عوائق دولة أكراد العراق وإمكانياتها

24 يونيو 2014
يعتبر الأكراد كركوك "قدس كردستان" (دان كتوود/Getty)
+ الخط -
تثير سيطرة أكراد العراق على مدينة كركوك الغنية بالنفط، في شمال بلاد الرافدين، التي تزامنت مع أنباء عن وصول شحنة من نفط كردستان إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي عن طريق تركيا، يوم الجمعة، التكهنات حول قرب تحقيق الأكراد حلمهم في الاستقلال عن العراق، وخصوصاً أنهم بسطوا نفوذهم على جميع المناطق المتنازع عليها مع بغداد، منذ الأحداث الأخيرة.

ويرى مراقبون أن الأكراد، الذين يتمتعون بالحكم الذاتي منذ حرب الخليج الأولى في العام 1991، استغلوا الفراغ الذي تركه الجيش العراقي، وتمدُّد الجماعات المسلحة السريع في شمال ووسط وغرب العراق، ليقيموا دولتهم المنشودة وعاصمتها كركوك، التي يطلقون عليها تسمية "قدس كردستان".

استحقاق تاريخي

وعلى الرغم من أن المسؤولين الأكراد يصرحون بأن المالكي قد طلب منهم رسمياً السيطرة على مدينة كركوك، ومن ضمنها قواعد للجيش العراقي، تحوي مخازن أسلحة وذخيرة، غير أن سيطرتهم على مناطق أخرى تشير إلى أنهم يسعون إلى ضم هذه المناطق لكردستان.

وتعتبر المناطق المتنازع عليها، خصوصاً كركوك، إحدى أهم القضايا الشائكة بين بغداد وأربيل، وكانت سبباً لبعض المواجهات العسكرية بين الجيش العراقي والبشمركة (الجيش الكردي).

ولا يحتاج الأكراد لإعطاء أي تفسيرات لتساؤلات الأطراف الأخرى، من العرب والتركمان عن سهولة سيطرتهم على هذه المناطق، طالما كانوا واضحين بأنهم لن يتنازلوا عن كركوك أو أي مناطق أخرى يعتبرونها "حقاً تاريخياً". وفي تصريح لوكالة "رويترز"، الخميس الماضي، قال وزير البشمركة، جعفر مصطفى، إن "الأكراد يعزّزون خطوطهم الدفاعية لأن الأماكن التي يسيطرون عليها حالياً هي مناطق تخص الشعب الكردي، وهي مناطق كردية". ولم يجد البعض تفسيراً لرفع الأعلام الكردية بدلاً من العراقية، غير أنه تأكيد على أنهم متمسكون بمكسبهم الجديد.

وجاء استدعاء رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، يوم الأربعاء، قدامى المقاتلين المتقاعدين للتطوع مرة أخرى في قوات البشمركة، ليؤكد حرص الأكراد على الاحتفاظ بهذه المكتسبات، وعلى عدم التنازل عنها، وأنهم مستعدون لمواجهات عسكرية، إذا تطلب الأمر ذلك.

ويقول رئيس أركان القوات العسكرية في إقليم كردستان، فؤاد حسين، في تصريح نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الخميس الماضي، إن "الذي يحصل يعني لنا مرحلة جديدة". وبحسب الصحيفة، جميع الأكراد الذين التقى بهم مراسلها، قالوا إنهم لن يتخلوا عن المناطق التي استولوا عليها، وأنهم "مستعدون لمجابهة القوات العراقية، إذا سعت الأخيرة إلى استرجاعها بالقوة".

وتوعّد محافظ كركوك والمقرب من الرئيس جلال الطالباني، نجم الدين كريم، بأن "كركوك ستبقى في وضعها الجديد، ولا ترجع إلى حالتها المنقسمة السابقة".

من جهته، وصف محلل سياسي كردي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، المكاسب التي حققها الأكراد بأنها "هدية من السماء نزلت على القيادات الكردية". ولم يعلن الساسة الأكراد عن أي نية للانفصال، ولكنهم يردّدون أن الاستقلال هو حق دستوري، رغم أنهم حذرون من ردود الأفعال.

وتعني سيطرة الأكراد على كركوك أنّهم لن يحتاجوا إلى المطالبة بنسبة 25 في المئة من إيرادات النفط العراقي، ولا نسبة الـ17 في المئة من الموازنة الاتحادية، التي توقفت الحكومة العراقية عن صرفها في الأشهر القليلة الماضية، وبالتالي فقد ضَمِن الأكراد تحقيق استقلالهم المالي عن بغداد. كما تزامنت التطورات الأخيرة مع تمكن الأكراد من بناء إقليم يتمتع باستقرار أمني نسبي، مقارنة ببقية مناطق العراق، وبنية تحتية قوية ومؤسسات حكومية مستقلة عن بغداد، بناها الإقليم على مدى عقد من الزمن.

ترحيب تركي؟

وفي ظل تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة في العراق، من غير المحتمل أن تنجح أي ضغوط أميركية على الأكراد للتخلي عن فكرة الانفصال، في حال قرروا ذلك. ولم يضغط الأميركيون، طوال فترة تواجدهم في العراق، على بغداد لتلبية مطالب الأكراد المتمثلة في إجراء استفتاء بشأن انضمام كركوك إلى الإقليم، كما نصّ عليه الدستور العراقي الجديد.

وعلى الرغم من أن هناك أطرافاً في تركيا تخشى من إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق، فإنّ هناك بعض الأسباب التي قد تدفع بتركيا إلى الموافقة على الانفصال، أبرزها:

1- في ظل سيطرة الجماعات المسلحة المتشددة، مثل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) على مناطق في شمال العراق، تخشى تركيا أن تتقدّم هذه الجماعات نحو مناطق قريبة من حدودها، لذلك تعتبر أن وجود دولة كردية على حدودها الجنوبية، هو خيار أفضل من أن تجاورها جماعات متشدّدة، قد تنفذ عمليات إرهابية داخل حدودها.

2- إذا وافقت أنقرة على استقلال الأكراد، ستطلب منهم في المقابل أن يستمروا في منع الفصائل الكردية التركية المحسوبة على "العمال الكردستاني"، شنّ هجمات داخل أراضيها.

3- تربط أنقرة بأربيل علاقات اقتصادية قوية تعود بالفائدة على كليهما، إذ تمرّ عبر تركيا صادرات النفط الكردستاني، ووقعت 1200 شركة تركية عقوداً مع الإقليم، تقدّر بنحو 8 مليارات دولار.

4- ومع انفصال كردستان عن بغداد، تستطيع الدولة الكردية المستقلة ضمان دعم تركي واسع لصدّ هجمات الجماعات المتشددة، والتي تعقد معها هدنة غير معلنة في الوقت الحاضر، لأنها منشغلة بقتال الجيش العراقي والميليشيات الشيعية، ولكن الأكراد يدركون أنها، عاجلاً أم آجلاً، ستدخل مع الأكراد في مواجهات مريرة، كما حصل مع الأكراد في سورية.

عقبات وتبعات

يخشى الكثير من العراقيين، من العرب والتركمان، الذين يعيشون في كركوك، من أن يطردهم الأكراد من المدينة بعد سيطرتهم عليها، وخصوصاً أن الأكراد يعتبرون أن هؤلاء قد "اغتصبوا أراضيهم" بتشجيع من نظام صدام حسين. ويتوقع أن تثير سيطرة الأكراد على هذه المناطق حفيظة بغداد، وقد تقود إلى اشتباكات مسلحة بين الجيش العراقي والبشمركة، في حال استعادت الدولة العراقية بعض قوتها.

في المقابل، يرى البعض أنّه ليس من مصلحة الأكراد الانفصال، في ظل تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين من مناطق الاشتباكات المسلحة إلى الإقليم. كما يتوقع أن تتعرض الدولة الكردية المستقلة إلى هجمات المسلحين المتشددين الذين يسيطرون على مقربة من مناطقه الحدودية.

ويشكل الانقسام الحاصل بين الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة رئيس الأقليم مسعود البرزاني، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، جلال الطالباني، أهم العقبات أمام استقلال الإقليم الكردي. ويرى البعض أن لكلٍّ من هذين الحزبين، "بشمركة" خاصة به، تسيطر على مناطق معينة (السليمانية من حصة جماعة الطالباني، أما أربيل ودهوك فهما من حصة جماعة البرزاني)، وأن منافستهما التي تصل حدّ العداء أحياناً، وعدم اتحادهما في قوة مشتركة، تجعل عملية استقلال الإقليم صعبة.

وعلى المستوى الاقتصادي، يرى خبراء أن بقاء الإقليم داخل عراق موحد، أفضل له من دولة مستقلة، حتى وإن ضمّت هذه الدولة مدينة كركوك الغنية بالنفط. ويقول الخبير النفطي، بيير شماس، لـ"العربي الجديد" إن "الأكراد لن يستطيعوا استخراج النفط وتسويقه بكامل طاقاته إلا بحلول عام 2017". ويرى البعض الآخر، أن نسبة الـ17 في المئة من الموازنة الاتحادية المخصصة لهم حالياً، والتي يطالب الاقليم برفعها إلى 25 في المئة، هي أعلى من النسبة التي يحصلون عليها من إيراداته النفطية في حال استقلالهم.

في المقابل، هناك وجهة نظر تفيد بأن الاستثمار التركي الهائل في الإقليم، هو استراتيجة تركية للسيطرة عليه ومنعه من تنفيذ طموحه في تشكيل دولة مستقلة، بينما تُبدي إيران، التي يطالب فيها الأكراد بالاستقلال، معارضة شديدة لتشكيل دولة كردية مستقلة في شمال العراق، لأن ذلك يشكل تهديداً لوحدتها. كما أن إيران تطمح أن يبقى الأكراد داخل العراق.

ولكل من تركيا وإيران نفوذ على الأحزاب الكردية الرئيسية في الإقليم؛ فطهران تؤثّر على حزبَي "الاتحاد الوطني" بزعامة الطالباني وحزب "كوران" (التغيير) بزعامة نوشروان مصطفى، بينما تتمتع أنقرة بنفوذ على "الديمقراطي" بزعامة مسعود البرزاني، وهذا يعني أن قرار الاستقلال لا ينفذ إلا بموافقة هاتين الدولتين.

ويبقى الأكراد أكبر المستفيدين من التطورات الحالية في العراق؛ ففي حال لم ينالوا مرادهم بالاستقلال، وتمكنت الدولة العراقية من هزيمة المسلحين، يتوقع من الأخيرة تقديم تنازلات كبيرة إليهم، لكي تحظى بدعمهم وتمنعهم من الاستقلال.

دلالات