01 نوفمبر 2024
عن حزب أمازيغي في تونس
حزب جديد سيُضاف إلى مدونة الأحزاب التونسية يحمل هذه المرّة اسم أكال، أي الأرض في البربرية القديمة، أعلنت عن تأسيسه مجموعة من الشباب التونسيين الذين يلجون عالم السياسة التونسية حديثاً من بوابة الإثنية والانتماء العرقي. وسيكون الحزب 218 في سجلّ الأحزاب المودعة ملفاتها في رئاسة الحكومة التونسية المؤتمنة على تسليم تراخيص العمل الحزبي إن هو نال التأشيرة القانونية. جاء اختيار الاسم وتوقيت إعلانه محكوماً بخلفية أيديولوجية أمازيغو- بربرية، فهو جزء من ثلاثية ما يعرف بالحراك الأمازيغي، أكال وتعني الأرض، أفكان ويقصد بها الإنسان، وأوال وتحيل على اللغة، وهي ثلاثية مقدّسة في العقيدة الأمازيغية التي يتداولها النشطاء البربر، تستمد قدسيتها من أنها تفسّر الأصابع الثلاثة التي يرفعها إيمازيغن، المسمى الرمزي، أو مفرده أمازيغ "الرجل الحر" في الأسطورة البربرية العتيقة، في مقابل "أسوقي" الرجل الأسود أو العبد، حسب تفسير الحسن بن محمد الوزان، والمشهور بليون الأفريقي، وصاحب كتاب وصف إفريقيا.
وعلى خلاف كل الأحزاب والتنظيمات السياسية في تونس منذ ظهور الحزب الحر الدستوري التونسي، بقيادة الزعيم الوطني عبد العزيز الثعالبي سنة 1920، وتُعد بالمئات، وتتوجه إلى التونسيين جميعاً، على اختلاف شرائحهم الاجتماعية، ومستوياتهم التعليمية والفكرية والثقافية،
وانحداراتهم الطبقية والجهوية والعشائرية، يتوجهون إليهم ببرامجهم واختياراتهم، ساعين إلى استقطابهم، وكسب تأييدهم سياسيا وانتخابيا، على خلاف ذلك، يتوجه الحزب الجديد إلى ساكنة محدودة العدد، وهم الأمازيغ. والمجموعة الأمازيغو- بربرية في تونس لا يتجاوز عدد أفرادها واحدا في المائة من عدد سكان تونس، أي ما لا يزيد عن مائة ألف ساكن، حسب الإحصائيات التي تتداولها الموسوعات والمدونات والتقارير المتخصصة، ومن ذلك تقرير تمازغا الذي أعدته منظمة تمازغا البربرية لفائدة لجنة القضاء على التمييز العنصري في الأمم المتحدة في جنيف سنة 2003، ودائرة المعارف الإسلامية المشهود لها بالدقة والصرامة الأكاديمية. ويستوطن أغلبهم قرى الجنوب التونسي وحواضره في الدويرات وشنني ومطماطة وجزيرة جربة. وينقسمون مذهبياً بين السنة المالكية والأباضيين الخوارج، جلهم لا يستعمل اللغة الأمازيغية، وإن استعملوها فبطريقة محدودة معجماً وتداولاً ومجالاً، فقد هجرها أهلها إلى ما يمكّنهم من تيسير حياتهم والتواصل مع الآخرين بواسطة ما هو مستعمل من اللغات، أي العربية ولهجاتها، وقليل من الفرنسية.
لا يبدو أن القائمين على الحزب الأمازيغي الجديد يمتلكون تجربة تاريخية في النضال السياسي والمعارضة، أو ممارسة الحكم، كما هو شأن أغلب الأحزاب التي تنحدر من العائلات الأيديولوجية والسياسية التقليدية العروبية والإسلامية والليبرالية والدستورية واليسارية. ولم يسجل لهم المؤرخون التونسيون أو الأجانب نشاطا سياسيا يذكر، مهما كان حجمه وطبيعته على مدى عشرات السنين، إبّان حكمي بورقيبة وبن علي، أو حتى أثناء حكم البايات الحسينيين منذ سنة 1705. ولم يمارسوا أي عمل احتجاجي بربري أمازيغي، حتى أن التونسيين لا يعرفون شيئا يسمى القضية الأمازيغية، أو هم على دراية بظلم أو اضطهاد مورس على شريحة من التونسيين يسمون الأمازيغ، ما يعطيهم شرعية ما وحنكة وتجربة وعقلانية وحقوقا في ممارسة السياسة، بوصفها شأنا عاما يتطلب كثيرا من التضحية والمسؤولية والحذر. وباستثناء إشارة مؤسسي الحزب العامة إلى انتمائهم إلى العائلة الاجتماعية الديمقراطية التقدمية، والذي يشتركون فيه مع قوى سياسية عديدة، وأن مرشحهم للرئاسة هو سليل اليسار الطلابي، لم يُظهر نشطاء الأمازيغية فكرة جديدة تختلف عن الأفكار المتداولة في سوق الأحزاب التونسية، يتوفر فيها الحدّ الأدنى من الواقعية، تقبل الترويج، وتستخدم في التعبئة السياسية، وخصوصا أنهم اختاروا الأيديولوجيا بدل السياسة في التعريف بأنفسهم، فوشحوا خطابهم بضرورة الاعتراف باللغة البربرية، وتدريسها في المدرسة التونسية، وهي اللغة التي لم يحصل اتفاقٌ حول كتابتها بالحروف اللاتينية أو بحرف التيفيناغ، والمتفرعة إلى عدة لغات، مثل الريفية والقبايلية والشلحية والشاوية والمزابية، حتى أن غابرييل كامب، وهو من كبار دارسي البربر، يقر بأنه "لا توجد اليوم لغة بربرية، بالمفهوم الذي تكون فيه انعكاسا لمجموعة تحس بانتماء موحد". وأمعنوا في اليوتوبيا الداعية إلى توحيد البربر الأمازيغ المنتشرين في فضاء جغرافي، يمتد من
جزر الكناري الإسبانية غربا إلى واحة سيوة المصرية شرقا، في دولة واحدة تسمى تامازغا، تضم كامل منطقة المغرب العربي وجزءا من مالي، وتقوم على أنقاض الدول القائمة حاليا.
ويطرح بعث حزب أمازيغي مرجعيته عرقية وإثنية تناقضا مع الفصل الأول من الدستور التونسي لسنة 2014 الذي أقرّ بأن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها..لا يجوز تعديل هذا الفصل"، ومع ما ورد في توطئته من تمسّك الشعب التونسي بمقومات الهوية العربية الإسلامية، وانتماء تونس الثقافي والحضاري للأمة العربية والإسلامية، ودعم الوحدة المغاربية، خطوة نحو تحقيق الوحدة العربية، ومع ما حثّ عليه الفصل عدد 38 من تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية، وترسيخ اللغة العربية ودعمها، وتعميم استخدامها. كما يتناقض وجود هذا الحزب مع ما حثّ عليه مرسوم الأحزاب لسنة 2011 في فصله الرابع من أنه "يحظر على الأحزاب السياسية أن تعتمد في نظامها الأساسي، أو في بياناتها، أو في برامجها، أو في نشاطها، الدعوة إلى العنف والكراهية والتعصب والتمييز على أسس دينية أو فئوية أو جنسية أو جهوية"، الأمر الذي يضع الحكومة في مأزقٍ حقيقي، فإن هي منحت هذا الحزب التأشيرة القانونية، ومكّنته من العمل والترشح في 80% من الدوائر الانتخابية، كما أعلن ذلك مؤسسوه، ستخترق الدستور والمرسوم المنظم للأحزاب، وإن هي التزمت الدستور والقانون، ورفضت تمكين حزبٍ لا يقبل بهوية تونس
العربية الإسلامية، ويدعو إلى هوية ولغة أخرى هي الأمازيغية، ويتجه إلى فئةٍ معينةٍ دون غيرها، تربطها روابط عرقية عتيقة، ستجد نفسها في مرمى القوى الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ومنظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي مارست ضغوطاً كبيرة على نظام بن علي للاعتراف بحقوق الأمازيع الثقافية، وها هي تعيد الكرّة بعد سنة 2011، ما أفرز عدة جمعيات ثقافية أمازيغية، استحالت، أخيرا، حزبا سياسيا سيلقى
التمويل السخي، كما لقي التغطية الإعلامية والاتصالية اللازمة، على الرغم من هشاشة تجربته وخوائه من أي برنامج سياسي حقيقي، يمكن أن ينهض بتونس، ويساعدها على تجاوز أزمتها الهيكلية اقتصاديا واجتماعيا.
يعيد ظهور حزب أمازيغي في تونس إلى الذاكرة التجربة الأمازيغية في كل من الجزائر والمغرب، فقد كانت المسألة البربرية في البلدين في أوج اعتمالها في العشرية الأولى من هذا القرن، فانزاحت من الثقافي الصرف إلى السياسي المحض الذي لم يقتصر على بعث أحزابٍ سياسيةٍ أمازيغية، كما حدث في المغرب الأقصى سنة 2005 بتأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي، بقيادة أحمد أدرغني، الذي سعى إلى تدويل المسألة البربرية في المغرب وإحراج الحكومة المغربية، وإنما بلغ الأمر حدّ تشكيل حكومة منفى يتزعمها فرحات مهني في فرنسا، والدعوة الى انفصال القبائل في الجزائر، و"إنشاء جهاز أمني مسلّح في منطقة القبائل يحلّ محل السلطات الأمنية الجزائرية، على طريقة قوات حماية الشعب الكردية في سورية"، تمهيداً لما اعتبره "تحقيق حلم استقلال منطقة السكان الأمازيغ"، فأي موقف ستتخذه الحكومة التونسية تجاه حزب أكال الأمازيغي؟
لا يبدو أن القائمين على الحزب الأمازيغي الجديد يمتلكون تجربة تاريخية في النضال السياسي والمعارضة، أو ممارسة الحكم، كما هو شأن أغلب الأحزاب التي تنحدر من العائلات الأيديولوجية والسياسية التقليدية العروبية والإسلامية والليبرالية والدستورية واليسارية. ولم يسجل لهم المؤرخون التونسيون أو الأجانب نشاطا سياسيا يذكر، مهما كان حجمه وطبيعته على مدى عشرات السنين، إبّان حكمي بورقيبة وبن علي، أو حتى أثناء حكم البايات الحسينيين منذ سنة 1705. ولم يمارسوا أي عمل احتجاجي بربري أمازيغي، حتى أن التونسيين لا يعرفون شيئا يسمى القضية الأمازيغية، أو هم على دراية بظلم أو اضطهاد مورس على شريحة من التونسيين يسمون الأمازيغ، ما يعطيهم شرعية ما وحنكة وتجربة وعقلانية وحقوقا في ممارسة السياسة، بوصفها شأنا عاما يتطلب كثيرا من التضحية والمسؤولية والحذر. وباستثناء إشارة مؤسسي الحزب العامة إلى انتمائهم إلى العائلة الاجتماعية الديمقراطية التقدمية، والذي يشتركون فيه مع قوى سياسية عديدة، وأن مرشحهم للرئاسة هو سليل اليسار الطلابي، لم يُظهر نشطاء الأمازيغية فكرة جديدة تختلف عن الأفكار المتداولة في سوق الأحزاب التونسية، يتوفر فيها الحدّ الأدنى من الواقعية، تقبل الترويج، وتستخدم في التعبئة السياسية، وخصوصا أنهم اختاروا الأيديولوجيا بدل السياسة في التعريف بأنفسهم، فوشحوا خطابهم بضرورة الاعتراف باللغة البربرية، وتدريسها في المدرسة التونسية، وهي اللغة التي لم يحصل اتفاقٌ حول كتابتها بالحروف اللاتينية أو بحرف التيفيناغ، والمتفرعة إلى عدة لغات، مثل الريفية والقبايلية والشلحية والشاوية والمزابية، حتى أن غابرييل كامب، وهو من كبار دارسي البربر، يقر بأنه "لا توجد اليوم لغة بربرية، بالمفهوم الذي تكون فيه انعكاسا لمجموعة تحس بانتماء موحد". وأمعنوا في اليوتوبيا الداعية إلى توحيد البربر الأمازيغ المنتشرين في فضاء جغرافي، يمتد من
ويطرح بعث حزب أمازيغي مرجعيته عرقية وإثنية تناقضا مع الفصل الأول من الدستور التونسي لسنة 2014 الذي أقرّ بأن "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها..لا يجوز تعديل هذا الفصل"، ومع ما ورد في توطئته من تمسّك الشعب التونسي بمقومات الهوية العربية الإسلامية، وانتماء تونس الثقافي والحضاري للأمة العربية والإسلامية، ودعم الوحدة المغاربية، خطوة نحو تحقيق الوحدة العربية، ومع ما حثّ عليه الفصل عدد 38 من تأصيل الناشئة في هويتها العربية الإسلامية، وترسيخ اللغة العربية ودعمها، وتعميم استخدامها. كما يتناقض وجود هذا الحزب مع ما حثّ عليه مرسوم الأحزاب لسنة 2011 في فصله الرابع من أنه "يحظر على الأحزاب السياسية أن تعتمد في نظامها الأساسي، أو في بياناتها، أو في برامجها، أو في نشاطها، الدعوة إلى العنف والكراهية والتعصب والتمييز على أسس دينية أو فئوية أو جنسية أو جهوية"، الأمر الذي يضع الحكومة في مأزقٍ حقيقي، فإن هي منحت هذا الحزب التأشيرة القانونية، ومكّنته من العمل والترشح في 80% من الدوائر الانتخابية، كما أعلن ذلك مؤسسوه، ستخترق الدستور والمرسوم المنظم للأحزاب، وإن هي التزمت الدستور والقانون، ورفضت تمكين حزبٍ لا يقبل بهوية تونس
العربية الإسلامية، ويدعو إلى هوية ولغة أخرى هي الأمازيغية، ويتجه إلى فئةٍ معينةٍ دون غيرها، تربطها روابط عرقية عتيقة، ستجد نفسها في مرمى القوى الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ومنظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي مارست ضغوطاً كبيرة على نظام بن علي للاعتراف بحقوق الأمازيع الثقافية، وها هي تعيد الكرّة بعد سنة 2011، ما أفرز عدة جمعيات ثقافية أمازيغية، استحالت، أخيرا، حزبا سياسيا سيلقى
يعيد ظهور حزب أمازيغي في تونس إلى الذاكرة التجربة الأمازيغية في كل من الجزائر والمغرب، فقد كانت المسألة البربرية في البلدين في أوج اعتمالها في العشرية الأولى من هذا القرن، فانزاحت من الثقافي الصرف إلى السياسي المحض الذي لم يقتصر على بعث أحزابٍ سياسيةٍ أمازيغية، كما حدث في المغرب الأقصى سنة 2005 بتأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي، بقيادة أحمد أدرغني، الذي سعى إلى تدويل المسألة البربرية في المغرب وإحراج الحكومة المغربية، وإنما بلغ الأمر حدّ تشكيل حكومة منفى يتزعمها فرحات مهني في فرنسا، والدعوة الى انفصال القبائل في الجزائر، و"إنشاء جهاز أمني مسلّح في منطقة القبائل يحلّ محل السلطات الأمنية الجزائرية، على طريقة قوات حماية الشعب الكردية في سورية"، تمهيداً لما اعتبره "تحقيق حلم استقلال منطقة السكان الأمازيغ"، فأي موقف ستتخذه الحكومة التونسية تجاه حزب أكال الأمازيغي؟