بعد تأجيلٍ اضطراري، جرّاء انتخابات نيابية فرعية طارئة في منطقة طرابلس (عاصمة الشمال اللبناني)، تُقام الدورة الـ6 لـ"مهرجان طرابلس للأفلام" بين 13 و19 يونيو/ حزيران 2019. التأجيل غير مُضرّ كثيرًا، وإنْ يبقَ غير مُستحَبّ، طالما أنّه لن يتحول إلى "عادة" سنوية. المحافظة على موعد سنوي ثابت أساسية في سيرة مهرجان. لكن لبنان متقلّب، وأحواله غير مستتبّة، واضطراباته المتنوّعة مؤذية. التغلّب على ارتباكاته منبثقٌ من جهدٍ يومي لأفرادٍ، يعتمدون الثقافة والفنون نهجًا حياتيًا. المواقع التي يتّخذها هؤلاء، عبر نشاطاتٍ عديدة يقومون بها، محتاجة إلى تحصينٍ، يحاولون تأكيده رغم شدّة المآزق وحدّة العيش في بلدٍ مُشرّع لتمزّقات جمّة. النشاطات نفسها تتطلّب تمويلاً يحصل عليه منظّموها من جهات، لبنانية وعربية وأجنبية، تريد، هي أيضًا، أن تكون الثقافة والفنون فعلاً حياتيًا لمواجهة مصائب العيش في مناطق نزاعات يصعب أن تهدأ.
تأجيل "مهرجان طرابلس للأفلام" عقبة يتغلّب عليها الياس خلاط، مؤسّسه ومديره. متعاونون معه مُصرّون على الاستمرار والتحدّي. جهات مختلفة تساهم، بشكلٍ أو بآخر، في دعمٍ مالي متنوّع الأشكال، فطرابلس تعاني الأمرّين، حياتيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وكثيرون يجعلونها "بريدًا أمنيًا" بين زعماء يتناحرون من أجل سلطة. اعتداء إرهابيّ على قوى الشرطة والجيش في المدينة، في أول أيام عيد الفطر (4 يونيو/ حزيران 2019)، هزّة كبيرة في مدينةٍ، يُراد لها مزيدٌ من الفقر والتهميش والتمزّق (4 قتلى من القوى نفسها). لكن إصرارَ كثيرين في المدينة على تخطّي العقبات، رغم دماء وتمزّقات، فعلٌ حياتي، يُساهم المهرجان السينمائي في تفعيله وبلورة خطابه.
رغم هذا، لن يُحمَّل المهرجان ما لا طاقة له عليه. لا ادّعاء ولا تصنّع، بل رغبة في تحريض المدينة على استعادة بعض ماضيها السينمائيّ. أو ربما رغبة في أن تكون السينما نواة عيشٍ، لا مجرّد تسلية.
الخطوات التي يخطوها الياس خلاط ومهرجانه، سنويًا، تؤكّد حرصًا على جعل السينما أساسية في مدينة معروفة بحضور سينمائيّ فيها، قديم ومتنوّع الأشكال. في مدينة لها سينمائيون وناشطون سينمائيون ومشاهدون سينمائيون، لا شكّ في أنهم توّاقون إلى إعادة فتح صالاتها المغلقة، أو بعضها على الأقلّ، تلك التي يأكلها الغبار والعفن، بعد إشاعتها نورًا وبهاءً وجمالًا من داخل عتمتها البديعة، سنين مديدة، قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990).
6 دورات. بداية نضج ووعي أكبر. خطوات متواضعة لكنها ثابتة. تحدّي الظروف فعل إيمان بالحياة والسينما. هكذا يُختَصر "مهرجان طرابلس للأفلام". ماضيه يعكس أحلامًا يتحقّق بعضها القليل، وهذا كافٍ مبدئيًا. راهنه مرتبط بمدى تمكّن الإصرار والعناد السينمائيِّيَن على مواجهة خراب وعزلة وتضييق وتهميش. غده ينبثق من هذا كلّه. مشاكله يُمكن حلّها أو تجاوزها. غياب صالات سينمائية آفة، لكن مراكز ثقافية تُعوِّض، ولو مؤقتًا، غيابًا كهذا.
رغم هذا، يكمن الأهمّ في حضور المهرجان نفسه، في تلك المدينة تحديدًا.