يرى محللون أن عودة النفط الإيراني إلى الأسواق في أعقاب الاتفاق النووي التاريخي بين طهران والدول الكبرى، يمكن أن تتسبب في توترات جديدة داخل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وقد تعزز كذلك استراتيجية المنظمة الإنتاجية.
وتوصلت طهران والدول الكبرى (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة) إلى الاتفاق في فيينا الثلاثاء الماضي، بهدف ضمان عدم امتلاك إيران أسلحة نووية مقابل رفع العقوبات المفروضة على طهران، مما يمهد الطريق نحو العودة التدريجية للنفط الإيراني إلى الأسواق العالمية العام المقبل.
ويفرض الاتفاق قيوداً صارمة على نشاطات إيران النووية لمدة 10 سنوات على الأقل، وفي المقابل سيتم رفع العقوبات التي أدت إلى انخفاض الصادرات النفطية الإيرانية التي تعد خامس أكبر مصدر في أوبك، كما سيتم رفع التجميد عن الأصول الإيرانية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
وبحسب وكالة "فرانس برس" فقد تصل صادرات طهران من النفط إلى 2.4 مليون برميل يومياً في 2016 مقارنة مع 1.6 مليون برميل يومياً في 2014، طبقاً لبيانات الخبير الاقتصادي تشارلز روبرتسون من بنك رينيسانس كابيتال الاستثماري.
وتدرك منظمة أوبك، والتي تضخ دولها، بما فيها إيران، نحو ثلث النفط العالمي، أن النفط الإيراني قد يزيد من التخمة العالمية في الأسواق بما سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، المنخفضة أصلاً.
وكانت أوبك قد قرّرت في آخر اجتماع لها بفيينا في يونيو/ حزيران الماضي، الإبقاء على مستوياتها من الإنتاج في استمرار للاستراتيجية التي تدعمها السعودية للحفاظ على حصة تلك الدول في السوق، والتصدي للمنافسة التي تأتي من الزيت الصخري الأميركي.
وسجلت أسعار النفط انخفاضاً الأسبوع الماضي بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني وبسبب ارتفاع قيمة الدولار، ما يزيد من المخاوف بين دول الأوبك التي ستعقد لقاءها التالي في الرابع من ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وانخفض سعر برميل البرنت في سوق لندن إلى 56 دولاراً للبرميل، فيما انخفض نفط غرب تكساس في سوق نيويورك إلى نحو 52 دولاراً للبرميل.
وقد تدعو دول أوبك الأفقر (أنغولا والجزائر وفنزويلا) التي تعتمد ميزانياتها على عائدات النفط، إلى خفض الإنتاج لدعم الأسعار، بحسب المحللين.
أما الدول الخليجية الأغنى، والتي تقودها السعودية، أكبر منتج للنفط في أوبك، فإنها ستبقى حريصة على حماية حصة المنظمة في سوق النفط وإبعاد منتجي النفط الصخري الأميركي العالي التكلفة من خلال الحفاظ على مستويات منخفضة للأسعار.
اقرأ أيضاً: خليجيون: أوبك ستواجه ورطة الإنتاج الإيراني
ونقلت الوكالة الفرنسية عن آن لويز هيتل من شركة وود ماكينزي الاستشارية، أنه: "من الواضح أن هناك انقساماً بين دول أوبك حول هذه السياسة الجديدة الهادفة إلى الحفاظ على حصة المنظمة في السوق".
وأضافت: "لذلك فإن الاجتماع المقبل للمنظمة قد يسوده التوتر، وقد يجري الضغط لعقد اجتماع طارئ حتى قبل ديسمبر/كانون الأول".
وفي مواجهة أسعار النفط المنخفضة، قال وزير الطاقة الجزائري صلاح خبري الأسبوع الماضي في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، إنه قد يكون من الضروري عقد اجتماع طارئ لأوبك.
من جهته قال رئيس مؤسسة الشال للاستشارات الاقتصادية، جاسم السعدون، إن: "المشكلة الحقيقية تبدأ عندما يبدأ أعضاء الأوبك في التقاتل على الحصص وسط فائض الإمدادات وعندما تبدأ الخلافات على حصص السوق".
وأضاف: "إذا دخلت إيران وفنزويلا والجزائر وليبيا، والتي تحتاج جميعها إلى ضخ مزيد من النفط، في خلاف مع الدول الخليجية المنتجة للنفط، فقد تكون هذه نهاية أوبك".
ويرى جينز نارفيغ المحلل في بنك دانسكيان أن هذه الدول: "تضررت بحق من انخفاض أسعار النفط.. إلا أن قوتها المجتمعة قد لا تكون كافية لجعل السعودية والدول الرئيسية الشرق أوسطية الأعضاء في الأوبك تغيّر رأيها".
وفي يونيو/حزيران الماضي، قررت أوبك الإبقاء على سقف الإنتاج الجماعي لمنظمة أوبك عند 30 مليون برميل يومياً، وهو السقف نفسه منذ ثلاثة أعوام ونصف، على الرغم من انهيار أسعار النفط في الفترة من يونيو/حزيران 2014 ويناير/كانون الثاني 2015، وهو ما أدى إلى انخفاض العائدات القيمة لتلك الدول.
ويبدو أن المنظمة ترفض دعوات عدد من الأعضاء، ومن بينهم إيران، لتحديد سعر منطقي للنفط ما بين 75 و80 دولاراً للبرميل.
وتشير التوقعات إلى أن سعر النفط سيكون عند معدل 62 دولاراً للبرميل العام المقبل، طبقاً لبنك ناتيكسيس الفرنسي.
وقالت هيتل إن المستويات المنخفضة لأسعار النفط قد تؤدي إلى تباطؤ إنتاج النفط الصخري الأميركي، ما يتيح الفرصة لعودة إمدادات النفط الإيراني بشرط ألا ينخفض الطلب العالمي على النفط.
وأضافت: "عندما تنظر إلى العوامل الأساسية (العرض والطلب) في العام المقبل مع المستويات الحالية للأسعار، فإننا نتوقع أن نرى انخفاضاً في إمدادات النفط الأميركي".
وتابعت: "لذلك قد يكون هناك مجال لبدء الإنتاج الإيراني طالما بقي نمو الطلب كما هو ومستمر".
اقرأ أيضاً:
خليجيون: أوبك ستواجه ورطة الإنتاج الإيراني
إيران تواجه أزمة "براميل عائمة"