منذ سنواتٍ لم تثرْ روايةٌ أولى ما أثارته "رام الله الشقراء" لعبّاد يحيى. بل إنّ الجدل الذي أثارته لا يزال مستمراً، منذ صدور الرواية في القدس المحتلة، لتتحول إلى ظاهرة في تداولها بين الشباب الفلسطيني، إذ نفذت طبعتان منها (دار الفيل 2012/ 2013) خلال أشهر، قبل أن ينشر "المركز الثقافي العربي" طبعة ثالثة منها في بيروت.
من تابع تلك المقالات والتدوينات هنا وهناك، سوف يتوقف عند أمرين، الأول عدم وجود نقد ونقاد في فلسطين المحتلة، ذلك أنّ ما صاحب الرواية لم يتناول فنيات وتقنيات السرد، إن لم نقل إنه حمل مغالطات؛ أبرزها تلك أن معظم من كتبوا عن الرواية لم يتوقفوا عند أسئلتها أو رسائلها بقدر ما حاكموها سياسياً كعدوة لمشروع أوسلو. الأمر الآخر كان في محاولات التلفيق أو المبالغة في الدفاع عن "المدينة" والهجوم على الرواية، وكأنّ صاحبها هبط من المريخ ولم يكن يعيش في رام الله.
إذا تأملنا البعد السياسي والفكري الذي استندت إليه الكتابات التي ناقشت "رام الله الشقراء"، نجد أن النص الفلسطيني الجديد أمامه أكثر من أزمة، وأكثر من تحدٍّ، بسبب إصرار بعضهم على حبس الاتجاهات الأدبية الفلسطينية الشابة، ونصوصها الجديدة، في اتجاهٍ واحدٍ، وفي مناخ مضاد للواقع الفلسطيني وهمومه، مع أن الاتجاهات الروائية الجديدة، التي تتشكل في فلسطين، تميل إلى مقاربة هموم الواقع، سياسياً واجتماعياً. فقد مضى زمن التماهي الرومانسي مع الأمكنة.
يبدو لنا الجدل حول كون "رام الله الشقراء" رواية أو غير رواية جدلاً زائفاُ. فالعمل قدّم الأسئلة التي تقدّمها أيّ رواية. ويبقى لها أنها كانت نصاً احتجاجياً عميقاً على رام الله، بمختلف تمثيلاتها؛ التسووية والنيوليبرالية.
مناسبة هذه العودة، صدور رواية ثانية للكاتب، تبدد الكثير من النقاش السابق وتؤكد موهبة صاحبها. إذاً لم تكن رسائل رام الله إلى نفسها كما ظن بعضهم بقدر ما كانت رسالة جيل جديد في الكتابة الفلسطينية.