عودة الأخوين ماشادو إلى إشبيلية

06 مارس 2019
(قصر لاس دوينياس في إشبيلية، حيث ولد الأخوان ماشادو)
+ الخط -

"طفولتي، ذكريات عن باحة بإشبيلية
وبستان مضيء حيثما تنضج شجيرة الليمون،
وشبابي عشرون سنة في أرض قشتالة،
طفولتي، حالات ما لست أريد تذكُّرَها".

هكذا يتذكّر أنطونيو ماشادو (1875-1939) إشبيلية في إحدى قصائده، وها هي إشبيلية أيضاً تتذكره، بل كل إسبانيا في الذكرى الثمانين لرحيله، فقد كان شاعرها الأبرز خلال حياته، ومات من من تعب المنفى وقسوة الاغتراب والبعد عن الأحباب بُعَيْدَ انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية وهزيمة الجمهوريين، ثم صعود عساكر فرانكو إلى سدّة الحكم وهو ما كان إيذاناً بفتح المعتقلات والسجون والتنكيل بمن بقي في البلاد من المثقفين الأحرار.

كثيرون اختاروا الشتات واستقبلتهم المنافي في فرنسا والمغرب والمكسيك وباقي دول أميركا اللاتينية. يقول يان جيبسون أحد أبرز المتخصصين في تلك المرحلة، في كتاب صدر مؤخراً بعنوان "طرق أنطونيو ماشادو الأخيرة": "إذا كان لوركا يمثل الذين سقطوا إعداماً بالرصاص، فأنطونيو ماشادو يمثل المنفيين". لقد بدأت الحرب الأهلية في 1936 بالتزامن تقريباً مع إعدام فيدريكو غارسيا لوركا، وانتهت في 1939 برحيل أنطونيو ماشادو يوم 22 شباط/ فبراير في منفاه بكوليور جنوب فرنسا، هناك حيث سيغيب عن عالمنا بضعة شهور بعد اجتيازه الحدود الإسبانية الفرنسية.

في مدينة إشبيلية، عاصمة منطقة الأندلس، ومسقط رأس الأخوين أنطونيو ومانويل ماشادو، يقام منذ ‎23 شباط/ فبراير الماضي، معرض بعنوان "عودة الأخوين ماشادو إلى إشبيلية"، ويضم هذا المعرض أكبر مجموعة من المخطوطات المرتبطة بأنطونيو ماشادو وأخيه مانويل.

كانت مؤسسة "أونيكاخا"، وعلى مدى خمس عشرة سنة قد هيأت هذا الميراث لعرضه، ففي عام 2003 اشترت المؤسسة من خلال المزاد العلني الدفعة الأولى المكوّنة من 770 وثيقة، قبل أن يتم اقتناء بقية الأرشيف الذي كانت تمتلكه الأسرة سنة 2018، والذي يتكوّن من مجموعة تتألف من 4570 صفحة، بالإضافة إلى الصور والوثائق المدنية، التي يقدّم منها المعرضُ للجمهور عيّنة مختارة في هذا المعرض لأول مرة.

من مجموعة المخطوطات الأولى، جرى نشر ثلاثة دفاتر تشتمل على كتابات أدبية، والعديد من المسودات غير المنشورة من "حكم وأغانٍ" و"قصائد لغيومار" وكتابات نثرية ضمنها أجزاء غير منشورة من كتاب "خوان دي مايرينا" وتدوينة مجهولة عن مقتل لوركا.

كما نُشر أيضاً جزء صغير من المراسلات يضم رسائل إلى غريغوريو مارتينيث سييرا، وخوسيه أورتيغا إي غاسيت، وأليخاندرو غيشوط، ومانويل غارسيا مورينطي، وإيرنيستو خيمينيث كاباييرو. وتضم المجموعة الثانية مجموعة من الرسائل والصور العائلية غير المنشورة، من بينها أول رسالة كتبها أنطونيو ماشادو إلى والده سنة 1892 وتعتبر أول وثيقة موجودة كتبها الشاعر.

كما نجد في المعرض العديد من الأعمال غير المنشورة للأخوين ماشادو ذات مستويات إبداعية متفاوتة مثل: "إلهة العقل" و"أماسي المونكلوا" و"ساحرات دون فرانسيسكو" و"أدريانا لوكوفرور" و"جذوات" الحوار المسرحي أو السينمائي المكتوب من قبل مانويل ماشادو.

ويؤكد أنطونيو رودريغيث ألمودوفار، أحد القيّمين على المعرض، أن جزءاً من المعرض مكرّس لعلاقة الأخوين ماشادو مع المسرح. وقد تم توزيع المعروضات بين أربعة فضاءات مختلفة ثلاثة منها في الطابق الأسفل، ويضم الفضاء الأول معروضات ووثائق ترتبط بمانويل ماشادو، أكبر الأخوين، بينما خُصّص الثاني لأنطونيو، الشاعر الأهم والمحتفى بالذكرى الثمانين لغيابه في المنفى، أما الفضاء الثالث فيضم العديد من الرسائل العائلية، أما الفضاء الرابع في الطابق الأول من البناية فقد تم إفراده لمسرح الأخوين، هذا المعرض سيستمر حتى 24 مايو/ أيار.

وقد أشار بروليو ميدل، رئيس مؤسسة "أونيكاخا"، إلى أن إشبيلية تأخذ زمام المبادرة عندما يتعلق الأمر بنشر هذا العمل الهام، كما شكر عائلة الشاعر على المساعدة التي قدمتها للمعرض مؤكداً أن المعرض يمثل "مسؤولية كبيرة"، فيما أشار إلى أن العينة تظل مفتوحة "لأنني سأخون كثيراً روح المشروع إذا لم أجعل المشروع مفتوحاً أمام الجميع".

حيال قيمة المواد التي يقدّمها المعرض، يُفترض أن يكون أهم حدث يتزامن مع الذكرى الثمانين لرحيل أنطونيو ماشادو. ويذكر أن عدداً من أبناء إخوة ماشادو قد حضروا افتتاح المعرض، بينما بعثت كارمن ماشادو، المقيمة حالياً في تشيلي برسالة تشكر فيها مبادرة عرض إرث عمّيها، مستعيدة جوانب علاقتها بهما، حيث قالت: "إن الصور التي يستعيدها ذهني حول عمي أنطونيو تبدأ من مدريد فترة السلم، وهي صور لرجل حنون كنتُ أحبه كثيراً، لكن صورة الشاعر اكتشفتها لاحقاً، بعدما مات". وتضيف في الرسالة أن المعرض "تكريم مستحق لعميَّ مانويل وأنطونيو اللذين لم ينسيا أبداً أصولهما، وبطريقة ما يعودان اليوم إلى إشبيلية".

دلالات
المساهمون