عن شابة هزمت أوجاعها بعبور الصحراء

24 ابريل 2014
روبين وأبطال الفيلم في عرض بأستراليا
+ الخط -
في أكبر مغامرات القرن العشرين الفردية، وتحديدا في النصف الثاني من السبعبنيات، كانت الفتاة روبين ديفيدسون لا تزال في الـ26 من عمرها. وفي لحظة ما، أثناء دردشة شبابية، كشفت لأصدقائها عن خطتها عبور صحراء أستراليا على ظهر جمل. 

سخر منها الذكور، وحكموا عليها بالجنون والعناد الأخرق. لكنّ ذلك الحكم لم يزِد روبين إلا عنادا، فأصرّت على تنفيذ خطتها لتغيّر مسار حياتها إلى الابد.

ذلك التحدّي أصبح بعد 37 عاما عملا بطوليا احتلّ أعلى المراتب في عالم الفنّ والسينما. وبات من الصعب على من شاهده نسيانه، بسبب بعده الإنساني، الذي يلقي صدى حول العالم بغضّ النظر عن اختلاف الثقافات.

بدأت روبين رحلتها القاسية بمفردها مع 4 من الإبل وكلبتها السوداء ديجيتي. لم تركب أبدا أحد تلك الجمال الأربعة بل كانت دائما تسير إلى جوارها. وكانت تلك الجمال محملة بنحو 700 كيلوجرام من الأمتعة والمواد الغذائية البسيطة والمياه لتقطع صحراء أستراليا الغربية وتجوب 2700 كلم شرقا وغربا سيرا على الاقدام.

استغرقت تلك الرحلة العجيبة 9 أشهر كانت خلالها روبين تقاوم تقلّبات الطبيعة الشرسة والخوف من المجهول، وتسعى للبقاء على قيد الحياة.

وهي اكتشفت جمالا قاسيا كاد أن يودي بحياتها مرّات عدّة، لولا انقاذ ديجيتي لها. هي التي دفعت حياتها ثمن وفائها.
يقول البعض إنّ تلك الرحلة كانت بالنسبة للحالمة روبين هروبا من واقع مرير، وقلق كان  يغلّف حياتها بسبب الخسارات المتتالية التي عانتها.  وتحديدا فقدانها والدتها التي ماتت منتحرة شنقاً. فبدأت مغامرة لا تقلّ قلقا وخطورة عبر الصحراء الاسترالية الشاسعة الموحشة والمليئة بكلّ أشكال المخاطر.

هناك اكتشفت، إضافة إلى جمال الطبيعة، شعوبا وقبائل من السكان الأصليين الذين يعيشون في مناطق منزوية بأستراليا هم "الأبورجينييون".
كانت روبين تشاركهم الطعام والشراب والسهر والرقص والغناء. أرشدوها إلى المسار، عطفوا عليها وتعاطفوا معها ولم ينظروا إليها باعتبارها تلك "البيضاء اللعينة"، القادمة من الطرف الآخر، أي من معسكر الغزاة البيض للأراضي الأسترالية. وهي تحوّلت لاحقا إلى أبرز المدافعين عن حقوق سكان أستراليا الأصليين.

"رحلة الإبل" تلك، كما أسمتها روبين، وثّقت خطوطها في كتابها تحت عنوان "مسارات" أو "تراكس". واستوحت الاسم من وصفها حين قالت إنّ "رحلة الإبل لا تبدأ أو تنتهي بزمن، بل هي تغيير في المسارات فقط".

"تراكس" يُعتبر من روائع أدب الرحلة،. فهو يحمل في طيّاته تحية خاصة للطبيعة والصحراء، التي رغم حرارتها قد تكون أقلّ قساوة من البشر. وهو بيان اعتراض على التمييز ضدّ المرأة. فقد وصفت من سخروا من قرارها قطع الصحراء بـ"المتعصّبين المملّين". كما استدلّت ببعض الشواهد من رحلتها عن "العنصرية الرجولية ضدّ المرأة"، قائلة إنّ "التمييز على أساس الجنس موجود في كلّ مكان حول العالم، مع بعض الاختلاف". لكنّها أشادت  بـالشباب الأسترالي"، الذي بدأ يحذو مسارا مختلفا.

تلك الاشادة لم تدم كثيرا. ففي عام 2009 عندما شاهدتُ الفيلم الأسترالي الرومانسي: "شمشوم ودليلا" أيقنت أن شيئا لم يتغير.

روبين كاتبة فريدة وشجاعة لم تخشَ الوحدة بل تعايشت معها، وربما كانت تفضلها على البشر. وطموحها للنجاح في رحلاتها الطويلة كان أقوى من خوف المخاطر المحتملة. 

يقول أحد أصدقائها المقربين إنّ "روبين لا تتوقف أبدا، قبل 30 عاما وبعد فترة وجيزة من خروج كتابها إلى العلن كانت على الطريق مرّة أخرى، لتجوب جبال وصحاري الولايات المتحدة الاميركية على دراجتها "هارلي دافيدسن"، هذه المرّة برفقة شريكها ستيف مارك، وصولا إلى أعالي جبال التبت ومرورا بمعظم الأراضي الهندية،. وهي جالت بعض الدول الأفريقية، خصوصا في الشمال والجنوب. وكانت دوما شغوفة بالتعرّف إلى الطبيعة وإلى الشعوب، التي كانت تعيش في تلك المناطق وعاداتهم، وتدوين ذكرياتها عن تلك الرحلة في دفتر مذكرات لم يفارقها حتّى في أقسى الأوقات".

ورغم مرارة وصعوبة وعسر الرحلة، وتفكيرها أكثر من مرة بالإقلاع عن إكمالها، فإن روبين تنجح في النهاية بالوصول إلى النهاية.

وجاء كتاب "تراكس"، كما يقول قراؤه، ليركّز على الوحدة التي تعيشها فئات كثيرة، وكيف تتحوّل الوحدة إلى إبداع، بعيدا عن الخوف والوحشة. هذه النهاية أوصلت كتابها الى النجومية، لتعرض إحدى صالات مهرجان فينيسيا السينيمائي الدولي، في دورته الحالية، فيلما يحمل اسم الكتاب "مسارات". وهو تحية إلى الصحراء، رغم قساوتها، وتحية إلى الجمل وإلى عالمه الخاصّ للغاية وإلى الوفاء الذي يمارسه الكلب إزاء مالكه. هي لحظات تُشعِر من يشاهده بأنّ الفيلم كلّه عبارة عن أغنية للطبيعة.

دلالات
المساهمون