عن مصر التي نشتاق إليها.

04 ديسمبر 2014
+ الخط -

على الرغم من أيامها المعدودة، قياساً بثورتي سورية وليبيا وانتفاضة اليمن، نجحت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في مصر في ترك حالة خاصة وفريدة في الذاكرة، يستذكرها المراقب العربي بعذوبة كثيرة، مع ما رافقها من دماء غالية، سالت على أرصفة أم الدنيا، لتنبت من قلب الميادين الثائرة ثورة، ليست ككل الثورات، ثورة خطفت أنفاسنا، وسرقت دقات قلوبنا، وعلّمتنا الصبر والتغلّب على الخيبات، حتى تحين ساعة الانتصار.

حتى يوم صرعها الانقلاب العسكري، بقيت فينا كما هي، محطة لا بدّ من التعريج عليها عند إسقاط مجرياتها على الواقع المصري المظلم، أو عند المقارنة ما بين سلوكيات ناسها وسلوكيات من سارع إلى عبادة الجزمة العسكرية، بلا مبرر في 30 يونيو/حزيران 2013، أو حتى عند مشاهدة مسرحيات محاكمة زمرة العهد البائد التي جاءت آخر حلقاتها بمثابة المسمار الأخير في نعش ثورة ممنوعة من الموت، بمجرد حضور صورها ومشاهدها بيننا، ومعنا كلما لاح ظلم جديد في مصر السجينة!

يعز على الألسن، أحياناً، تحوير الأوصاف تجاه القاهرة من عاصمة للإشراقة العربية إلى عاصمة للجنون السياسي، وللهستيريا التي أفقدت المواقف عقلانيتها، فأضحت رهن الطلب لكل مكيدة هادفة لقهر الناس الذين ما كادوا ينتهون من تنفس صعداء الحرية، ورحيل أيام الظلم حتى سحقتهم موجة ظلامية أكبر، تكاد تنسينا، لحظة، بأن ثمة ربيع عربي اندلع يوماً وأن ثمة ثورات وانتفاضات، قامت لتنهي الظلام العربي الطويل!

لا، لم يتخذ قرار إعدام الربيع العربي في القاهرة التي لو قدّر لها أن تنطق، لرددت شعارات تلك المرحلة المشرقة والحيّة في حناجر الملايين، على الرغم من "وصفة" العسكر التي فشلت في إرساء شعارات تلائم مشروعها، فما كان منها إلا أن قلبت جوهر الشعارات السابقة من مكانها الصحيح، وإلى المكان المستعار والمزوّر، فلو كان في وسع القاهرة أن تعود، وتنادي أبناءها الثائرين للقائها مجدداً في الميادين، لما قالت إلا "ارحل" الأصلية، لقائد الانقلاب، كما قالتها سابقاً لقائد عهد الظلم والظلامية، ولما أرادت ميدان التحرير إلا بهدير ناسه الذي استدعى وحيداً عدسات العالم لنقل وقائع الموج المليوني المتدفق توقاً للحرية، بعيداً عن كاميرات قطاع الإنتاج والتجهيزات الإخراجية الكاذبة التي صنعت ثورة صورية في يونيو/حزيران 2013.

اختلف المشهد كثيراً، لكن مصر هي مصر فينا، وكذلك ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 هي هي لم تتغير، يريدون لألبوم صور الثورة أن يكون بيان الانقلاب المحاط بعمامات مستأجرة، ورجال دين من كل الألوان، ونريده ذلك البيان الذي لم يتعدّ الدقيقة الواحدة، البيان المجبول بصيحات ميدان التحرير الأصلية، لحظة "قرر محمد حسني مبارك تخليه عن منصبه". يريدون للثورة أن تكون صورة هوليوودية من فوق لميدان ممتلئ، ونريدها ذاكرة حبلى بشعارات وتغريدات لن تُنسى يوماً.

قد يكون حديثنا بكاء على أطلال، لكن هذه هي مصر التي نحب ونشتاق!

avata
avata
عمر الفاروق النخال (لبنان)
عمر الفاروق النخال (لبنان)