عن بداية

22 ديسمبر 2018
أيام قليلة تفصلنا عن العام الجديد (سيرغي مالغافكو/ Getty)
+ الخط -


أيام قليلة تفصلنا عن عام جديد. في مثل هذه الأيام، نبدأ وربّما عن غير قصد، بتقييم عامنا المنتهي ساعين إلى الاستفادة من "أخطاء"، إن صحّ التعبير، ووضع أهداف جديدة للعام الجديد. أيّ نهاية تخلق شعوراً بالرهبة والحنق. ها هو عامنا الجديد يقترب من دون أن ننجز كثيراً ممّا كنّا قد دونّاه في ذلك الكتيّب السريّ الذي أطلعنا كثيرين عليه، في محاولة لتذكير أنفسنا بما ننوي فعله أو سماع كلمات التشجيع والشعور بتلك "العظمة" وإن لوقت قصير. ما هو جيّد أنّ النهاية لن تدوم طويلاً. نحن نعرف توقيت البداية بالدقيقة والثانية اللتَين نهلّل خلالهما لقدومها. كأنّنا نطوي صفحة ونفتح أخرى ببساطة، ونضع أهدافاً جديدة كأنّما تلك القديمة لم تكن يوماً، ولا ننتبه إلى أنّ الحياة تتابع مسارها مثلما كانت. هي مجرّد وعود نُسقطها على حياتنا ونأمل تحقيقها.

هذه البداية تحمينا من نهاية تُعرّي كثيراً من الخيبات. هي لا تختصر عاماً، بل تُضاف إليها خيبات الأعوام التي سبقت، قبل أن تحلّ البداية الجديدة لتمحو ثقل تلك الأعوام. البداية الجديدة نفسها، تسرق منّا الوقت. الأيام والساعات الماضية لا تعود. رواسبها فقط تجد لها مكاناً في أجسادنا لتطوّق المقبل من أيامنا. وليس في ذلك تشاؤم، بل هي حياتنا التي تدور بين أعوام قديمة وأخرى جديدة. حياتنا التي تبقيها الأحلام تنبض لتُبنى أحلام جديدة.

عام نتذكّر في نهايته كثيراً من الخيبات وقليلاً من التفاصيل الجميلة. هكذا اعتدنا، أم هي طريقتنا لنجبر أنفسنا على "العطاء"... عطاء أرواحنا التي تقضي أعواماً طويلة في البحث عن معنى لوجودها. وإذا ما وجدته، تكون الأعوام الجديدة قد أخذت منها عمرها.



لو أننا نبدأ من نهايات البدايات، بعد أن نكون قد انتهينا من ذلك الضياع أو التردّد، ونعيش الحياة التي نريد في الوقت الأجمل، حين تكون أجسادنا ما زالت قادرة على تحمّل طموحاتنا. نحتاج إلى هذه المواءمة حتى تتحقق أشياء جميلة.

ينتهي العام. أحياناً، لا نجد الوقت لفعل الحساب، فيمرّ العام تلو الآخر، ونكتفي بتلك التمنيات الفضفاضة. "الّلي جاي أحلى" (الآتي أجمل)، ولا يمكننا الاعتراض أو نكون من أولئك المتشائمين النكديّين الذين بات الناس يبتعدون عنهم.

وأنا... تُخيفني الأيام الأخيرة. أخشى أن أودّع نفسي في عام اعتدت عليّ فيه. ماذا أخبّئ لنفسي في العام الجديد. أكسب أم أخسر بعض الوزن؟ هراء. أخاف تلك التفاصيل، القادرة على حبسي في سرير أو غرفة على الأكثر. تلك التفاصيل صنعت خيبات كثيرة، وما زالت تحاول صنع المزيد. لكن مهلاً، ثمّة بداية.
دلالات
المساهمون