عن نقطة التحول وصبر التاريخ وأوهام المجتمع ومختارات أخرى

21 اغسطس 2019
+ الخط -
ـ "..عندئذ يقال "هذه نقطة تحول". في فضاء شاسع من نقاط أخرى أكثر أو أقل استدارة. تدور في أفلاك ذاكرة لا تحفظ إلا القليل. كجزئيات مجرّات فنت حين تحللت نقاط تحول كثيرة. في مراحل كثيرة من العمر القصير. يتثاءب الكون فتخرج من فمه أزمنة ووجوه وبعض روائح وصور منسية تتخذ لنفسها مسارات متعرجة في اللا نهاية. عندئذ أيضاً يقال: "كل شيء يحدث بتدبير". تصاريف حياة غريبة لا يهتدي فيها سوى فاقد البصر. نقطة تحول عند حافة الموت تفقد بعدها قدرتك على الاهتداء إلى الطريق بمجرد النظر. فتغمض عينيك، وتبسط ذراعيك، وتدور في فلكك المرسوم لعلّك تهتدي.. فإن اهتديت قيل "نقطة تحول".

من رواية (دنيا زاد) لـ مي التلمساني

ـ "التاريخ قد يصبر على قوم في هزائمهم، وقد يمد يده لمن يختلف عن الركب، أما الذي لا يتسامح التاريخ فيه أبدا، فهو أن يدير القوم ظهورهم له ويمضوا متباعدين عنه، وذلك تحديدا هو ما يفعله العرب".

من كتاب (خروج العرب من التاريخ) للدكتور فوزي منصور الصادر في أوائل التسعينات

ـ "التاريخ إصطفاء طبيعي، نسخ متغيرة عن الكفاح في الماضي من أجل السيطرة والسيادة، جنس جديد من الحقيقة ينشأ، أما الحقائق القديمة البالية فتلقى أرضا، أعقاب سجائر منتهية، وحدها الأشكال المتغيرة للقوة تبقى، أما الضعفاء النكرات المهزومون فلا يتركون سوى علائم قليلة: نماذج ميدانية، رؤوس فئوس، حكايات شعبية، أباريق مهشمة، أضرحة دفن، ذكرى باهتة لجمالهم أيام الصبا، التاريخ لا يحب إلا من يسيطر عليه، إنها علاقة إسترقاق متبادل."

من رواية العار لسلمان رشدي ترجمة عبد الكريم ناصيف

ـ "ما أطول كفاحنا.. سننتهي ذات يوم ياصاحبي، ولكننا لن نعيش لنرى النهاية يارفيقي، سنموت ونحن نقاتل، ونحن مازلنا نستمتع بالقتال.. سنسقط ونحن نقاتل، شبانا وشجعانا ياصاحبي، انكح البوليس وليحيا شعب باهيا"


من رواية (زوربا البرازيلي أو خيمة المعجزات) لجورجي أمادو ترجمة ممدوح عدوان

ـ "الكُتّاب يولدون ثم يكتشفون ثم يحكم عليهم بأحكام مختلفة، يشعرون بأن الناس متيمون بهم أو أنهم يريدون مجرد فرض سيطرتهم عليهم يشعرون أن الناس يتجاهلونهم أو لا يفهمونهم أو يفترون عليهم، يشعرون بسعادة عارمة أو أذى فادح، إن أغرموا بأنفسهم أو انتحروا يظن الناس أن هذا جزء من نداء مهنتهم... منذ أن يولد الكتاب محتوم عليهم أن يقاسوا مشاق الولادة من جديد، أن يكتشفوا مرة أخرى، ومن ثم يحاكمون مرة بعد أخرى"

ليزد مايكلز من كتاب (الثناء على ما يبقى)

ـ "..فلتتركونا وحدنا بلا كتب ولسوف نتخبط على الفور في ظلمات الحيرة والإرتباك، ولن ندري عندئذ إلام ننضم وبماذا نتشبث وماذا نحب وماذا نكره وماذا نحترم وماذا نحتقر، إنه ليضايقنا أن نكون رجالا من لحم ودم متميزين حقيقيين، إننا نشعر بالخجل من هذا، نظن أن ذلك خزي وعار ونحاول أن نتدبر وسيلة نصل بها لأن يكون جميعنا رجلا واحدا موحدا فنجد ذلك مستحيلا، فقد ولدنا ومازلنا نولد لآباء ليسوا على قيد الحياة، ولعل هذا يرضينا على خير وجه فإن إستساغتنا لهذا تنمو تدريجيا. وسنتدبر بعد قليل وسيلة نولد بها على نحو ما لخاطر أو فكرة."

من رواية مذكرات من العالم السفلي لفيودور دويستويفسكي ترجمة زغلول فهمي

ـ "أعتقد أنني أصبحت أرى الأشياء من وراء المرح والحزن، بعيداً عن التفاؤل والتشاؤم، ما يهمني هو الحركة، هذا النوسان والتأرجح، هذا التردد، لم تعد لدي أحلام كبرى، مشكلتنا نحن أبناء الانكسار والهزائم أننا نبحث عن قادة مخلصين وآباء حقيقيين، ولكننا نكتشف حين تكشط الأيام جلدهم، أنهم أوغد القادة وأكذب الأنبياء".

شكري مبخوت من مجموعته القصصية (السيدة الرئيسة)

ـ "يحدث أن لاأكون راضيا عن بعض التفاصيل في أفلامي وهي يمكن أن تكون تفاصيل كثيرة، غير أن مايمنحني الثقة لبعض الوقت هو حقيقة أنني شعرت دائما بأنني لم أكن خائب الظن على صعيد النوايا والأفكار المسبقة وفي نقطة الانطلاق، أشعر دائما بعاطفة عدم الرضا، وأحب من ناحية أخرى أن تكون الأمور أكثر جودة لكوني مهملا، انني أعتذر وحيدا عندما تسير الأمور على مالايرام، غير أنه لم يتكون لدي أبدا انطباع العجز والفشل مائة بالمائة، لم أحقق أي فيلم قلت بعده لقد أخطأت اذا حققته، ولو لم يلق النجاح، وهذا مايزيد من ثقتي بنفسي في اختيار أفلام المستقبل"

فرانسوا تروفو

ـ "قال بِشر بن المعتمر: خذ من نفسك ساعة نشاطك وفراغ بالك وإجابتها إياك، فإن قليل تلك الساعة أكرم جوهراً، واشرف حسباً، وأحسن في الأسماع، وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش الخطاء، وأجلبُ لكل عين وغُرةٍ، من لفظ شريف ومعنى بديع. واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول، بالكد والمطاولة والمجاهدة، وبالتكلف والمعاودة ... وإياك والتوعّر فإن التوعّر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك، ويشين ألفاظك."

الجاحظ من كتابه العظيم (البيان والتبيين)

ـ "إن الشر الحقيقي والوحيد هو الأعراف والأوهام الاجتماعية التي تتداخل مع الحقائق الطبيعية، كل شيء، من الأسرة إلى المال، ومن الدين إلى الدولة. إن الإنسان يولد رجلاً أو امرأة، أي إنه يولد ليصير عندما يكبر، رجلاً أو امرأة، إن المرء لا يولد بحكم العدالة الطبيعية الجيدة، لا ليصير زوجاً ولا ليكون غنياً أو فقيراً، كما لا يولد ليصير كاثوليكياً أو بروتستانتياً أو برتغالياً أو إنجليزياً، لكن لماذا هي سيئة هذه الأوهام الاجتماعية؟ لأنها أوهام، لأنها ليست طبيعية. إن المال سيئ سوء الدولة، وتكوين الأسرة سيئ مثل الديانة، لو وُجِدت أوهام أخرى غير هاته لكانت سيئة مثلها، لأنها ستكون أوهاماً بدورها، لأنها ستتداخل مع الحقائق الطبيعية وستشوش عليها أيضاً، لكن أي نظام غير النظام الفوضوي المحض، يريد هدم كل الأوهام وكل واحدة تماماً، هو وهم أيضاً. أن نوظف كل رغبتنا، كل مجهوداتنا، كل ذكائنا لنفرض، أو لنساهم في فرض وهم اجتماعي عوض وهم آخر، أمرٌ عبث، إن لم يكن جريمة، لأن ذلك يعني خلق بلبلة اجتماعية هدفها الصريح هو أن نترك كل شيئ كما كان. إذا كنا نرى أن الأوهام الاجتماعية غير عادلة، لأنها تسحق وتقهر ما هو طبيعي عند الإنسان، لماذا سنوظف مجهودنا لنعوضها بأوهام أخرى، إذا كان بإمكاننا أن نوظف المجهود ذاته لنحطمها كاملة".

من كتاب (الباب) لـ فرديناندو بيسوا ترجمة سعيد بنعبد الواحد

ـ "كالزنجي النائم ورمحه بيده.. أمكث في هذه الأدغال الحجرية.. بانتظار شيئ ما .. فهل أجد في غابات روحك العذراء غصنا متواضعا.. لطائر جريح إسمه.. قلبي؟.. سأكسوك بالقبل كالأضرحة.. كالشجرة في الربيع.. وبين كل قبلة وقبلة.. سأنظر شاكرا وممتنا إلى السماء.. كعصفور ظمآن يشرب من آنية.. سأدفن وجهي بين نهديك الحنونين.. وأصرخ كبدوي ينادي قبيلته.. أيتها الحمامة التي تزورني.. وجناحاها معقودان كشريطة المدرسة.. كفاك تحديقا في راحتي.. بحثا عن خطوط العمر والحظ والمستقبل.. لقد امّحت كلها من حمل الحقائب.. وشد القلوع في .. الأحلام.. وعبثا تتقصّين أسرار حزني.. من إضبارتي المدرسية.. أو رفاقي في المقهى.. فحزني لا حسب له ولا نسب.. كالأرصفة.. كجنين ولد في مبغى"

محمد الماغوط من ديوانه (الفرح ليس مهنتي)
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.