شهد العالم عمليتين انتخابيتين في دولتين تشتركان في الكثير، سواء في الماضي الاستعماري لإحداهما، والذي ما زالت الأخرى تمارس مفاعيله حتى اللحظة، أو بطبيعة التنطح والادعاء بالتصدي للإرهاب في العالم، خصوصاً في المنطقة العربية، بل وأخذ المآخذ على الإدارة الأميركية بهذا الشأن، في سباق لإثبات الأسبقية أو الأولية في العداء مع الإرهاب، وكأنه بعيد عما اقترفتاه وتقترفانه بحق الآخرين من شعوب أفريقية أو الشعب العربي ومنه الفلسطيني اليوم، أو حتى في الحضور اليميني وتطوره بين القطاعات الشابة.
ولم تأت نتائج الانتخابات الإسرائيلية مفاجئة، لا في طبيعة الخطاب الانتخابي الذي كان متداولا أثناء الأسابيع القليلة التي سبقتها، ولا شيء جديداً في جوهره، ولا من حيث النتائج التي أفرزتها، إلا لمن كان يراهن على إمكانية تحقيق تغيير في العلاقة مع إسرائيل أو شكل فعلها ووجودها في المنطقة، انطلاقا من آلية تغيير إسرائيلية داخلية، وهذا فيه حيد عن فهم الطبيعة المؤسسة لإسرائيل كيانا استعماريا عنصريا.
وما يهم هو ليس هذا الرهان، ولا النقاش حول ما يمكن أن يجنيه العرب من وراء أي احتمال لما كان ممكنا أن تنتهي إليه هذه الآلية الديمقراطية في أبعد البلدان عن جوهر الديمقراطية، إذ يستحيل التغاضي عن كل ما تمثله وتمارسه هذه الدولة بحق العرب، من استعمار إحلالي وعنصرية، والقفز تهليلا لأي من الخيارات التي يعتمدها الناخب الإسرائيلي، بل ما يستدعي الاهتمام بعد الأهمية التي تمتعت بها الكتلة العربية التي توحدث أخيرا في الكنيست الإسرائيلي، وما تشكل هذه الوحدة من إسناد للمهمة النضالية التي ينتظر من النواب العرب التصدي لمتطلباتها، هو حجم الإزاحة في توجهات الشباب الإسرائيلي نحو الأحزاب اليمينية، وكأن حمى الغيرة من الدواعش تحفز هؤلاء وتذكرهم بأنهم أصحاب السبق في التطرف والإرهاب في المنطقة.
وليس ببعيد الحال في فرنسا، حيث تم عقد الجولة الأولى من الانتخابات المحلية/الأقاليم في مختلف المحافظات الفرنسية يوم الأحد الفائت 22مارس/آذار 2015، إذ قدمت نتائج هذه الجولة الانتخابية تأكيداً على صدقية كثير من التوقعات بصعود اليمين وأقصى اليمين الفرنسي إلى صدارة حصد أصوات الفرنسيين، فجاء الاتحاد من أجل حركة شعبية، نيكولاي ساركوزي، أول، لتليه، الجبهة الوطنية، مارين لوبان، ليشكلا صورة يمينية صارمة لخيارات الناخبين الفرنسيين، بدعم وانخراط واسع وملحوظ من طرف القطاعات الشبابية.
بالتأكيد ليس مصادفة أن يجد عتاة اليمين، وأكثرهم عنصرية، ردحا واسعا لتوسيع قاعدتهم الشعبية الشبابية، خصوصاً في ظل توفر جل العوامل المطلوبة لأجل ذلك، ففي فرنسا ليس بعيدا ما تم من هجوم على المجلة العنصرية "شارلي إيبدو" حيث اختلطت الآراء وتعددت حول الحادثة، ولكن لا مجال للقفز على حقيقة أن الدم والقتل يستثيران الضمير الجمعي للشعوب، ولا يتيحان الكثير من المساحة لخيارات العقل، ولا للمعالجة التاريخية للأحداث، بل يغذيان حمى النزوع الفطرية للجماعة العضوية، ويقصيان كل صوت يتعلق بالعقلانية، لصالح الأصوات الغوغائية العنصرية، التي أصبحت تشكل جاذبا لكثير من الشباب في المجتمعات، التي من المفترض أنها عبرت عتبة الحداثة والدمقرطة، ومما يغذي هذا الجذب بالتأكيد، تصاعد الخطاب ضد المهاجرين وضد كل ما هو من خارج العرق أو الطائفة.
لكن، لماذا يكون من المفهوم سوسيولوجياً في الدوائر الغربية توجه الشباب نحو اليمين والتطرف، بل ونحو الجماعات النازية، ولا يكون مفهوما، أو مقبولا، أن يتم التعاطي بذات النسق مع عوامل جذب قطاع من الشباب العربي إلى حضن التطرف والإرهاب، على الرغم مما تعانيه مجتمعاتهم من سلطة قهرية مستبدة وما يتبعها من مفاعيل الدكتاتورية.
راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk