09 يونيو 2023
عن عقولنا العربية الغائبة
يغادر الإنسان الجهل عندما يعرف. والمعرفة تحدّدها قدرته على التفكير المركب والمعقد وتخيل الجديد وتصور الأشياء المحدثة. هذه القدرة على التجريد هي ما ميّز الإنسان عن باقي الكائنات وقاد تطوره.
تنمي الشعوب المتقدمة قدرة عقولها على التجريد والتصور والتفكير المركب شديد التعقيد، فينتج عنها تصميم محرك، أو تصميم طائرة إيرباص 380، أو صنع سفينة بحرية عملاقة بحمولة مليون طن، أو شبكة إنترنت تحيط بالعالم، أو خطة خمسية للصين، أو مركبة فضائية تذهب وحيدة إلى مئات آلاف الأميال في الفضاء البعيد، وتعود منه إلى الأرض، إنها عقول جبارة. بينما عقولنا اليوم منشغلة بخيالاتٍ أخرى، فنبقى متواكلين على أولئك، نستورد منهم كل ما نحتاج له من معداتٍ وآلاتٍ وتجيهزاتٍ وعلومٍ ومعارف حديثة.
في أيام غابرة، كانت شعوب منطقتنا هي القادرة على التخيل والتجريد، لتحصيل المعرفة، وإحداث كل جديد، فقد شكل نمو قدرة إنسان هذه المنطقة على التصور والتخيل والتفكير الحر والتجريد أساس انتقال البشرية من حياة الصيد والالتقاط والتنقل والعيش في الكهوف إلى عصر الاستقرار والزراعة، حيث بدأ فجر الحضارة، وكانت قدرته على التصور والتخيل والتجريد قد مكّنته من تدجين الحيوانات، ثم قادته إلى فكرة العجلة التي دفعت التطور البشري إلى الأمام، إذ مكّنت الإنسان من صنع عربةٍ، تنقل أشياء كثيرة، بجهد أقل، والانتقال بعيداً في وقت أقصر. كما مكّنته قدرته على التجريد والتصور على صنع أدوات عمل، بإنتاجيةٍ رفعت قدرته كثيراً، مكّنته من بناء مساكن، ثم معابد وهياكل عملاقة واختراع المراكب وصنع أدوات كثيرة. واستمرت تلك الشعوب عدة آلاف من السنين، تقود العالم.
ولكن تلك القدرة العقلية غادرتها بعد أن أصبحت أسيرة لكل ما هو عتيق، فرحلت قدرة التفكير والتخيّل والتجريد إلى شعوب أوروبا التي ما لبثت أن قادتهم إلى اكتشاف أميركا والدوران حول رأس الرجاء الصالح، وتطوير العلوم والمعارف، بما مكّنهم من نقل البشرية من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة الذي انطلق في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، واستمرت قدرة الإنسان على التصوّر والتخيّل والتجريد وتطوير العلوم والأفكار بالنمو مرّات كثيرة، فمرّت الثورة الصناعية بمرحلتها الأولى، ثم الثانية، والآن الثالثة. وما زالت أوروبا وأفكارها وكل من اتبع نهجها الحديث في مختلف الجوانب تقود عالم اليوم والغد.
لم تعد بلدان العالم المتقدمة تتقاتل بالأسلحة الحربية والجيوش، بل تركوا هذه الموهبة لشعوبنا تتصارع بالسلاح الذي يورّدونه إلينا بأسعار خيالية، بينما يتصارعون هم في ساحات سباقات العلم والتكنولوجيا.
قبل 500 عاماً، كنا والأوروبيين نعتمد على الخشب مصدراً للطاقة، لكنهم انتقلوا من الخشب، ودخلوا عصر الفحم، وأطلقوا ثورة علمية وصناعية، أما نحن فبقينا متشبثين بالخشب وبأفكار وقيم مجتمع الخشب، ثم انتقلوا، بفضل عقولهم وعلومهم الحرة من الفحم إلى النفط، محدثين ثورة أخرى، وبقينا نحن، بفضل عقولنا المقيّدة، منشغلين بعلوم من لا علوم لهم، وبعدد الحوريات في الجنة. والآن، هم يستعدون للانتقال من عصر النفط إلى عصر الطاقة الشمسية وطاقة الهيدروجين، لتوفير 100% من احتياجات البشر للطاقة بحلول عام 2035، ما يعني انقراضاً وشيكاً لصناعة النفط والغاز، أما نحن فعدنا نطلب ثأر الحسين، وندعو إلى دولة الخلافة.
كم يحز في النفس أنه، وبعد مضي ألف عام، وما زال بيت شعر المتنبي يتردد في جنبات بيته في حلب الذي هدمته الحرب الطاحنة الجارية الآن:
"يا أمةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهلِهَا الأُمَمُ".
تنمي الشعوب المتقدمة قدرة عقولها على التجريد والتصور والتفكير المركب شديد التعقيد، فينتج عنها تصميم محرك، أو تصميم طائرة إيرباص 380، أو صنع سفينة بحرية عملاقة بحمولة مليون طن، أو شبكة إنترنت تحيط بالعالم، أو خطة خمسية للصين، أو مركبة فضائية تذهب وحيدة إلى مئات آلاف الأميال في الفضاء البعيد، وتعود منه إلى الأرض، إنها عقول جبارة. بينما عقولنا اليوم منشغلة بخيالاتٍ أخرى، فنبقى متواكلين على أولئك، نستورد منهم كل ما نحتاج له من معداتٍ وآلاتٍ وتجيهزاتٍ وعلومٍ ومعارف حديثة.
في أيام غابرة، كانت شعوب منطقتنا هي القادرة على التخيل والتجريد، لتحصيل المعرفة، وإحداث كل جديد، فقد شكل نمو قدرة إنسان هذه المنطقة على التصور والتخيل والتفكير الحر والتجريد أساس انتقال البشرية من حياة الصيد والالتقاط والتنقل والعيش في الكهوف إلى عصر الاستقرار والزراعة، حيث بدأ فجر الحضارة، وكانت قدرته على التصور والتخيل والتجريد قد مكّنته من تدجين الحيوانات، ثم قادته إلى فكرة العجلة التي دفعت التطور البشري إلى الأمام، إذ مكّنت الإنسان من صنع عربةٍ، تنقل أشياء كثيرة، بجهد أقل، والانتقال بعيداً في وقت أقصر. كما مكّنته قدرته على التجريد والتصور على صنع أدوات عمل، بإنتاجيةٍ رفعت قدرته كثيراً، مكّنته من بناء مساكن، ثم معابد وهياكل عملاقة واختراع المراكب وصنع أدوات كثيرة. واستمرت تلك الشعوب عدة آلاف من السنين، تقود العالم.
ولكن تلك القدرة العقلية غادرتها بعد أن أصبحت أسيرة لكل ما هو عتيق، فرحلت قدرة التفكير والتخيّل والتجريد إلى شعوب أوروبا التي ما لبثت أن قادتهم إلى اكتشاف أميركا والدوران حول رأس الرجاء الصالح، وتطوير العلوم والمعارف، بما مكّنهم من نقل البشرية من عصر الزراعة إلى عصر الصناعة الذي انطلق في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، واستمرت قدرة الإنسان على التصوّر والتخيّل والتجريد وتطوير العلوم والأفكار بالنمو مرّات كثيرة، فمرّت الثورة الصناعية بمرحلتها الأولى، ثم الثانية، والآن الثالثة. وما زالت أوروبا وأفكارها وكل من اتبع نهجها الحديث في مختلف الجوانب تقود عالم اليوم والغد.
لم تعد بلدان العالم المتقدمة تتقاتل بالأسلحة الحربية والجيوش، بل تركوا هذه الموهبة لشعوبنا تتصارع بالسلاح الذي يورّدونه إلينا بأسعار خيالية، بينما يتصارعون هم في ساحات سباقات العلم والتكنولوجيا.
قبل 500 عاماً، كنا والأوروبيين نعتمد على الخشب مصدراً للطاقة، لكنهم انتقلوا من الخشب، ودخلوا عصر الفحم، وأطلقوا ثورة علمية وصناعية، أما نحن فبقينا متشبثين بالخشب وبأفكار وقيم مجتمع الخشب، ثم انتقلوا، بفضل عقولهم وعلومهم الحرة من الفحم إلى النفط، محدثين ثورة أخرى، وبقينا نحن، بفضل عقولنا المقيّدة، منشغلين بعلوم من لا علوم لهم، وبعدد الحوريات في الجنة. والآن، هم يستعدون للانتقال من عصر النفط إلى عصر الطاقة الشمسية وطاقة الهيدروجين، لتوفير 100% من احتياجات البشر للطاقة بحلول عام 2035، ما يعني انقراضاً وشيكاً لصناعة النفط والغاز، أما نحن فعدنا نطلب ثأر الحسين، وندعو إلى دولة الخلافة.
كم يحز في النفس أنه، وبعد مضي ألف عام، وما زال بيت شعر المتنبي يتردد في جنبات بيته في حلب الذي هدمته الحرب الطاحنة الجارية الآن:
"يا أمةً ضَحِكَتْ مِنْ جَهلِهَا الأُمَمُ".