلام اللبنانية، لن يؤدي سوى إلى خسارتهما معاً. بينما فعلياً، سواء عن قصد أو من دونه، يعملان على الحشد طائفياً، وهو ما برز في أدبيات القواعد التابعة للرجلين. امتدت الحرب السياسية إلى حربٍ دينيةٍ حتى. الشتائم طاولت الأديان لدى الفريقين، ربما كل ما يحتاج إليه المتحاربان إلكترونياً هو مجرد متراسين متقابلين وبدء القصف.
الأغرب أن بعض من يعتبر نفسه "فريقاً ثالثاً"، أي من الفريق الذي يُمكن التعويل عليه للخروج من الاصطفافات الحالية في يوم من الأيام، انزلق إلى هذه الحرب، داعماً طرفاً محدّداً. وكأن هذا "الفريق الثالث" لا يريد بدوره الخروج من عالم أمراء الحرب، ولا من عباءة الاصطفافات. وهذا النوع من الأفرقاء مزعج أكثر من غيره، لأن الأطراف المعروفة واضحة في انتمائها السياسي ـ المذهبي، لا بل "مستعدّة للموت من أجله". أما "الطرف الثالث" فيبدو وكأنه يطمس انتماءه الحقيقي، عوضاً عن صياغة الانتماء المنفصل عن ثلاثية رجال الأعمال وأمراء الحرب ورجال الدين.
كيف ستنتهي الأمور في لبنان؟ ستنتهي بتسويةٍ سياسية بين عون وبري، سيُشرف عليها حزب الله، سواء عبر أمينه العام حسن نصرالله أو عبر رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، بعد أن تكون الحرب السياسية والإلكترونية والمذهبية فعلت فعلها قبل أي استحقاق انتخابي. وبالنسبة للمتحاربين بين عون وبري، لن يُصدقوا يوماً أنهم "مجرد بيادق" بين الرجلين، كما أن "الفريق الثالث" مجرّد كذبة اجتماعية حتى الآن.
في الأسبوعين الأخيرين مثلاً، اندلع سجال بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. سجال متصل بالشكل بتوقيع عون ورئيس الحكومة سعد الحريري على مرسوم الأقدمية لـ"دورة 1994" في الجيش اللبناني. في الشكل، يريد بري توقيع وزير المال إلى جانب توقيعي عون والحريري، كتكريس للتواقيع الثلاثية الطوائفية لأي مرسوم يصدر في الجمهورية اللبنانية: المسيحيّة (عون)، السنّية (الحريري)، الشيعيّة (وزير المال علي حسن خليل المحسوب على بري). علّل بري بالمبدأ، ذلك بوجود ما سماه "عبئاً مالياً في المرسوم"، أي أنه بحكم تطرّق المرسوم إلى الأقدمية، وبالتالي الترقيات العسكرية بما تقتضي من زيادةٍ في رواتب العسكريين بصورة استثنائية، فإنها تستلزم توقيع وزير المال، غير أن عون استند فعلياً إلى حق دستوري، لا يحتاج معه إلى توقيع وزير المال.
حتى الآن، يُمكن قياس الأمر إلى أبعد من الاشتباك العسكري بين الرجلين أيام حرب لبنان، حين كان عون قائداً للجيش اللبناني وبرّي قائداً لحركة أمل، بل يُمكن قياسه إلى مفاعيل أحداث 7 مايو/ أيار 2008، حين سيطر حزب الله وأمل وحلفاؤهما على الجزء الغربي من بيروت، بما اعتبره النائب وليد جنبلاط حينذاك أن "الطرف الشيعي بات ركناً في كل معادلة في لبنان". وهو ما أجّج التأويلات بشأن احتمال إجراء تعديلاتٍ على اتفاق الطائف، أو حتى الدعوة إلى جمعيةٍ تأسيسيةٍ تضع دستوراً جديداً في سياق "المثالثة" الطائفية بين المسيحيين والسنة والشيعة.
بحكم شخصيتي عون وبري، فإنهما اعتادا اللعب على حافّة الهاوية، من دون أن ينكسرا. فعلها عون وأصبح رئيساً للجمهورية في أواخر عام 2016، وبرّي أيضاً، تربّع على كرسي رئاسة المجلس النيابي 25 عاماً وما زال. يدركان أن أي تصادم، بالشكل المُوحى به في وسائل الإعلام اللبنانية، لن يؤدي سوى إلى خسارتهما معاً. بينما فعلياً، سواء عن قصد أو من دونه، يعملان على الحشد طائفياً، وهو ما برز في أدبيات القواعد التابعة للرجلين. امتدت الحرب السياسية إلى حربٍ دينيةٍ حتى. الشتائم طاولت الأديان لدى الفريقين، ربما كل ما يحتاج إليه المتحاربان إلكترونياً هو مجرد متراسين متقابلين وبدء القصف.
الأغرب أن بعض من يعتبر نفسه "فريقاً ثالثاً"، أي من الفريق الذي يُمكن التعويل عليه للخروج من الاصطفافات الحالية في يوم من الأيام، انزلق إلى هذه الحرب، داعماً طرفاً محدّداً. وكأن هذا "الفريق الثالث" لا يريد بدوره الخروج من عالم أمراء الحرب، ولا من عباءة الاصطفافات. وهذا النوع من الأفرقاء مزعج أكثر من غيره، لأن الأطراف المعروفة واضحة في انتمائها السياسي ـ المذهبي، لا بل "مستعدّة للموت من أجله". أما "الطرف الثالث" فيبدو وكأنه يطمس انتماءه الحقيقي، عوضاً عن صياغة الانتماء المنفصل عن ثلاثية رجال الأعمال وأمراء الحرب ورجال الدين.
كيف ستنتهي الأمور في لبنان؟ ستنتهي بتسويةٍ سياسية بين عون وبري، سيُشرف عليها حزب الله، سواء عبر أمينه العام حسن نصرالله أو عبر رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله، وفيق صفا، بعد أن تكون الحرب السياسية والإلكترونية والمذهبية فعلت فعلها قبل أي استحقاق انتخابي. وبالنسبة للمتحاربين بين عون وبري، لن يُصدقوا يوماً أنهم "مجرد بيادق" بين الرجلين، كما أن "الفريق الثالث" مجرّد كذبة اجتماعية حتى الآن.