عن كوميديا الـثورة المصرية

25 يناير 2015
العربي الجديد
+ الخط -
شهد العالم العربي في أواخر العام 2010 انطلاق موجة ثورية امتدّت شراراتها العربية لترسم ملامح الربيع العربي. بدأت في تونس وأطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي ثمّ في مصر وليبيا واليمن وتستمرّ في سوريا منذ أربع سنوات.

خلال خمس سنوات من الربيع العربي المستمرّ، هتفت الشعوب في الساحات بشعارات كثيرة، أبرزها وأكثرها "تشاركاً" هو شعار: "الشعب يريد إسقاط النظام".

لكنّ الثورة المصرية كانت الأكثر طرافة. فقد كان لافتاً في ميادين مصر ظهور شعارات ولافتات كوميدية، اشتعلت بتشاركها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلها الثوّار ومناصروهم حول العالم.

ورغم استخدام المتظاهرين عبارات لاذعة في هتافاتهم فإن البعض منهم استخدم عبارات عكست روح الدعابة والفكاهة وخفّة الظل التي يتحلّى بها الشعب المصري، حتّى في أزماته، بل وفي الثورة التي لم يشهد غيرها في السنوات الستّين الأخيرة.

خرج الشباب بهتافات مضحكة في لحظة مبكية، حين كانت السلطة تخوّفهم وتقمعهم وتقتل بعضهم وتعتقل المئات منهم. فكتب أحدهم: "ارحل، الوليّة عاوزة تولد والولد مش عايز يشوفك". بينما كتب آخر: "يا ريّس ايدي وجعتني من اللافتة... إرحل عشان اروّح بيتنا". ولافتة أخرى، كما تبيّن الصورة المرفقة، كتب أحدهم عليها: "هتمشي هتمشي، إنجز عايز أروّح أحلق".

كما كتب آخر "عايز أروّح أستحمى". وربطها آخر بكرة القدم التي يتابعها المصريون كلّهم: "إنجِز وارحل ما صدّقنا الزمالك هياخد الدوري". وكتب أحدهم: "يا بخت من زار وخفّف".

وهو مثل شعبيّ مصريّ يُقال عن الضيوف الذين يطيلون الزيارات ولا يغادرون بعد وقت معقول.

وكثيرون توجّهوا إلى الشتم، لكن بطريقة ظريفة، مثل هذه اللافتة: "إذا الشعب يوماً أراد الحياه، فلا بدّ أن يستجيب البقر"، وهي محاكاة لقصيدة الشاعر أبو القاسم الشابي: "إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بدّ أن يستجيب القدر".

ولم يغِب طلاب المدارس والجامعات عن الاحتجاجات، وكان من بينهم طفل حمل لافته كُتب عليها: "إرحل بقى...أنا عندي حضانة"، وتلميذ آخر حمل لافتة كتب عليها: "إنجز... عندنا ثانويه عامه". وفعل "إنجز" في مصر يرادف: "أسرع".

وغيرها الكثير من اللافتات المضحكة التي رغم فكاهتها، كانت تدلّ على معاناة الشعب المصري وطموحهم في التغيير.

يقول الاختصاصي في علم النفس الدكتور نبيل خوري إنّ " الأسلوب الكوميدي عند المصريين يعود إلى فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر في أواخر الخمسينيّات وأوائل الستينيّات، حين كان ممنوعاً على الناس الاعتراض علناً".

ويُضيف خوري في حديث لـ"العربي الجديد": "خلال تلك الفترة شهدت مصر شبه تعرٍّ في الأفلام والمسارح، والسماح بالهبوط كان لمجابهة الخطّ الإسلامي المتطرّف، فلجأ كثيرون من الناس إلى الفكاهة التي تنسجم مع طبيعة هذا الشعب للتعبير عن معارضتهم للحكم وطاقمه، وكان المصريون يُطلقون نكاتهم في الملاهي والنوادي والمقاهي حيث يجتمعون".

وعن اختلاف طبيعة الشعب المصري عن الشعب التونسي وغيره من الشعوب العربية التي شهدت ثورات واحتجاجات شعبية، أوضح خوري أنّ "الشعب المصري يختلف عن باقي الشعوب وخصوصا التونسي المعروف بجديّته، تلك التي يُمكننا التنبّه إليها من خلال ظهور الصحافيين في البرامج التلفزيونية بجديّة كبيرة. حتى إنّ كثيرين يبدو كما لو أنّهم لا يضحكون أبداً".

ويتابع خوري: "لكنّ فكاهة المصريين نجدها في كل بيت وفرد من أصغرهم حتّى أكبرهم. فهم يُطلقون النكات والدعابات ويحبّون سماعها. وهنا في لبنان كلّ من يلتقي بمصري أو مصرية يكتشف فجأة أنّ روح النكتة لدى المصريين ليست شأناً فردياً، بل هي من خصالهم المشتركة. وكان لافتاً أيضا مشاركة الأطفال وحملهم لافتات مضحكة ومعبّرة عنهم".

ويلفت خوري إلى أنّه "لا ضرر في النكات فهي وسيلة نسيان الهموم اليومية وإعطاء أمل للغد". وبالفعل كان التعبير الأبرز عن روح النكتة المصرية هو أنّ الإعلامي باسم يوسف، الذي كان من أبرز مشاهير ما بعد الثورة، دخل قلوب عشرات ملايين المصريين بالنكتة، وليس بالتحليل السياسي أو بالنقد الاجتماعي، أو ببرنامج تحقيقات.

ببساطة المصريون شعب يحبّ النكات والضحك والابتسامات، حتّى عندما كانوا يقتلعون النظام في ثورة 25 يناير التاريخية.

تابعونا: #ثورات_تتجدد

المساهمون