عن الكراهية التي أفسدت كل شيء

31 ديسمبر 2015
الآن، مشكلتنا في مصر، هي الكراهية (فرانس برس)
+ الخط -
لطالما سألت نفسي صغيراً: لماذا كل هذه القصائد في الحب، الأغاني، الروايات، الأفلام، أي كلمة تلك التي تختزل الحياة في حرفين، حاء وباء، حب، أي معنى سماوي ينضوي تحتهما، أي حب؟


لم أفهم، ولا أظنني قد فهمت بعد، لكنها التجربة والمحاولة، الحب، هو القيمة التي تجاوزت دون غيرها حدود الخوف، وكسرت حاجزها، لا يوم 25 يناير، فحسب، إنما أيامنا الـ 18 داخل الميدان، الحب فعلها، حب الحياة، والطموح في غيرها، والحب كان من وراء بقاء الفعل وتمدده، إلى الآن، لو لم نحب ثورتنا، ما حفظناها، كل على قدر حبه.

الحب، فعل مقاومة، الحب من حيث هو حب، ثورة في ذاته، الحياة، هذه التي نعيش تفاصيلها اليومية، تنتج الكراهية في كل شاردة وواردة، الآخرون هم الجحيم، هكذا قالوا، عن واقع، لا عن حق، زملاؤك هم الجحيم، رفاقك هم الجحيم، جيرانك هم الجحيم، الكراهية، الغيرة، التنافس غير الشريف، الضرب تحت الحزام، النهش في لحوم الخصوم، الخوض في أعراضهم، تشويههم، تلويثهم، فعل الكراهية يحيط بكل هذا، ينتجه، ويغذيه، يكبر، ويبدو لي أنه لا يشيخ، وحده الحب يقف مقاوماً، ومتهماً، ومستهزأ به، حتى صرنا نضع من يرومه بين قوسي السخرية والاتهام بمفارقة الواقع، ليس مثل من يحب شخصاً واقعياً، ينحاز لواقعه ليغيره، ليس مثل من يحب عقلانياً، يحاول إعادة فهم واقعه، وإعادة صبه في قوالب إنسانية، ليس مثل من يحب رجلاً.

الآن، مشكلتنا في مصر، هي الكراهية، هي انسحاب فعل المقاومة/ الحب، إلى درجة نوشك أن نعلن معها وفاته، اعتقاله، اختفاءه قسرياً في ظروف غامضة لم تدركها تنفيسات السيسي الأخيرة، خشية موجة ثورية مقبلة.

الكراهية تحكم علاقة الفرقاء السياسيين، يكرهون الإسلاميين لأنهم الأكثر، يكرهون اليسار لأنهم الأطلق لساناً، وحجة، وإعلاماً، وعلاقات، يكرهون الليبراليين لأنهم الأقرب للغة السيد، يكرهون الناجحين لأنهم فشلة، يكرهون المخلصين لأنهم "أولاد ستين كلب"، يكرهون لأنهم يكرهون، والحاصل: السيسي/ حصاد الكراهية!

ماذا لو وضعنا معياراً يتجاوز به الخطاب النقد إلى الكراهية وطبقناه على مقالاتنا، بوستاتنا، تويتاتنا، على الكاريكاتير، والكوميكس، والإيموشن؟، ستطفح بالوعات الكراهية وتبتلع مدننا الافتراضية عن آخرها، ماذا لو أخذنا إجازة ليوم واحد من كل هذا، يوم، أحاول أن أتخيل يوماً، على السوشال ميديا، خلاف طاحن، إلى درجة التضاد الكامل، لكن دون كراهية، ما الناتج؟ في تصوري، فكرة، قد تعيد لنا كل ما خسرناه في السنوات الثلاث الماضيات، وقد تنقلنا إلى مربع آخر كنا نتغناه منذ 11 فبراير، إلى الآن، ولم ندركه، ليس لأننا أسأنا التخطيط، قدر ما أننا أسأنا إدارة مشاعرنا.

الطبيعة البشرية في السياسة، ليس مجرد عنوان لكتاب، هو الأهم والأخطر في النصف الأول من القرن العشرين لغراهام والاس، إنما هو مسار يمتد منذ بدء الاجتماع إلى نهاية التاريخ، إن كان له نهاية، هذه نحن، كل ما نتخفى وراءه من أقنعة أيديولوجية، وقيمية، هي في حقيقتها تبريرات معقولة لمشاعر، ماذا لو قررنا أننا لن نكره، لأن مصالحنا مع الحب، ماذا لو تمرنا، ماذا لو تمردنا على منجزنا المتعاظم في مراكمة خطابات نسميها أبحاثاً، ومقالات، معمقة، تحليلية، استقصائية، إلخ .. وكلها تمظهرات لفعل الكراهية، تلتمس أدلة من قراءات ليست نهائية لواقع ليس واضحاً بما يكفي.

لقد كان من الطبيعي، والمنطقي، أن تكون الكراهية بضاعة الانقلاب العسكري في مصر، إنتاجاً، وتغليفاً، وتوزيعاً، زراعة، وصناعة، وتجارة، واستيراداً، وتصديراً، دعاية، وإعلاناً، الكراهية بشتى صورها، من التآمر السياسي إلى "احنا شعب وأنتوا شعب"، و"تسلم الأيادي"، الغريب أن الثور الأبيض لم يعد وحده، لحقت به بقية الثيران/ تلك التي صدمتنا فيها مرتين، مرة حين لحقت بشاردها الأول، والأخرى حين تبين لنا أنهم بدورهم ثيران، ونحن من كنّا نتصور كذباً أنهم خيولنا التي تصهل، جربوها، قفوا، ولو مرة، في أحذية بعضكم بعضاً، وتكلموا، ستنجح.

(مصر)
المساهمون