عودة الناشط السياسي أوباما

25 سبتمبر 2018

أوباما يتحدث إلى أنصار مرشح للكونغرس في أوهايو (13/9/2018/Getty)

+ الخط -
عاد أوباما، أوباما عاد.. هكذا يتداول ناشطو الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الحديث عن عودة الرئيس السابق، باراك أوباما، إلى الساحة السياسية، ملقياً بثقله خلف الانتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني، بهدف دفع حزبه، الحزب الديمقراطي، كي يتمكن من السيطرة على مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ.
لكن عودة أوباما وخطاباته التي ألقاها في شيكاغو، ثم في كاليفورنيا، تظهر عودة لناشط سياسي أكثر من أنها لرئيس أميركي سابق، لكن، والحق يقال، تنطبق صفة الناشط السياسي هذه على أوباما أكثر من انطباق صفة الرئيس عليه، وهو يبدو أكثر ارتياحاً بكثير عندما يتحدّث كناشط منه متحدثاً بوصفه رئيساً سابقاً.
في خطابه في كاليفورنيا الذي ألهب جماهير الحزب الديمقراطي، عاد أوباما بوصفه خطيباً مفوّهاً لا يشقّ له غبار، عباراته التوصيفية منتقاة بعناية، نقده الصريح للرئيس ترامب يلهب الجماهير المتقدة، وفوق ذلك دعوته هذه الجماهير إلى أن تظهر تنظيماً وتصويتاً في نوفمبر، تظهره وكأنه يرغب العودة إلى ماضيه السياسي الأول، حين كان ناشطاً اجتماعياً (Community Organizer) في شيكاغو، وبسبب القضايا الاجتماعية هذه، وقضايا التمييز العرقي والتفاوت الطبقي، جعلته يرشّح نفسه، لكي يصبح سيناتوراً عن ولاية ألينوي، وهو ما فتح الطريق بالنسبة له للترشّح للانتخابات الرئاسية، والفوز بها دورتين متتاليتين.
عندما كان رئيساً، كان أوباما يقضي وقته في القراءة والتأمل، وكتابة خطاباته وتنميقها، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في سيرتها الذاتية عنه، كان يتردّد كثيراً في اتخاذ قراراتٍ تنفيذية، وهو ما دفعه دوماً إلى تأجيل أي قرار بشأن سورية التي انتهى بها المطاف إلى ما هي عليه اليوم، سيطرة روسية كاملة، وبلد مفكك، ومجتمع محطم، ورئيس يحلم كي يحول جمهوريته إلى مملكة وراثية مهما كانت التكلفة. اشتُهر أوباما بتردّده كثيراً، وكان محللون كثيرون يرجعونه إلى أن أوباما لم يتبوأ أي موقع تنفيذي قبل أن يصبح رئيساً، ولذلك كان الحرية دوماً في انتقاد الآخرين، وفي تجييش الجماهير، لتأييد أفكاره وخطاباته التي كان يصيغها بعناية فائقة، يساعده في ذلك تكوينه الأكاديمي وتحصيله العلمي، وملكاته وموهبته.

ولذلك يعود الرئيس الأميركي السابق اليوم خطيباً من على المنبر الذي صعد به إلى سدة الرئاسة، لكنه كان أقرب إلى ذلك الخطيب منه إلى ذلك الرئيس، ينهي خطبته في كاليفورنيا وكأنه تماماً مرشح للانتخابات النصفية المقبلة. من لا يعرف تاريخه يقول إنه مرشح لمقعد ما في الكونغرس، من دون أن ننسى أن شعره تحول إلى أبيض تماماً. يقول أوباما "إذا لم نتقدّم، ستزداد الأمور سوءاً"، و"في غضون شهرين، لدينا فرصة لاستعادة بعض الاستقامة في سياستنا". وأضاف إن الولايات المتحدة في "لحظةٍ مليئةٍ بالتحدّيات"، وتحدث تغييرات هائلة. قال "يشعر الناس بعدم الاستقرار، يشعر الناس بالخوف"، وهم قلقون بشأن مستقبل أطفالهم.
إنها الكلمات نفسها التي كان استخدمها في حملته الانتخابية الرئاسية "Yes, we Can" (نعم نستطيع)، لكن بمفرداتٍ أخرى، تبعث الأمل في المواطنين من أجل دفعهم إلى التصويت، فالأمل بالتغيير هو ما يدفع الأميركيين إلى الشعور بأن تصويتهم الفردي قد يحدث تغييراتٍ في حياتهم. ومع وصول ترامب إلى الرئاسة، شعر الديمقراطيون بالذنب والخطيئة بأن سمحوا لشخص مثل دونالد ترامب بالوصول إلى البيت الأبيض بسبب عدم التصويت لهيلاري كلينتون حينها.
تبدو المعركة الآن بين أوباما وترامب، ولذلك رد ترامب فوراً في مهرجان انتخابي بالقول إن خطاب أوباما يسبب له النعاس، ولم يستمع له، لأنه كان نائماً، كعادة ترامب في الاستخفاف بخصومه والهزء بهم. ولكن المشكلة في الحزب الديمقراطي أنه يشهد انقساماتٍ عميقةً بين التيارين، اليساري ويطلق عليه التقدمي، والليبرالي التقليدي، يبدو التقدمي أنه يستقطب مرشحين كثيرين، خصوصا في نيويورك وشيكاغو وميتشغان. وهو يعرّف نفسه بصراحة بأنه اشتراكي ديمقراطي، بعد أن كانت كلمة الاشتراكية سبّة لا يمكن استخدامها، وتجلب لصاحبها الانتحار السياسي. يعطينا هذا تصوراً عن طبيعة تغير السياسات الاجتماعية في أميركا، أما التيار الليبرالي التقليدي فهو يحاول تجاهل هذه الخلافات، والتركيز على هزيمة ترامب، من دون التركيز على طبيعة الأجندة التي يجب أن يطبّقها الحزب، في حال فوزه وسيطرته على مجلسي النواب، في حين يحمل التيار التقدمي، والذي كان رائده بيرني ساندرز يركز على رفع الحد الأدنى للأجور، تحقيق المساواة، إلغاء الرسوم على طلبة الجامعات، نظام الفرد في التأمين الصحي، ورقابة الشركات الأميركية الكبرى، وخصوصاً متعددة الجنسيات، وقد فتح ساندرز حرباً على "أمازون"، بسبب طريقة تعاملها مع موظفيها.
ليس واضحاً لمن ستكون الغلبة، لكن من الواضح أن هناك تركيزاً إعلامياً كبيراً على التيار التقدمي، وهو يحصد شعبية كبيرة، خصوصاً بين الطلبة، لكن "الاستابلشمنت" داخل الحزب الديمقراطي حذرة جداً من دعم هذا التيار، لأنها تعرف أنه لا يمكن له أن يوصل المرشح الديمقراطي إلى البيت الأبيض، ويردّون دوماً بأنه إذا كان ترامب على سوئه قد وصل إلى البيت الأبيض، فلماذا لا يستطيع ساندرز، بخطابه اليساري، الوصول إلى البيت الأبيض. ولذلك لا يبدو أن هناك خريطة واضحة لمرشحي الحزب للانتخابات الرئاسية عام 2020، فهناك مرشحون كثر، ولكن ليس هناك توافق والانقسامات داخل الحزب تتعزّز يوماً بعد يوم.
الطريف في الأمر أن أوباما رفض أن يدعم التيار التقدمي داخل الحزب، وأخذ موقفاً حذراً جداً، كي لا يحسب على تيار ضد آخر، لكن ناشطي الحزب، وخصوصاً الطلبة منهم، واضح أنهم يتجهون يساراً، وأنهم ربما سيجرّون الحزب أكثر فأكثر، كي يصبح أكثر راديكالية في طرحه السياسي والاجتماعي.
وليبقى أوباما خطيباً مفوّهاً، يعتبر من العيار الثقيل للحزب الديمقراطي، في حين يفتقد الحزب الجمهوري شخصاً يمكنه أن يوازي أوباما من حيث تاريخه الناصع في البيت الأبيض، أو قدرته الخطابية التي لا تقابلها إلا رداءة ترامب اللغوية.
BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن