10 ابريل 2019
عن مصادقة السودان على "سيداو"
لا تتطلب العدالة الاجتماعية للمرأة اليوم تضحياتٍ كما في السابق، فعلى الرغم من أنّ عنقها لن تمر عبر مقصلة الحرية، إلّا أنّ النفي الاجتماعي الذي يهدّد هامش حريتها الشخصية، ويضيّق عليها الخناق، ويزعزع استقرارها المعنوي والمادي، هو أكبر مقصلة، فهي تُحَارب من كثيرين لا همّ لهم غير تشويه مفهوم حرية المرأة، أو التخويف منها، بتصويرها خطراً، لأنّهم من المجتمع نفسه الذي يرمي المرأة التي تتمتع بهامشٍ من الحرية بصفاتٍ تستوجب التجريم.
أسّست هذه الخلفية لاحتدام الجدل بين الساحات القانونية والمؤسسات الفقهية السودانية، إثر دفع وزارة العدل مقترحًا إلى البرلمان، أوضحت فيه عزم السودان على التوقيع والمصادقة على اتفاقية إنهاء كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، مع التحفظ على بعض البنود. وهي اتفاقية اعتمدتها في ديسمبر/ كانون الأول 1979 الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودخلت حيّز التنفيذ في 1981. ويقف خلف الضغط بالمصادقة عليها ناشطون ومنظمات مجتمع مدني وحقوقيون، وحصلت أخيرا على تأييد حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) الذي أوصت قياداته بالإسراع في التوقيع على الاتفاقية. وتبدو هيئة علماء السودان، بثباتها عند موقفها الرافض، بعيدة عن تغيّر الموقف الرسمي من الرفض إلى الموافقة بتحفّظ، إذ لا يظن النظام أنّه بحاجة إلى تبرير تغيّر مواقفه، سواء كانت في مصلحة الشعب أو العكس.
يستنكف النظام عن بسط الحريات الصغيرة، ويحدّ من حرية التعبير، وهو لن يوقّع على اتفاقية سيداو لقناعةٍ تامة، وإنما لأنّ جهات غربية نافذة في المنظمات الدولية تعرقل انضمام السودان إلى منظمة التجارة العالمية، بسبب امتناعه عن الانضمام لمعاهدات دولية حقوقية، بينها "سيداو" وميثاق المحكمة الجنائية الدولية. والنظام الحاكم هو الابن الشرعي لمجتمعٍ ينحصر فيه مفهوم النسوية في شقه السياسي، بما يفيد بأنّ التفاوت في الجنس هو أساس اللامساواة البنيوية بين النساء والرجال، وهو ما جعل النساء يعانين من الظلم الاجتماعي. جاء ذلك، ببساطةٍ أكثر، في أنّ اللامساواة بين الجنسين ليست نتيجة الضرورة البيولوجية، وإنّما أحدثتها البنية الثقافية للاختلاف في الجنس.
أدخلت تعقيدات المفهوم السياسية البعد الجنساني في تحليل دونية وضع المرأة بتأنيث السياسة أو تسييس المرأة. ونجد أنّ موقف الثقافة السودانية عموماً يناقض نفسه، ما بين تشجيع قيام المرأة بأدوار فعّالة واستنكاره، مثل الإنتاج الفكري والسياسي، أو قيامها بوسيلة ضغط للحصول على حقوقها. ونجد أنّ النقد يوجه إليها دائماً بغرض الإقصاء والتهميش.
يرى المؤيدون للاتفاقية أنّ فيها مواد تجعل السودان ضمن المنظومة العالمية المتسقة مواقفها مع القوانين الدولية، خصوصا أنّ السودان ملتزمٌ بأغلب الاتفاقيات الدولية للأمم المتحدة. كما أنّ التأنّي وعدم حسم أمر التوقيع يعطي مؤشراً إلى أنّ السودان ينتهك حقوق المرأة. ولذلك، وللأسباب السابقة، يرون أنّ التوقيع مع التحفظ أفضل من عدمه، وبالتالي يدرأ شر الوقوف في وجه المجتمع الدولي. ويرى المعارضون أنّ التوقيع على الاتفاقية جريمة بحق الأسرة وخيانة للأمة السودانية، كما عدّها المنسق العام لتيار الأمة الواحدة، محمد علي الجزولي، كارثةً، لن تزيد السودان إلّا شقاءً وفقراً. وكانت السلطات قد اعتقلت هذا الرجل مرات لترويجه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
هناك صعوبات عديدة في التوفيق بين التشريعات الوطنية وتنفيذ مبادئ اتفاقية سيداو التي تنص على أنّ التمييز ضد المرأة انتهاك لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، وعقبة أمام مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وهناك تضارب آخر في القوانين السودانية نفسها، فيما يتعلق بسن الزواج للإناث، وتحديد سن الرشد للذكور. فبينما يسمح قانون الأحوال الشخصية بزواج الطفلات في بعض أقاليم السودان النائية، يعتبره القانون الجنائي جريمة.
رفض السودان اتفاقيات مشابهة، مثل بيان مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994، ما حرم المرأة السودانية من الإيجابيات في البنود الأخرى من تلك الاتفاقيات، وهو ما جعل موقفه متأرجحاً بين الرغبة في الالتزام بمرجعيات الشرعية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ومراعاة الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمجتمع السوداني. وهناك أوضاع مماثلة للمرأة في دول عربية، على الرغم من توقيعها على الاتفاقية، ظلت تنظر بريبة إلى مثل هذه المؤتمرات، كأجندة غربية، ما شجع على تأكيد القمة العربية في تونس 2004 على أنّ الإصلاحات في وضع المرأة من الداخل.
والعمل من الداخل هو الإيمان أولاً بحقوق المرأة، وأوّلها حقوقها في المعرفة. ولأنّ المعرفة لا هُوية لها، فسيكون إيماناً بإنسانية المرأة، ومشاركتها في الرؤى الثقافية، ما يزيد الاعتقاد بأنّ تعريف المرأة، بصرف النظر عن النوع، هو أحد لحظات التحرّر الحقيقية. هذا الدور لا ينبغي تقمصّه بغرض إرضاء المجتمع الدولي، فلا بد من قناعةٍ تخرج وعي المرأة من عباءة مفهوم النسوية الضيق، والذي ازداد تشوهاً بفعل التغريب الذي كرّس مفهوم الأنثى ضحية، وأعلى من شأنه، حتى ضاعت بعض الحقائق في خضم ألم المعالجة لقضاياها.
أسّست هذه الخلفية لاحتدام الجدل بين الساحات القانونية والمؤسسات الفقهية السودانية، إثر دفع وزارة العدل مقترحًا إلى البرلمان، أوضحت فيه عزم السودان على التوقيع والمصادقة على اتفاقية إنهاء كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، مع التحفظ على بعض البنود. وهي اتفاقية اعتمدتها في ديسمبر/ كانون الأول 1979 الجمعية العامة للأمم المتحدة، ودخلت حيّز التنفيذ في 1981. ويقف خلف الضغط بالمصادقة عليها ناشطون ومنظمات مجتمع مدني وحقوقيون، وحصلت أخيرا على تأييد حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) الذي أوصت قياداته بالإسراع في التوقيع على الاتفاقية. وتبدو هيئة علماء السودان، بثباتها عند موقفها الرافض، بعيدة عن تغيّر الموقف الرسمي من الرفض إلى الموافقة بتحفّظ، إذ لا يظن النظام أنّه بحاجة إلى تبرير تغيّر مواقفه، سواء كانت في مصلحة الشعب أو العكس.
يستنكف النظام عن بسط الحريات الصغيرة، ويحدّ من حرية التعبير، وهو لن يوقّع على اتفاقية سيداو لقناعةٍ تامة، وإنما لأنّ جهات غربية نافذة في المنظمات الدولية تعرقل انضمام السودان إلى منظمة التجارة العالمية، بسبب امتناعه عن الانضمام لمعاهدات دولية حقوقية، بينها "سيداو" وميثاق المحكمة الجنائية الدولية. والنظام الحاكم هو الابن الشرعي لمجتمعٍ ينحصر فيه مفهوم النسوية في شقه السياسي، بما يفيد بأنّ التفاوت في الجنس هو أساس اللامساواة البنيوية بين النساء والرجال، وهو ما جعل النساء يعانين من الظلم الاجتماعي. جاء ذلك، ببساطةٍ أكثر، في أنّ اللامساواة بين الجنسين ليست نتيجة الضرورة البيولوجية، وإنّما أحدثتها البنية الثقافية للاختلاف في الجنس.
أدخلت تعقيدات المفهوم السياسية البعد الجنساني في تحليل دونية وضع المرأة بتأنيث السياسة أو تسييس المرأة. ونجد أنّ موقف الثقافة السودانية عموماً يناقض نفسه، ما بين تشجيع قيام المرأة بأدوار فعّالة واستنكاره، مثل الإنتاج الفكري والسياسي، أو قيامها بوسيلة ضغط للحصول على حقوقها. ونجد أنّ النقد يوجه إليها دائماً بغرض الإقصاء والتهميش.
يرى المؤيدون للاتفاقية أنّ فيها مواد تجعل السودان ضمن المنظومة العالمية المتسقة مواقفها مع القوانين الدولية، خصوصا أنّ السودان ملتزمٌ بأغلب الاتفاقيات الدولية للأمم المتحدة. كما أنّ التأنّي وعدم حسم أمر التوقيع يعطي مؤشراً إلى أنّ السودان ينتهك حقوق المرأة. ولذلك، وللأسباب السابقة، يرون أنّ التوقيع مع التحفظ أفضل من عدمه، وبالتالي يدرأ شر الوقوف في وجه المجتمع الدولي. ويرى المعارضون أنّ التوقيع على الاتفاقية جريمة بحق الأسرة وخيانة للأمة السودانية، كما عدّها المنسق العام لتيار الأمة الواحدة، محمد علي الجزولي، كارثةً، لن تزيد السودان إلّا شقاءً وفقراً. وكانت السلطات قد اعتقلت هذا الرجل مرات لترويجه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
هناك صعوبات عديدة في التوفيق بين التشريعات الوطنية وتنفيذ مبادئ اتفاقية سيداو التي تنص على أنّ التمييز ضد المرأة انتهاك لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، وعقبة أمام مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وهناك تضارب آخر في القوانين السودانية نفسها، فيما يتعلق بسن الزواج للإناث، وتحديد سن الرشد للذكور. فبينما يسمح قانون الأحوال الشخصية بزواج الطفلات في بعض أقاليم السودان النائية، يعتبره القانون الجنائي جريمة.
رفض السودان اتفاقيات مشابهة، مثل بيان مؤتمر القاهرة للسكان عام 1994، ما حرم المرأة السودانية من الإيجابيات في البنود الأخرى من تلك الاتفاقيات، وهو ما جعل موقفه متأرجحاً بين الرغبة في الالتزام بمرجعيات الشرعية الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ومراعاة الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمجتمع السوداني. وهناك أوضاع مماثلة للمرأة في دول عربية، على الرغم من توقيعها على الاتفاقية، ظلت تنظر بريبة إلى مثل هذه المؤتمرات، كأجندة غربية، ما شجع على تأكيد القمة العربية في تونس 2004 على أنّ الإصلاحات في وضع المرأة من الداخل.
والعمل من الداخل هو الإيمان أولاً بحقوق المرأة، وأوّلها حقوقها في المعرفة. ولأنّ المعرفة لا هُوية لها، فسيكون إيماناً بإنسانية المرأة، ومشاركتها في الرؤى الثقافية، ما يزيد الاعتقاد بأنّ تعريف المرأة، بصرف النظر عن النوع، هو أحد لحظات التحرّر الحقيقية. هذا الدور لا ينبغي تقمصّه بغرض إرضاء المجتمع الدولي، فلا بد من قناعةٍ تخرج وعي المرأة من عباءة مفهوم النسوية الضيق، والذي ازداد تشوهاً بفعل التغريب الذي كرّس مفهوم الأنثى ضحية، وأعلى من شأنه، حتى ضاعت بعض الحقائق في خضم ألم المعالجة لقضاياها.