عن دموع الأمم المتحدة

07 سبتمبر 2014

بيريز وكي مون في مقر الأمم المتحدة (6 مايو/2009/Getty)

+ الخط -

يبكي الناس، أو يبدون الحزن على فقد من تربطهم بهم صلة، أو يعنون لهم شيئاً. يبكي الآباء أبناءهم، يبكي الإخوة بعضهم، ويبكي الصديق صديقه. كذلك يُبكَى على من مرّوا في هذه الحياة، وتركوا فيها أثراً للناس. ففي أميركا، قد يبكي بعضهم في ذكرى مقتل الرئيس الشهير، أبراهام لينكولن. وفي العالم الإسلامي، قد يبكي بعضهم في ذكرى استشهاد الحسين.

البكاء على من رحلوا حين يرحلون، أو البكاء عليهم في ذكرى رحيلهم، تعبير عن ارتباطنا بهم، وعن أنهم لم يكونوا، بالنسبة لنا، من عموم الناس. هذا البكاء والحزن تعبير عن شيء في داخلنا، يشبه شيئاً في داخلهم. وهذا البكاء قد يعني أننا نشاركهم أحلامهم وأمنياتهم، أو نشاركهم ذكريات قديمة.

حرب غزة الأخيرة كانت ثرة غزيرة، ليس فقط بصمود المقاومة وكبريائها ووحشية إسرائيل ووهنها، بل بالإخبار عن الحال التي وصل إليها النظام الرسمي العربي والمجتمع الدولي، وصل الأول إلى حالة "الانحياز ضد الأمة"، ووصل الثاني إلى "الانحياز لصالح إسرائيل".

كان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، آخر صرعات تحيز المجتمع الدولي لصالح إسرائيل، فقد أتى إلى المنطقة، إبان الحرب الأخيرة على غزة، يدعو إلى وقف إطلاق النار (ولم نعد نقول شيئاً هنا عن مساواتهم الشهيرة بين المحتل ومن تحت الاحتلال)، ويذرف دموعاً على قتلى إسرائيل، عسكريين ومدنيين، هذا إذا تجاهلنا حقيقة أن المستوطن (أي مستوطن) هو رأس الحربة في عدوان الصهاينة على فلسطين.

المجتمع الدولي يمتلك سردية أخرى عن فلسطين، مغايرة تماماً عن سردية أهل البلاد الذين هُجروا وضمتهم المخيمات، أو ابتلعهم الشتات.

ذرف بان كي مون دموعاً على عسكريين محاربين، وكأنه وزير دفاعهم، أو قائدهم الميداني ينعاهم، ويذكر مآثرهم. وكعربيٍّ، أصابه الظلم قد تُصدَم بالتناقض الرهيب بين ما تقرأه في الموقع الرسمي للأمم المتحدة من غايات السلم والعون والتعاون الدولي من جهة، ودموع أمينها العام على الجنود الإسرائيليين القتلى. إنهم يروون كل شيء عن فلسطين بشكل مغاير عنا، نحن وإياهم نصف الشيء نفسه بأوصاف ليست مختلفة فحسب، بل ومتناقضة أيضاً، كالشرعي واللاشرعي، الحق والباطل والظالم والمظلوم.

بكى بان كي مون على من قتلهم الإرهاب والسلاح غير الشرعي والمنظمات الخطرة، وفرحنا نحن بما بكى هو عليه واعتبرناه من إنجازات المقاومة واعتبرناه حقاً واعتبرناه واجباً. إن المؤسسة الدولية التي تنخرط فيها وفي نشاطاتها وتشارك في ميزانيتها كل الدول العربية هي المثال السياسي الكبير على تحيّزات المجتمع الدولي وهرمية حقوق الجماعات السياسية، وأن السلم العالمي الذي تزعم هذه المؤسسة الدولية رعايته والسعي إليه ما هو إلا تطبيع لإرادة الأقوياء على الأرض. المتصارعون على فلسطين يملكون سرديتين مختلفتين عمّا جرى في فلسطين وعمّا يجب أن يكون، دموع بان كي مون تقول إن المجتمع الدولي اختار السردية الإسرائيلية.

هذه الدموع التي ذرفها بان كي مون هي موقف، موقف من صراعنا مع إسرائيل، موقف من جنود الاحتلال، موقف من العسكر الذاهبين إلى غزة للقتل وموقف من غزة وفلسطين، مقاومةً وأهالي.

بعد هذه الدموع والنعي لجنود إسرائيل المستوطنين، أو مستوطنيها الجنود، هل ما زالت الأمم المتحدة البيت الذي نذهب إليه لطلب العدالة وعودة الحق، خصوصاً أننا نعرف أن كل عمليات التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة أتت لصالح فلسطين، لكنها ظلت حبراً على ورق ومادة تمد بعض السياسيين العرب بوهم المجتمع الدولي الذي يقف معنا.

وقف الحرب في البوسنة، استقلال تيمور الشرقية، استقلال كوسوفا وغيرها من حالات مشابهة كانت تتم بقوة مجلس الأمن أو حلف الناتو. وفي فلسطين، لا مجلس الأمن ولا حلف الناتو كانا إلى جانبنا، أما دموع الأمين العام فإنها إلى جانبهم.

7DCBCDF9-9B50-4782-AA8C-FEDA3F7106B7
نايف السلمي

مهندس صناعي وكاتب سعودي مهتم بالفكر و الثقافة في الوطن العربي، ومؤلف مشارك في كتاب "في معنى العروبة .. مفاهيم و تحديات".