22 فبراير 2016
عواقب عسكرة الشرطة
فجأة، لم يعد الإستشهاد بأميركا وممارسات شرطتها العنيفة نغمة ممجوجة، تعزفها ألسنة الخبراء الأمنيين اللابدين في استديوهات الفضائيات، بعد أن ظلوا، سنوات، يبررون كل قمع تقوم به الشرطة المصرية، في مواجهة المتظاهرين، بكونه أمرا طبيعيا يحدث، حتى في أميركا ممولة العملاء من أنصار الحريات وحقوق الإنسان، مستشهدين بكل ما استطاعوا إليه سبيلا، من فيديوهات تضرب فيها الشرطة الأميركية المتظاهرين بالعصي وقنابل الغاز، أو تسحلهم مقيدين بالكلابشات.
بالطبع، لم يأت نسيان خبراء الغبرة ممارسات الشرطة الأميركية، إلا بعد أن شهدت الولايات المتحدة، في الشهور الماضية، أزمات حادة بسبب الممارسات البوليسية العنيفة، كشفت أن المجتمع الأميركي يجني، الآن، ثمار تسامحه المفرط منذ أحداث 11 سبتمبر مع عسكرة جهاز الشرطة، حيث تم إنفاق ملايين الدولارات على شراء مدرعات وأسلحة شبه حربية، وتغير شكل ضابط الشرطة، ليصبح شبيها بضابط القوات الخاصة، وتراجعت آليات المحاسبة والرقابة على أداء الضباط، لتتزايد انتهاكاتهم الحقوق المدنية، وترافقها كثيرا ممارسات عنصرية، فتحت جراحاً قديمة، كان قد تم إغلاقها من دون تطهير، رغبة في تجاوز الماضي العنصري الأليم الذي لم ينهه، أبداً، وصول رئيس أسود إلى قمة هرم السلطة.
قبل أيام، أعادت حادثة قتل مواطن أسود أعزل في ولاية جنوب كارولينا، بعد إطلاق الرصاص على ظهره، فتح ملف جرائم القتل التي ارتكبها ضباط شرطة بيض بحق مواطنين سود، وآخرها ما حدث في مدينة فيرجسون، حين قُتل شاب رفع يديه معلناً استسلامه للشرطة، فلم ينجه ذلك من رصاصات قاتلة، وما حدث، في أحد أحياء نيويورك، حين تكالب عدد من رجال الشرطة على مواطن ضخم الجثة لتقييده، من دون مبالاة بصرخاته المستغيثة "لا أستطيع التنفس"، ليموت خنقا بعد لحظات من تقييده، لتفجر الجريمتان غضبا شعبيا عارما، أخرج عشرات الآلاف إلى شوارع المدن الكبرى، في مظاهرات حاشدة قطعت الطرق، وكان يمكن أن تؤدي إلى مصادمات عنيفة، لولا تحلي المسؤولين السياسيين والأمنيين بضبط كامل للنفس، فلم يقم أحد منهم بصب زيت الغباء على نار الغضب، بدعوى تطبيق القانون وحماية الدولة من الإسقاط.
ولذلك، امتلأت نشرات الأخبار أياماً، بمشاهد لرجال الشرطة في المدن الأميركية، وهم يقفون صامتين أمام المتظاهرين الذين يرفعون أيديهم، ويصرخون "لا أستطيع أن أتنفس"، من دون أن يتحذلق الضباط، مقررين إثبات "رجولتهم المتخيلة" بقمع المتظاهرين، وحتى حين تحولت المظاهرات إلى اشتباكات عنيفة في فيرجسون، تدخل السياسيون لتقديم مبادرات جادة تمتص الغضب الشعبي، وكان من الملفت أن عددا من عتاة السياسيين المحافظين، المعروفين بمناصرتهم عسكرة الشرطة، من أجل مكافحة الإرهاب، أدلوا بتصريحات ناقدة أداء ضباط الشرطة الذي أصبح يتطلب أداءً عاجلاً لضبطه، قبل أن تتطور الأمور بشكل أخطر.
أجبر الغضب الشعبي المتزايد قنوات التلفزيون الكبرى على التوقف عن تبني خطاب "المواطنين الشرفاء"، والمطالبة بالصمت، لتغليب المصلحة العامة، لتقوم، بالإضافة إلى تغطية الأحداث، بعرض تقارير وأفلام وثائقية، تدين انحراف أجهزة الشرطة عن واجبها، وتكشف خطورة تحول عمل الشرطة إلى بيزنس بحت، بسبب ارتباطه بإدارات السجون التي تمت خصخصتها، والتي أصبحت تطلب المزيد من الزبائن، ليتم تحت ستار الحرب على المخدرات، التوسع في إجراءات القبض العشوائي، والتي رافقتها ممارسات عنصرية، جعلت عدد اعتقالات السود تبلغ أربعة أضعاف اعتقالات البيض في قضايا المخدرات، على الرغم من أن الطرفين، طبقا للإحصائيات، يستخدمان المخدرات بالقدر نفسه، وليصبح السجن مصير كل مرتكب لمخالفة صغيرة أو هامشية، بدلاً من الغرامة، أو عقوبات الخدمة الإجتماعية، ما أدى منذ عام 1998 إلى بناء 23 سجن، وفصل 5 آلاف مدرس، مقابل تعيين 14 ألف حارس سجن.
لعدة أيام، جابت المظاهرات الحاشدة شوارع نيويورك، حتى انكسرت حدتها، حين قرر شاب أسود غاضب أن يصنع نصره الفردي، فيجيئ من ولاية ميريلاند إلى نيويورك، ويقتل ضابطي شرطة في حي بروكلين، فتوجه جريمته ضربة قوية للتظاهرات الحاشدة، ويتشجع "المواطنون الشرفاء" على الظهور بأعداد قليلة، مطالبين باحترام الشرطة، والتوقف عن التحريض ضدها، وليقرر ضباط الشرطة الرد على انحياز عمدة نيويورك لغضب المتظاهرين، فيديروا ظهورهم له، حين ذهب إلى جنازة زميليهم، ليثير تصرفهم انتقادات وسائل الإعلام التي عادت إلى التساؤل عن مدى استعداد رجال الشرطة للمحاسبة والعقاب، وهي تساؤلات عادت لتُثار بقوة، عقب جريمة ساوث كارولينا، التي جددت المطالبة بإجراءات لوقف عسكرة الشرطة، بعد أن أثبتت التجارب فشل فاعليتها في تحقيق الاستقرار الإجتماعي، بل وتحويلها مناطق عديدة إلى براكين غضب قابلة للإنفجار، وهو ما لن يدركه رعاة عسكرة الشرطة في بلادنا، إلا بعد فوات الأوان، كالعادة.
بالطبع، لم يأت نسيان خبراء الغبرة ممارسات الشرطة الأميركية، إلا بعد أن شهدت الولايات المتحدة، في الشهور الماضية، أزمات حادة بسبب الممارسات البوليسية العنيفة، كشفت أن المجتمع الأميركي يجني، الآن، ثمار تسامحه المفرط منذ أحداث 11 سبتمبر مع عسكرة جهاز الشرطة، حيث تم إنفاق ملايين الدولارات على شراء مدرعات وأسلحة شبه حربية، وتغير شكل ضابط الشرطة، ليصبح شبيها بضابط القوات الخاصة، وتراجعت آليات المحاسبة والرقابة على أداء الضباط، لتتزايد انتهاكاتهم الحقوق المدنية، وترافقها كثيرا ممارسات عنصرية، فتحت جراحاً قديمة، كان قد تم إغلاقها من دون تطهير، رغبة في تجاوز الماضي العنصري الأليم الذي لم ينهه، أبداً، وصول رئيس أسود إلى قمة هرم السلطة.
قبل أيام، أعادت حادثة قتل مواطن أسود أعزل في ولاية جنوب كارولينا، بعد إطلاق الرصاص على ظهره، فتح ملف جرائم القتل التي ارتكبها ضباط شرطة بيض بحق مواطنين سود، وآخرها ما حدث في مدينة فيرجسون، حين قُتل شاب رفع يديه معلناً استسلامه للشرطة، فلم ينجه ذلك من رصاصات قاتلة، وما حدث، في أحد أحياء نيويورك، حين تكالب عدد من رجال الشرطة على مواطن ضخم الجثة لتقييده، من دون مبالاة بصرخاته المستغيثة "لا أستطيع التنفس"، ليموت خنقا بعد لحظات من تقييده، لتفجر الجريمتان غضبا شعبيا عارما، أخرج عشرات الآلاف إلى شوارع المدن الكبرى، في مظاهرات حاشدة قطعت الطرق، وكان يمكن أن تؤدي إلى مصادمات عنيفة، لولا تحلي المسؤولين السياسيين والأمنيين بضبط كامل للنفس، فلم يقم أحد منهم بصب زيت الغباء على نار الغضب، بدعوى تطبيق القانون وحماية الدولة من الإسقاط.
ولذلك، امتلأت نشرات الأخبار أياماً، بمشاهد لرجال الشرطة في المدن الأميركية، وهم يقفون صامتين أمام المتظاهرين الذين يرفعون أيديهم، ويصرخون "لا أستطيع أن أتنفس"، من دون أن يتحذلق الضباط، مقررين إثبات "رجولتهم المتخيلة" بقمع المتظاهرين، وحتى حين تحولت المظاهرات إلى اشتباكات عنيفة في فيرجسون، تدخل السياسيون لتقديم مبادرات جادة تمتص الغضب الشعبي، وكان من الملفت أن عددا من عتاة السياسيين المحافظين، المعروفين بمناصرتهم عسكرة الشرطة، من أجل مكافحة الإرهاب، أدلوا بتصريحات ناقدة أداء ضباط الشرطة الذي أصبح يتطلب أداءً عاجلاً لضبطه، قبل أن تتطور الأمور بشكل أخطر.
أجبر الغضب الشعبي المتزايد قنوات التلفزيون الكبرى على التوقف عن تبني خطاب "المواطنين الشرفاء"، والمطالبة بالصمت، لتغليب المصلحة العامة، لتقوم، بالإضافة إلى تغطية الأحداث، بعرض تقارير وأفلام وثائقية، تدين انحراف أجهزة الشرطة عن واجبها، وتكشف خطورة تحول عمل الشرطة إلى بيزنس بحت، بسبب ارتباطه بإدارات السجون التي تمت خصخصتها، والتي أصبحت تطلب المزيد من الزبائن، ليتم تحت ستار الحرب على المخدرات، التوسع في إجراءات القبض العشوائي، والتي رافقتها ممارسات عنصرية، جعلت عدد اعتقالات السود تبلغ أربعة أضعاف اعتقالات البيض في قضايا المخدرات، على الرغم من أن الطرفين، طبقا للإحصائيات، يستخدمان المخدرات بالقدر نفسه، وليصبح السجن مصير كل مرتكب لمخالفة صغيرة أو هامشية، بدلاً من الغرامة، أو عقوبات الخدمة الإجتماعية، ما أدى منذ عام 1998 إلى بناء 23 سجن، وفصل 5 آلاف مدرس، مقابل تعيين 14 ألف حارس سجن.
لعدة أيام، جابت المظاهرات الحاشدة شوارع نيويورك، حتى انكسرت حدتها، حين قرر شاب أسود غاضب أن يصنع نصره الفردي، فيجيئ من ولاية ميريلاند إلى نيويورك، ويقتل ضابطي شرطة في حي بروكلين، فتوجه جريمته ضربة قوية للتظاهرات الحاشدة، ويتشجع "المواطنون الشرفاء" على الظهور بأعداد قليلة، مطالبين باحترام الشرطة، والتوقف عن التحريض ضدها، وليقرر ضباط الشرطة الرد على انحياز عمدة نيويورك لغضب المتظاهرين، فيديروا ظهورهم له، حين ذهب إلى جنازة زميليهم، ليثير تصرفهم انتقادات وسائل الإعلام التي عادت إلى التساؤل عن مدى استعداد رجال الشرطة للمحاسبة والعقاب، وهي تساؤلات عادت لتُثار بقوة، عقب جريمة ساوث كارولينا، التي جددت المطالبة بإجراءات لوقف عسكرة الشرطة، بعد أن أثبتت التجارب فشل فاعليتها في تحقيق الاستقرار الإجتماعي، بل وتحويلها مناطق عديدة إلى براكين غضب قابلة للإنفجار، وهو ما لن يدركه رعاة عسكرة الشرطة في بلادنا، إلا بعد فوات الأوان، كالعادة.