عن فرصة الخلاص وحبكة الحياة وجدوى الكلمات ومختارات أخرى

29 مايو 2019
+ الخط -
ـ "فرصة الخلاص الحقيقية التي يمكن للإنسان أن يقتنصها: أن يستعين بالله في وقت لا يتوقع منه الرب ذلك، فتحت قلبي وأفرغته من همومه ونظفته جيداً ووضعته أمام الله، بعد (الفاتحة) مباشرة أحسست بانزعاج يجتاحني، ها أنذا أمامك يا رب، طيب هادئ جاد، لكني سئمت ـ كما لا بد أن تعلم ـ المطاردة، كما سئمت كل الصور التي تعكسها لنا المرايا، ها نحن نقف تحت رحمتك مباشرة نبتهل إليك أن تُعمِّر قلوبنا، ستصلك دعوانا حتى لو ناجيناك بها في غرفة معطرة مجهزة أصلاً للاشتعال واللذة"

من قصة (التتويج) لمحمد مستجاب التي نُشرت في مجلة الثقافة فبراير 1974 وجُمعت في كتابه (القصص الأخرى) الصادر عام 1986

ـ "إن التأمل وليس الحب وحده يجعلنا نمتلك الأشياء والمدن التي زرناها والقصص التي عشناها والناس وكل شيء، كل الأشياء التي مررت بها وأوليتها اهتمامك وتركيزك، هي لكِ، وبوسعكِ أن تستعيديها وقتما تشائين. أعتقد أن ثمة أشياء قد فقدناها إلى الأبد، وفي حقيقة الأمر، نحن نساوي الأشياء التي فقدناها أكثر من تلك التي نملك."

من رواية (وهذا أيضاً سوف يمضي) لـ ميلينا بوسكيتس ترجمة نهى أبو عرقوب

ـ "الزمن لا يبالي بأقدارنا. الزمن مريع لكنه مع ذلك الشيء العادل الوحيد في الحياة. يصل بنا إلى أماكن كهذه حيث نرقد أخيراً. لكننا بوسعنا قبل الوصول لهنا أن نخبَر شيئاً ما، ونفعل شيئاً ما بحيواتنا. ولنا نحن أن نقرر ماذا نفعل. يتركنا ندمّر ما نحب. الزمن أو الرب. أياً ما ندعوه، لا يوجد فارق."

من رواية (لا قديسون ولا ملائكة) لإيفان كاليما ـ ترجمة إيمان حرز الله

ـ "نبدأ حياتنا بالفوضى، بالهذيان. وحالما تنخرط في العالم ستحاول ابتكار شكل، خطة. ثمة كرامة في هذا. حياتك بأسرها هي حبكة، مخطط، رسم بياني، إنها مخطط فاشل ولكن ليس هذا هو المغزى. الحبكة تعني تأكيد الحياة، السعي إلى الشكل والسيطرة. حتى بعد الموت، وتحديداً بعد الموت، سيستمر البحث"

من رواية (ضوضاء بيضاء) للأمريكي دون ديليليو ترجمة يزن الحاج

"يمكن أن تبدو الأبدية المتكررة بغيضة بالنسبة للمتفرج، إنها مُرضية لأفرادها المتحررين من الأخبار السيئة والأمراض، يعيشون دائما كما لو كانت المرة الأولى، دون أن يتذكروا اللحظات السابقة، بالإضافة إلى أن الانقطاعات المفروضة من قبل نظام المد إنما تجعل التكرارات غير متصلبة. بتعودي على رؤية حياة تتكرر أمامي فإنني أجد حياتي عرضية بطريقة يتعذر إصلاحها... ليس لدي مرة قادمة، كل لحظة لي فريدة ومختلفة وكثيرون يضيعون في الغفلة. من المؤكد أنه بالنسبة للصور ليس هناك من مرة قادمة (كل المرات شبيهة بالمرة الأولى). يمكنني التفكير أن حياتنا كمثل أسبوع الصور ذلك وأنها تعود للتكرار في عوالم متلاصقة".

من رواية (اختراع موريل) لـ أدولفو بيوكي كاساريس ترجمة أحمد يماني

ـ "كان يمكن أن يموت فوق كرسيه في العمل، أو يدع رأسه تميل على صدره أمام التلفاز، لتبدأ زوجته في الصراخ، ويأتي أقاربه البعيدون، وتبدأ حبيباته السريّات في نسيانه، ببعض البكاء، كان بمقدوره القفز فوق سور الكوبري، مثلما يفعل الأصغر سناً، أو يشرب سُمّاً رخيصاً كريفي، أو يشتري بكل ما معه دواءً يثبط النبض، ويبطل مفعول الألبومات، كان سهلاً عليه أن يظل يشكو ويشكو، إلى أن يجيئه الموت طوعاً، في هيئة موسى الحلاقة، أو عود الكبريت، أو يشنق نفسه عارياً، ليتدلى من سقف الحمام، أو يقفز من فوق مجمع التحرير، أو فوق قضيبي المترو، ثلاث وأربعون طريقة للموت كانت أمامه، لكنه اختار ألا يموت"

من كتاب (اختار ألا يموت) لرضا البهات

ـ "أعتقد أنه لا يجوز لراشد أن يبدي رغبة الظهور مُهندماً، ما دام هناك أطفال تنقصهم أية ثياب خارجية، ولكن يحق للمرء بالدرجة نفسها من الصواب أن يقول بأنه لا يجوز لإنسان أن يستمتع بحفلة موسيقية أو بعرض مسرحي وما شابه ذلك من المسرات، ما دام هناك في العالم سجون ومعتقلات تضم سجناء تعساء. بديهي أن في هذا شطط. وإذا كان على المرء أن ينتظر ويؤجل المتعة وجميع أنواع مسرات الحياة إلى أن يخلو العالم أخيراً من الفقراء والتعساء، فسيتوجب على هذا المرء الانتظار حتى النهاية الرمادية غير معروفة الأجل وحتى نهاية العالم الجليدية المكفهرة، وحتى ذلك الحين سيكون قد فقد ذاتياً وبصورة تامة أي متعة حياتية".

من رواية (مشوار المشي) لـ روبرت فالزر ترجمة د. نبيل الحفار

ـ "لقد فهمت منذ أمد بعيد أن الفرق ليس أكثر من صفر، بيني وبين البعوضة، أو بين البعوضة والنهر، أو بين النهر وصوت يصرخ فوقه، ليس هنالك جوهر أو معنى في أي شيئ، لا شيئ إلا شبكة من الاعتمادات المتبادلة تحت وطأة ضغوط ضخمة متغيرة، إنها مخيلاتنا فحسب، لا عقولنا التي تضعنا دائما في مواجهة الفشل والاعتقاد الكاذب، بأننا نستطيع أن نرفع أنفسنا من أربطة أحذيتنا لنخرج من قلب الفناء البائس، لا مهرب لنا من هذا أيها الغبي، إننا عالقون إلى الأبد، إننا محكومون بكل معنى الكلمة، ومن الأفضل لنا ألا نحاول الذهاب في أي من الاتجاهين، من الأفضل ألا نصدق أعيننا، هذا فخ يا بيترينا ونحن نقع في هذا الفخ كل مرة، نظن أننا نتحرر منه، لكننا لا نفعل إلا إعادة ترتيب الأقفال، إننا عالقون، انتهت الحكاية، النهاية نفسها في الحالين، سواء شنقنا أنفسنا أو لم نفعل ذلك، لا بأس إذن، لا داعي لأن نشنق أنفسنا".

من رواية (تانغو الخراب) لـلكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي الفائز بجائزة بوكر الدولية في عام 2015 ترجمة الحارث النبهان

"ولأن الجمال خُلق ليغير من طبائع الناس ونفوسهم وليبدل في حيواتهم، ولأنك لا تستطيع أن تفسره إلا كما تفسر الماء بالماء، ولأن الحياة لا تنطق بمعانيها سوى أمام الأشياء الجميلة.. ولأنك لا تستطيع أن ترى الجمال وأنت مطأطأ الرأس... فإنك عندما تنظر إلى أعلى ولأول مرة بحياتك، فقد يهز الجمال كيانك المضطرب ويزلزل أرجاءك، ولأن الجمال يمس القلوب والعقول معا، لذا فهو ضرب من ضروب الجنون عندما يسيطر عليك ويتملكك ويمسك بتلابيب عقلك، وإن تجمع مس جمال الصورة بآخر لجمال الروح لأصبح الجنون ضاريا ولكان التحول متوحشا، ولتحول الوحش المحموم بالعنف والكبرياء إلى شخص وديع لا يتمالك نفسه أمام محبوبته، لا يسيطر على حركة عيونه المضطربة أمامها، لا يستطيع أن ينطق إلا بالفتات، كلمات مضطربة متداخلة، يصعب فهمها إلا على من ذاق مس الجمال ومس جنونه. ولأن العيون سحرها خلاب، شبابيك مفتوحة على وسعها مطلة على النفس ومكنونها، تستطيع أن ترى من خلالها جمال الروح ونقاءها، ولأن العيون توجه سحرها في اتجاه مسحورها الممسوس، ولأن القلوب تنهار حصونها أمام هذا السحر الطاغي، ولأن النفس البشرية مهما قَوَت فهي ضعيفة، ولأن الضعف البشري مهما ضعف فهو قوي، يغير أحداثا ويقلب موازين، ولأن سحر النظرة الأولى لا يموت، ولأن النظرة الأولى من عيون ساحرة قد تصيب نفوسا بالجنون، ولأن القلب لا ينبض إلا قليلا إلا أمام أفعال هذه الساحرات، ولأن القلوب مهما غطاها الغيم فهي تستطيع أن تلمس النور بأطراف السماء، ولأن القلوب تتوقف عن دقاتها بتوقف هذا السحر الجميل، ولأن الحب لا يمكن تفسيره، ولأنه بات مخلوقا غامضا، يتسلل خلسة منك لقلبك مهما كان محصنا ليعبث بضرباته، ولأن الطب لم يتوصل لعلاج هذا السحر الممتد عبر الأزمان. ولأن مولانا آخر الأمر بشر، لذا فقد مس قلبه الجنون".

من رواية (رائحة مولانا) لـ أحمد عبد المنعم رمضان

ـ "ستكون لي كلماتي كائنة ما كانت لأحيا معها، ربما إلى الأبد. وهناك كلمات، كلمات لها أهميتها، لا ترغب في قولها، كلمات تبرّر حياةً واكبها الإخفاق، كلمات تحاول إصلاح شيء مدمر لا ينبغي أن يكون كذلك، ولا يريدها أحد أن تكون كذلك، ولا يمكن للكلمات إصلاحها على أي حال. كان إبلاغ أبي بما شاهدته، أو إبلاغ أمي أن بمقدورها الاعتماد عليّ في التزام الصمت، ينتمي إلى هذا النوع من الكلمات، التي من الأفضل عدم التفوه بها لأنه لا جدوى منها في الإطار العام للأشياء".

من رواية (حياة وحشية) لـ ريتشارد فورد ترجمة كامل يوسف حسين

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.