عن دراسة نشرت قبل 26 عاماً

19 يونيو 2015
+ الخط -
نشرت الباحثة صفاء موسى، في 1989، في مجلة السياسة الدولية التي يصدرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، دراسة عنوانها (نهاية النظم العسكرية والانتقال إلى الديمقراطية في العالم الثالث)، تحدثت عن شرعية النظام العسكري، وتبرير إطالة مدة الحكم، وأن العادة، في دول العالم الثالث تحت النظام العسكري، أو الشبه عسكري، أن يجري المزج بين هدفين أساسيين: الحفاظ على ما يسمى الأمن القومي من وجهة نظر العسكريين، وتحسين الحالة الاقتصادية في أسرع وقت، وهو ما تستغله الأنظمة العسكرية، أو شبه العسكرية، للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، بحجة عدم تحقيق الأهداف.
وفي الأساس، تكون الذريعة الرئيسية للعسكريين للاستيلاء على السلطة الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى أخرى، مثل الأمن القومي أو وقف الخلافات السياسية والجدال بين السياسيين المدنيين.
ومع إطالة الحكم وغياب قنوات فعالة للتعبير عن الرأي، ومع الاستعانة بتدابير قمعية، تصبح شرعية استمرار مثل هذا النظام السلطوي قائمة على أدائه ونجاحه في تحقق الأهداف الاقتصادية والرخاء والاستقرار التي وعد بها عند استيلائه على الحكم. ولكن، مع الفشل المتتالي للأنظمة السلطوية العسكرية، أو شبه العسكرية، في تحقق الوعود التي بنت شرعيتها عليها، مثل النمو الاقتصادي والرخاء والاستقرار والأمن وفرض النظام وتحسين مستوى المعيشة، تبدأ الجماهير، مرة أخرى، في الاعتراض. وهذا من شأنه الحض، مرة أخرى، على عدم الاستقرار، وخصوصاً مع غياب قنوات الاتصال والتعبير عن الرأي، في ظل الحكم العسكري، فعدم وجود قنوات فعالة، تتيح حرية التعبير عن الرأي، وعدم وجود وسائل لاستيعاب المطالب والرد عليها يؤدي إلى ضعف الحكم السلطوي/ العسكري، وإلى لجوء الفئات المعترضة إلى وسائل أخرى، بعيدا عن الوسائل السليمة، أو بعيداً عن الحياة السياسية التمثيلية، ما قد يؤدي إلى العنف أو الاضطرابات.

وبصفة عامة، تبدأ المؤسسة العسكرية حكمها بإغلاق البيئة السياسية، واتخاذ تدابير قمعية ضد من يتم اعتبارهم (من وجهة نظر المؤسسة العسكرية) يهددون استقرار الساحة الداخلية، فتكثر حالات المفقودين وتعذيب المحتجزين وإلغاء الأحزاب، أو تهميشها على الأقل، بالإضافة إلى الرقابة الصارمة على الإعلام والتحكم في السلطة القضائية، وقد يتم اللجوء إلى إجراءات ديمقراطية شكلية لتقليل الانتقادات الدولية. وتتعارض البيئة السياسية المغلقة مع حقوق الإنسان، بكل تأكيد، خصوصا تعذيب المسجونين، أو ازدياد أعداد المعتقلين بشكل عام، وكذلك التضييق على حرية الرأي والتعبير.
ويعتمد النظام العسكري على أن إغلاق المجال السياسي هو الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار، ولمحاولة بلوغ معدلات النمو التي وعد بها، لإثبات نجاح الحكم العسكري. ولذلك، يستعاض بالحرمان من الحقوق السياسية بإنجاز تقدم اقتصادي، ولو سريع، شكلاً من تحقيق بعض حقوق الإنسان، وهي الحقوق الاقتصادية.
وفي تجارب كثيرة، حرصت بعض الأنظمة على استقرار حالة عدم الاستقرار أو التهديدات الأمنية، لاتخاذها ذريعة للاستمرار في السلطة.
وتقع معظم الأنظمة السلطوية/ العسكرية في خطأ البحث عن نمو اقتصادي سريع، من أجل تدعيم شرعيتها، ما يؤدي بها إلى اللجوء إلى وسائل قد تدمر اقتصاد البلد على المدى الطويل. المؤسسة العسكرية مهتمة بتحقيق أي نجاح اقتصادي، من أجل تهدئة الجماهير وإخماد مصادر المعارضة، ومن ثم تستطيع التوسع في القمع وانتهاكات حقوق الإنسان.
ولتحقيق معدلات نمو اقتصادي في فتره قصيرة، قد تلجأ الأنظمة العسكرية إلى تكثيف الاعتماد على التمويل الخارجي، والقروض والمنح لتسهيل الاستيراد اللازم للتصنيع والبناء، أو استيراد السلع الرأسمالية ونصف المصنعة. ولكن، على المدى المتوسط، تؤدي تلك الإجراءات إلى تراكم الديون، والحد من القدرة الاستيعابية للسوق المحلية، ويصبح الأمر كارثياً عند حدوث هزة اقتصادية عالمية، أو أزمة اقتصادية، فينهار النظام الاقتصادي، ثم ينهار الحكم العسكري بشكل مفاجئ، خصوصا مع تصاعد الاحتجاج والقمع المقابل.
ولذلك، عادة لا تهتم الأنظمة السلطوية/ العسكرية بالتنمية، ولا الإنتاج والصناعة، ولا التصدير، ولا تقوية الاقتصاد على المدى الطويل، ولا زيادة نسبة التعليم والبحث العلمي والاعتماد على التكنولوجيا والاعتماد على موارد البلد؛ لأن الهدف، كما ذكرت الدراسة، هو تحقيق أي نجاح اقتصادي سريع ونمو سريع على حساب التنمية والعدالة الاجتماعية، وعلى حساب الحرية والديمقراطية والحقوق السياسية.
هدف العسكر في البحث عن شرعية سريعة هو السبب في ضياع كل شيء، وفي تجارب كثيرة، في العقود الأخيرة، خصوصا في أميركا الجنوبية، لجأ العسكر إلى صيغة ضمان الخروج الآمن، والاتفاق مع الثوار الجدد، أو المدنيين، على صيغة لتسليم السلطة بعد ضمانات.
تقودنا الدراسة الرائعة التي نشرت، قبل 26 عاماً، إلى سؤال مهم، هو كيف سيكون شكل انهيار النظام العسكري الذي يحكمنا، وهو يسير على طريق وكتالوج الفشل نفسه الذي سارت فيه عشرات الأنظمة العسكرية الفاشلة من قبل؟ ولماذا يجب أن نجرب هذه التجارب المريرة؟


DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017